آخر الأخبار
The news is by your side.

القرض المعبري عبور نحو النمو المستدام ام نحو مزيد من الديون (1)

الاقتصاد السياسي للسودان … بقلم: د. سبنا امام

القرض المعبري عبور نحو النمو المستدام ام نحو مزيد من الديون (1)

ان الاغلبية بما فيهم الحكومة ممثلة في وزير ماليتها قد انشغلوا بنقاش التعريف بالقرض المعبري ونقاش تفاصيله الفنية . ولكن كأقتصاديين لا يعنينا ذلك كثيرا فالقرض المعبري هو احد ألاساليب المستحدثة من المصرفيين لإعادة جدولة الديون للدول المتعسرة وهو اسلوب معروف في البنوك التي تستثمر في التمويل العقاري ولكن جرى حديثا استخدامه في إعادة جدولة ديون الدول الفقيرة المثقلة بالديون .

وما نركز عليه حقيقة هو الاثر الاقتصادي على نمو الناتج المحلي في المدى البعيد. وكالعادة فإن الاثر الاقتصادي يتم التعبير عنه بالسيناريوهات المحتملة الوقوع مستقبلا. وسنحاول هنا ان نستقرئ الاثر في المدى البعيد عبر رسم سيناريوهين قابلين للحدوث بنسبة متساوية وسنوضح العوامل التي سترجح اي من السيناريوهين سيكون الاوفر حظا للتحقق.

ولكن لابد اولا من ان نضع اساسا نظريا للعلاقة بين الدين الخارجي والنمو ولماذا تنجح بعض الدول في الاستفادة من الديون فيما تغرق اخرى في حلقة مفرغة من الاستدانة وإعادة الجدولة المفضية لمزيد من الاستدانة. فما القرض المعبري الا تفصيلة صغيرة في قصة كبيرة اسمها الاقتراض الخارجي والنمو الاقتصادي.

الدين الخارجي والنمو الاقتصادي

تشير اغلب الدراسات الاقتصادية التي تناولت دراسات مقارنة للدول ودراسات الحالة لدول بعينها ان العلاقة بين الديون والنمو الاقتصادي في المدى البعيد هي علاقة غير خطية تأخذ شكل ال Inversed U -shape او شكل U مقلوب وهي تعني ان العلاقة بين الدين الخارجي والنمو لا تستمر في ذات النسق في المدى الطويل وانما تمر بنقطة انقلاب inflection point تنعكس فيه العلاقة في المدى الطويل.

فالعلاقة تكون طردية في البداية و تتحول الى علاقة عكسية بعد مستوى محدد او threshold فالديون الخارجية لها اثر ايجابي على الناتج المحلي حتى مستوى تكون فيه مساوية ل 40% من الناتج المحلي و 35%من عائد الصادر بعد هذا المستوى فان الحصول على اي دين سيكون له اثر سلبي على النمو في المدى البعيد. وعليه فكم نقترض وكيفية ادارة القروض من اهم محددات نجاح بعض الدول في الاستفادة من الدين كالدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية وفشل غيرها كمعظم الدول الإفريقية ومنها السودان.

ولكن لماذا تستدين الدول النامية من الا ساس و لماذا لا تنهض بمواردها الذاتية؟

وفقا لنموذج النمو النيوكلاسيكي او ما يعرف بنموذج سولو يعتمد النمو على الادخار والاستثمار كأداتين لتراكم رأس المال وعليه تشخص الدول النامية بضعف تراكم رأس المال نتيجة لضعف معدل الادخار الذي يترتب عليه ضعف معدل الاستثمار وبالتالي تراجع النمو الاقتصادي . وعليه تحتاح هذهه الدول لسد الفجوة في رصيد رأس المال عبر الاقتراض من الدول التي لديها فائض برأس المال وهي الدول الغربية كدول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وهذه العملية تعرف في الاقتصاد بال dual gap theory.

ووفقا لبروفيسور ساكس فإن النمو لن يصبح مستداما حتى يصل حجم تراكم رأس المال لمستوى محدد وببلوغه ذلك الحد سيرتفع الاستثمار ويزداد النمو بشكل مضطرد ومستدام حيث يزداد معدل الادخار بازدياد النمو وبعد مستوى نمو وادخار محددين نصل لمرحلة ال self- sustained growth. او النمو الذاتي. اي ان الدولة لم تعد بحاجة لسد الفجوة في رصيد رأس المال عبر الاستدانة الخارجية لكون ان معدلات الادخار في هذا البلد باتت عالية بشكل يسمح بترتكم رأس المال الذاتي.

ولكن الى اي مدى يجب ان تقترض دولة ما او ما هو معدل الاقتراض الامثل؟

يفترض نموذج سولو للنمو ان الدول النامية يمكنها الاستمرار في الاقتراض طالما ان العائد من الاقتراض اكبر من تكلفة الاقتراض . وعليه فبمجرد ان تصبح تكلفة خدمة الدين اعلى من عائد الاستثمارت الممولة بالدين في دولة ما تكون تلك الدولة قد دخلت في الحلقة المفرغة للعجز عن سداد الدين والاقتراض للوفاء بخدمة الدين وهي الحلقة المفرغة التي دخل فيها الاقتصاد السوداني واغلب الاقتصادات الافريقية كالمغرب ونيجيريا وكذلك الاقتصاد اليوناني فيما عرف بأزمة الدين .

ولكن لماذا فشلت القروض في مساعدة اغلب الدول النامية عن بلوغ مرحلة النمو الذاتي المستدام؟

ما حدث في اغلب الدول النامية ان تكلفة الاقتراض دائما تكون اعلى من العائد على الاقتراض مما خلق علاقة nonmonotonic سلبية بين النمو والدين الخارجي في اغلب هذة الدول ويرجع ذلك تاريخيا لان الولايات المتحدة حين الغت اتفاقية بريتون وودز وحولت الدولار لمخزن عالمي للقيمة طبعت كميات كبيرة من عملتها ومولت بها القروض للدول النامية تحت مظلة الإصلاحات الاقتصادية والتي من ابرزها إزالة القيود الجمركية وفتح الاسواق مقابل القروض وكانت هذه القروض تمنح بمعدلات فائدة اعلى من قدرة العائد على الاستثمار في اغلب الدول النامية ولذلك سرعان ما فشلت اغلب المشاريع التي اسست بهذة القروض مثل المشاريع الصناعية التي اسسها نميري في سبعينيات القرن المنصرم فقد كانت مشاريع فاشلة قبل ولادتها لجهة ان سعر الفائدة على القروض التي اسست بها كان اعلى من معدل العائد على الاستثمار فيها.

وقد حددت الدراسات التي تناولت فشل سياسات سد الفجوة في تراكم رأس المال عبر الاستدانة الخارجية في عدة دول مختلفة اسبابا عامة ومشتركة بين تجارب هذة الدول هذا مع عدم اغفال ما يعرف بال country specific factors وهي الاسباب الخاصة بالظروف المعينة في كل دولة ولكننا هنا سنركز على الاسباب المشتركة والتي تتلخص في الاتي:

اولا: ان الاثر السلبي للدين الخارجي على النمو الاقتصادي لا يمر فقط عبر قناة اصل الدين بل ايضا خدمات الدين بل ان دراسة قام بها كوهين (1993) وكليمنتس( 2003) اوضحا فيها ان خدمة الدين اكثر ضررا على النمو من رصيد الدين وذلك لان لها اثر الازاحة crowding-out effect على الاستثمار الحكومي. فخدمة الدين تمتص موارد الحكومة. وعليه تعاني الحكومات في اغلب الدول النامية المثقلة بالديون من ال debt -induced liquidity constraint. فلا تستطيع تنفيذ اي مشاريع بنية تحتية او انتاجية نتيجة لانشغالها بسداد مدفوعات اصل الدين والفوائد.

ثانيا: رصيد الدين، كلما ازداد رصيد الدين انخفض الاسثمار وبالتالي النمو فيما يعرف بأثر الdebt overhang effect . وهو الحالة التي تصف عدم استقرار الاقتصاد الكلي وتراجع العائد الضريبي والاخير يحدث نتيجة إحجام المستثمرين عن الاستثمار لاعتقادهم بارتفاع الضريبة لتغطية خدمة الديون. فيما ينبع عدم استقرار الاقتصاد الكلي من ان الدين الخارجي يفاقم عجز الميزانية يخلق حالة من عدم التأكد حول ايراداتها التي تتوقف على قرارات المقرضين.

ولذلك كان الاثر النهائي للاقتراض في تجارب اغلب الدول النامية التي استدانت بما فيها السودان هو ضعف وتراجع النمو في المدى الطويل ولذلك برزت برامج الاعفاء من الديون لمساعدة هذة الدول على اعادة جدولة ديونها بشكل يمكنها من الايفاء بمدفوعات الديون المستقبلية واحدثها مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون HIPIC.

وفي تكملة هذا المقال سنتناول الاثر الاقتصادي لهذه المبادرة في الدول التي طبقت بها ونحاول في ضوء ذلك رسم السيناريوهات المتوقعة لمسار الاقتصاد السوداني في هذة المبادرة مستقبلا في مقاربة بين خصوصية الاقتصاد السوداني وتجارب الدول الاخرى.

 

بعض المصادر المهمة:

Ayadi, F.S. and Ayadi, F.O., 2008. The impact of external debt on economic growth: A comparative study of Nigeria and South Africa. Journal of sustainable development in Africa, 10(3), pp.234-264.

Fosu, A.K., 1996. The impact of external debt on economic growth in Sub-Saharan Africa. Journal of economic development, 21(1), pp.93-118.

Pattillo, C.A., Poirson, H. and Ricci, L.A., 2002. External debt and growth.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.