آخر الأخبار
The news is by your side.

الصادق المهدي تاريخ ممتد من شق الصفوف

الصادق المهدي تاريخ ممتد من شق الصفوف

بقلم : تاج السر عثمان
لا يمكن تناول تجميد الصادق المهدي لنشاط حزبه في ق.ح.ت، وطرحه “عقد اجتماعي” جديد واستمرار شقه للصفوف ، بدون الأخذ في الاعتبار المصالح الطبقية والاجتماعية التي يعبر عنها التي تضعه باستمرار في تضاد مع مصالح الجماهير في حزب الأمة والبلاد، والتي قادت لعدم استقرار واستدامة الديمقراطية ،وازدهار الحالة الاقتصادية والمعيشية ،والسلام والتنمية المتوازنة في بلادنا لأكثر من 64 عاما من الاستقلال، في حين تمّ استدامة الديمقراطية في بلدان نالت استقلالها متزامنة أو قريبة منا مثل: الهند التي استقلت عام 1947 و تميزت بتعدد قبلي وطائفي.

* لقد كانت الثورة المهدية في فترتها الأولي حتى وفاة المهدي قومية وحدت وشاركت فيها كل قبائل السودان، وطرحت شعار العدالة والأرض لمن يفلحها كما جاء في أول منشور للمهدي، وكان الإمام المهدي مثالا للزهد، ورفض التكالب علي الثروة وامتلاك الأراضي من بعض قيادات المهدية.

* بعد ذلك جاءت فترة حكم الخليفة عبد الله التعايشي التي شهدت التفاوت والصراع الطبقي والاجتماعي،وبروز فئات الحكام، والأمراء والتجار،والمزارعون، وقيادات الجيش، والعاملين بأجر، والطبقة العاملة والرقيق، والتكالب علي حيازة الأراضي والأطيان، والتفاوت الصارخ في المرتبات الشهرية ، واتسع ثراء الرأسمالية التجارية التي زاد عددها، فضلا عن التفاوت في استهلاك السلع المستوردة الفاخرة ، جرى ذلك ، رغم شعارات العدالة الاجتماعية التى رفعت في بداية الثورة .
كما واجهت المهدية معارضة من منطلقات مختلفة:

معارضة دينية ، معارضة قبلية، معارضة داخلية (الصراع علي السلطة)، ومعارضة خارجية، أدت لتفكك وتحلل الدولة المهدية،حتى اصبحت لقمة سائغة للاحتلال الانجليزي المصري 1898 ، بعد 13 عاما من الاستقلال والسيادة الوطنية.( للمزيد من التفاصيل راجع تاج السر عثمان الحاج، دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010).

* أما الفترة الثالثة ، فلم تكن مواصلة الثورة ضد الاحتلال البريطاني، لكنها فترة التعاون معه ،بعد تكتيكات مرنة تمكن السيد عبد الرحمن من تجميع طائفة الأنصار بتعاون مع الحكم الاستعماري، فقد كان مخطط الإدارة البريطانية، تعميق الانقسام في المجتمع السوداني:

بين طائفتي الختمية والأنصار، وبين الشمال والجنوب، ودعم الإدارة الأهلية ضد الخريجين، وتكرّيس التطور غير المتوازن بين أقاليم السودان المختلفة، مما أدي للمزيد من التخلف في المناطق المقفولة ( الجنوب، دارفور ، الشرق، جبال النوبا ، جنوب النيل الأزرق) مما كان له الأثر في الانفجار الراهن لقضايا تلك المناطق.

ضمن هذا المخطط لتكريس سياسة ( فرّق تسد) ،دعم الاستعمار زعيم طائفة الانصار بالمال والقروض والأراضي حتى أصبح السيد عبد الرحمن ثريا، وامتلك أراضي ومشاريع زراعية في الجزيرة أبا والنيل الأبيض، ومديريات الفونج ، وكسلا.الخ ( للمزيد من التفاصيل :

راجع حسن أحمد إبراهيم : السيد عبد الرحمن وبراعة المناورة السياسية، في دراسات في الثورة المهدية ديسمبر 1981، ، ومحمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، ص 158- 159 ، وجعفر محمد علي بخيت : الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان، ص 192).

بالتالي أصبح السيد عبد الرحمن ذو نفوذ سياسي واجتماعي، و كان يقدم مساعدات مادية للمؤسسات التعليمية والاجتماعية والرياضية ، اضافة لاستجابته لطلب الحاكم خلال الحرب العالمية الأولي في الدعاية المناوئة للدعاية التركية ، مما أدى ليكسب السيد عبد الرحمن مركزا دينيا وسياسيا ، وخاصة بعد انضمامه للوفد الذي سافر لبريطانيا للتهنئة بالانتصار في الحرب، حيث مُنح وسام فيكتوريا، كما اتسع نشاطه الاقتصادي ومُنح أراضي زراعية جديدة في الجزيرة أبا، ومشاريع زراعية لزراعة القطن، واضحى رجلا ثريا.

– وقف ضد ثوار 1924 وأعلن خلال الثورة دعمه وولاؤه لحكومة السودان، كما تغلغل داخل حركة الخريجين، واسهم في انقسامها لمؤيدين لطائفة الختمية والأنصار.

– شارك مع الزعامات القبلية في المجلس الاستشاري لشمال السودان عام 1943 الذي عارضته الحركة الوطنية والخريجون، وكان الهدف منه امتصاص الحركة الجماهيرية المعادية للاستعمار.

– بعد فشل المجلس الاستشاري طرح الاستعمار الجمعية التشريعية بهدف وقف تصاعد الحركة الجماهيرية ،وشارك حزب الأمة بعد تكوينه عام 1945 في الجمعية التشريعية عام 1948 التي قاطعتها الحركة الجماهيرية بقيادة الاتحاديين والشيوعيين والوطنيين، حتى قيام الحكم الذاتي عام 1953.

– بعد هزيمة حزب الأمة في انتخابات 1954 أمام الحزب الوطني الاتحادي ، قام بأحداث مارس 1954 التي أدت لقتلي وجرحي كثيرين، وتحالف مع الشعب الديمقراطي الذي انشق من الوطني الاتحادي بعد لقاء السيدين و فيما أُطلق عليه “التحالف غير المقدس” ، وقبوله المعونة الأمريكية، وحتى تسليم عبد الله خليل رئيس الوزراء الحكم لقيادة الجيش، وتمّ تقويض الديمقراطية الأولي.

– بعد ثورة أكتوبر 1964 ضغط الأمة علي حكومة سر الختم الخليفة ومحاصرته بكتائب الأنصار المسلحة بالحراب والسواطير.الخ، حتي تمّ اسقاطها وقيام الانتخابات المبكرة اضافة لدور الصادق المهدي في شق صفوف حزب الأمة الي جناحي الهادي والصادق، وفي استعجاله لدخول البرلمان بانزال نائب دائرة كوستي الجنوبية في عملية كانت مستهجنة، ليحل محله في البرلمان، وطلبه من محمد احمد المحجوب رئيس الوزراء للتنحي ليحل محله في رئاسة الوزراء في طلب استهجنه المحجوب وطلب منه التريث واكتساب الخبرة.

وفي حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، وانتهاك استقلال القضاء من قبل الصادق المهدي رئيس الوزراء ، برفض تنفيذ قرار المحكمة العليا الذي الغي قرار حل الحزب الشيوعي باعتباره غير دستوري، مما أدي لتقويض الدستور واستقالة رئيس القضاء، واقامة محكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه، وطرح الدستور الإسلامي المزيف وترشيح الهادي المهدي لرئاسة الجمهورية، وتكوين” تحالف القوى الجديدة ” مع جبهة الميثاق الإسلامي وحزب سانو مما ادي لتعميق حرب الجنوب، وانقلاب 25 مايو 1969 وتقويض للديمقراطية الثانية.

– بعد انقلاب 25 مايو بعد فشل العمل المسلح من الخارج ، شق الصادق المهدي الجبهة الوطنية عام 1977 عندما ابرم صلحا غير متفق عليه مع النميري شارك بموجبه مع الإخوان المسلمين بقيادة الترابي في مؤسسات مايو التشريعية والتنفيذية والحزبية .

– اضافة لدور الصادق المهدي في تقويض الديمقراطية الثالثة عندما كان رئيسا للوزراء في تحالفه مع الجبهة القومية الإسلامية بقيادة الترابي، وتكوين حكومة الائتلاف معها مع الحزب الاتحادي الديمقراطي، وتعويقه لاتفاق الميرغني قرنق في البداية، وعدم تفكيك نظام مايو و إلغاء آثاره والقوانين المقيدة للحريات وأهمها قوانين سبتمبر 1983 التي وصفها الصادق المهدي قبل الانتفاضة أنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، والتهاون في احباط انقلاب الإسلامويين الذي تمّ اخطاره به ولم يفعل شيئا.

– بعد انقلاب الانقاذ ساهم الصادق المهدي في شق التجمع الوطني الديمقراطي بعد خروجه من السودان في ديسمبر عام 1996، ورغم توقيعه علي ميثاق أسمرا يونيو1995، أبرم ثلاثة اتفاقيات مع نظام الانقاذ، بعد مقابلة غازي صلاح الدين في 1998 ، ود. الترابي في 2- 3 /5/ 1999 في جنيف الذي مهد لاتفاق جيبوتي أو ” نداء الوطن” في 25 / نوفمبر 1999 الذي أدي لانشقاق التجمع بعد تراجع الصادق عن تبني الحل السياسي والتراجع عن الثورة لاسقاط النظام، وخروج الصادق المهدي من التجمع رسميا في مارس 2000.

وعاد للسودان ، بالطبع لم ينفذ النظام الاتفاق وشق حزب الأمة جناح مبارك والصادق، وقوى شوكة النظام واطال عمره، ورغم ذلك وقع الصادق اتفاق التراضي الوطني مع نظام الانقاذ في مايو 2008 ، وايضا أصبح الاتفاق حبرا علي ورق ( للمزيد من التفاصيل عن اتفاقيات الصادق مع الانقاذ، راجع د. سلمان محمد أحمد سلمان: قراءة في اتفاقيات السيد الصادق المهدي مع حكومة الانقاذ ، سودانايل، 20 مايو ” أيار” / 2019).

– عندما قامت هبة سبتمبر 2013 ورفض الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي دعوة جماهيرهما للمشاركة في الهبة التي هزت أركان النظام ، واستشهد فيها أكثر من 200 مواطن، بل قبل الصادق المهدي وسام الجمهورية من الطبقة الأولي مع محمد عثمان الميرغني بمناسبة الاحتفال بالذكري 58 لاستقلال السودان، ودماء شهداء سبتمبر لم تجف بعد، كما شق الصادق المهدي صفوف قوى الاجماع.

وعندما أعلن البشير حوار الوثبة في يناير 2014 لكسب الوقت واطالة عمر النظام وافق الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي قبول الدعوة التي رفضتها المعارضة بقيادة قوى الاجماع والحركات المسلحة، وطرحت شروطها في :

وقف الحرب ، الغاء القوانين المقيدة للحريات، فترة انتقالية تقودها حكومة قومية لاعداد دستور دائم ، واجراء انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية، بطبيعة الحال لم تلتزم الحكومة حتى بحوار الوثبة واعتقلت الصادق المهدي بعد مهاجمته لقوات “الدعم السريع”، ولكن الصادق واصل الحوار مع النظام رغم نقضه للعهود والمواثيق السابقة ، فنجده مع قوى “نداء السودان” يوقع علي خريطة الطريق للحوار بصورة منفردة في 8 أغسطس 2016 ، ورفضت قوى الاجماع خريطة الطريق ، وطالبت بتفكيك النظام واسقاطه وقيام حكومة انتقالية، وأكدت أن خريطة الطريق تبدأ بازالة النظام ، رغم ذلك تراجع النظام عن خريطة الطريق.

بعد اندلاع ثورة ديسمبر 2018 التي بدأت شرارتها في الدمازين وعطبرة ، عاد الصادق المهدي للسودان بعد خروجه منه أثناء اندلاع مظاهرات 16 -17 – 18 يناير 2018 ، للحوار مع النظام علي أساس خريطة الطريق، استقبلته جماهير الأنصار بحماس شديد في المطار علي أمل قيادة المظاهرات والمشاركة في الثورة، لكنه في خطابه في المطار أحبط جماهيره وتحدث عن ” عقد اجتماعي” وتشكيل حكومة قومية الخ.

لم تعجب انصاره التي تم رفضها وطالبوا بالثورة ، بل لاحقا قلل من الثورة ، ووصفها بأنه ” بوخة مرقة”، وأن دخانها ما “دخان مرقة”، ولكن تواصلت الثورة حتى التحق بها الصادق ووقع علي ميثاق اعلان الحرية والتغيير، وشارك في تحالف قوى التغيير، التي جمد نشاطه فيها في مواصلة لشق الصف، والتحالف مع القوى التي اندلعت الثورة ضدها!!.

هذه الخلفية التاريخية جعلت الكثيرين يتخوفون من تكرار الصادق لتلك التجارب التي ساهمت في عدم استدامة الديمقراطية والسلام والتنمية المتوازنة في السودان الذي تسعي لتحقيقه ثورة ديسمبر، مما يتطلب أوسع تحالف جماهيري لنجاح أهداف الثورة والفترة الانتقالية، والوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب الفاشلة، واحباط مخطط الانقلاب عليها.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.