آخر الأخبار
The news is by your side.

الشروق وسنوات الإحتكار … بقلم: ربيع يوسف الحسن

الشروق وسنوات الإحتكار … بقلم: ربيع يوسف الحسن

مما لا شك فيه أن الكثير من المشاريع الوطنية والمجتمعية إنما يمكن أن تنحرف عن مقاصدها الكلية أو التفصيلية لو حرمت من التقييم والرصد بل قد توطن وتكرس لما هو هادم لقيم الوطنية والمجتمع ولعل تجربة قناة الشروق في إنتاج دراما حكايات سودانية واحدة من هذه التجارب التي تسرب لها من حيث تدري او لا كل ما من شأنه التسبب في توطين قيم ضد العدالة والشفافية والتنمية فكيف حدث ذلك ؟
للاجابة على هذا السؤال لابد من وصف وتعريف تاريخي ومهني للمشروع الذي بدأته قناة الشروق قبل سبعة سنوات تقريبا وذلك حينما أستجلبت مخرج سوري بفريقه الفني لإخراج سلسلة من الأفلام الدرامية وبالفعل قدم هذا المخرج عددا مقدرا من الأفلام لكتاب سودانين مختلفين وبممثلين سودانيين مختلفين أيضا وقد كان في مساعدة هذا المخرج السوري شاب سوداني جيئ به بغرض التعلم وإكتساب خبرات هذا المخرج إلى هنا ليس بالأمر ما يعيب بل على العكس المشروع تستحق عليه الشروق الثناء والإحترام لوﻻ أنها لم تنتبه لجرثومة الخراب التي بدأت هينة وبسيطة ومتخذة من فقه ضرورة المرحلة ساترا وحضانة لها اذ فات عليها تحصين مشروعها ضد خطر الإحتكار والاستفراد وذلك حينما منحت شركة واحدة فقط إمتياز الإنتاج حارمة بذلك نفسها والمشروع من فوائد التنافس والتعدد تلك التي كان يمكن ان تحققها لو طرحت مثلا المشروع لعطاء حر تكسبه على الأقل أكثر ثلاثة شركات قدمت عطاءات موضوعية ، أو لو أنها بحثت عن أي صيغة تجنبها من مغبة الإحتكار
لم تفعل الشروق ذلك ولعل كان دافعها الإختبار سيما وأنها حديثة العهد بتجربة الإنتاج الدرامي ، كما يمكن ان يكون السبب توفير فريق عمل متجانس للمشروع على الأقل في سنته الأولى.
نعم كان بالإمكان إيجاد العديد من صيغ الإنتاج التي تبعد القناة من التسيس المخل ومن شبهة التمييز بل كانت ستضمن المهنية والإحترافية لو لم تمنح عطاء المشروع أولا لشركة بعينهاً دون مناقصة حرة وثانياً لشركة صاحبها عضو في الحزب الحاكم وهما أمران يدفعا المراقب لوضع القناة – إن لم أقل – في خانة الفساد فعلى الأقل في خانة المحاباة والتمييز الأمر الذي ستؤكده السبعة سنوات المقبلة من عمر المشروع اذ كررت القناة ذات التمييز في عنصر آخر لا يقل خطورة من عنصر الإنتاج وهو الإخراج إذ خضعت هذه المرة لاطماع شركة الإنتاج واقصت مخرجا بقامة وقدرات قاسم أبو زيد الذي تم اختياره خلفا للمخرج السوري وذلك لصالح الشاب المتدرب مخرجا اوحدا طيلة هذه الأعوام وذلك بحجة ان قاسم ينجز الفلم الواحد في ثمانية أيام هذه الحقيقة تأخذ أهميتها من اعتبارين الأول هو أن هذا المخرج هو أيضاً عضواً بالحزب الحاكم ثم أن الثمانية أيام هي فترة يجمع أهل المهنة على أنها المطلوبة لضمان تحقيق الجودة ورغم ذلك تم إقصاء قاسم لتمكين الشاب المتدرب دون غيره بحيث يصبح اخراج جميع افلام المشروع حكرا له هنا سيقول قائل بمشروعية الأمر دافعا بحجج على شاكلة أن ثمة مشاريع فنية في محيطنا الإقليمي أستمرت لأعوام عديدة دون أن يتعدد لها مخرجين مختلفين أو شركات إنتاج مختلفة كتجربة طاش ما طاش مثلاً الا ان هذه الحجة لا تصلح في حالة الشروق لعدد من الأسباب أولا أن النسبة التي تحظى بها تجربة طاش ما طاش من حجم الإنتاج الدرامي في القناة التي تبث حلقاتها لا تتعدى 5% من نسبة الأموال التي تخصصها القناة للإنتاج الفني بينما في حالة الشروق فإن مشروع حكايات سودانية يحظى بأكثر من 95 % من جملة الموارد التي تصرفها على الدراما فانظر! السبب الثاني لعدم صلاحية هذه الحجة هو أن جميع المشاريع الفنية التي لم يتعدد فيها مخرجين إنما هي مشاريع ابتدرها أشخاص لم يسبقهم آخرين في ابتكارها مما جعل هؤلاء الشخوص يمتلكون هذه المشاريع كحقوق أصيلة وبالتالي ليس من العدالة أن تؤخذ منهم مشاريعهم بدعاوى التعدد فهل صارت الدراما حق أصيل لهذا المخرج أو تلك الشركة دون غيرهم ؟
الظلم ظلمات :
الإجابة بالتأكيد هي لا وإنما هو مخرج سوداني لا ينبعي أن نميزه لمجرد إنتمائه الحزبي بل علينا أن لا نظلمه مرتين الأولى حينما نكرسه مخرجا أوحدا حارمين إياه من فضيلة التنافس التي يتطور عن طريقها الجميع فضلا عن مساهمتنا عبر هذا التكريس في تضخيم ذاته مرضيا أما ظلمنا الثاني له فيكون حينما نطالبه بإنجاز ثلاثين فلما خلال ثلاثة اشهر أي بواقع أربعة أيام للفلم الواحد وهو أمر واقعا تفرضه الشركة المحتكرة للانتاج سعياً وراء تحقيق أرباحا أكثر من ما إن كان الفلم ينجز خلال أسبوع أو عشرة أيام أقول أن ذلك ظلما لأنه أولاً سيؤثر في القيمة الجمالية والفكرية لهذه الأفلام – وهوحادث ويحدث – ثم لأنه يوقع على هذا المخرج نوعاً من العنف لا يعيه وهو الانهاك البدني والنفسي وكأن العلاقة بينه والشركة تحكمها عبودية العصور الوسطى وهو أمر لا نقبله لشخص بمثل ما لا نقبل ان نقصي هذا المخرج بسبب إنتمائه الحزبي إنما نؤمن بضرورة ان نوفر له فرصته ضمن مناخ عادل وديمقراطي يتساوى فيه الجميع .
ما بين الخاص ومنافع الناس :
أيضاً وضمن مناخ التعدد والعدالة التي ننشد لا ينفع أن يدفع لنا أحد بحجة أن قناة الشروق قناة خاصة ولها حق انتهاج سياساتها الخاصة أو إنتخاب من تراه مناسبا لتنفيذ مشروعاتها وبرامجها لأسباب كثيرة أهمها أن أي مؤسسة تكفل لنفسها حق العمل العام الذي يؤثر في حياة الناس إيجابا أو سلبا إنما عليها ان تعلم انها غير خارجة عن دائرة النقد والتقييم ، أما في حالة الشروق فالأمر يجب ان يكون أكثر صرامة لا لكونها قناة إعلامية تدخل في بيوت وحياة الناس بسلطة البث فقط وإنما لما يدور حول ملكيتها لجهة سياسية غير معلن عنها وهو أمر لايعنينا الا بالقدر الذي يجعلنا نقول أن المسؤولية الأخلاقية والوطنية يجب أن تُعلى عند هذه الجهة بعدت في انتمائها من السلطة أو من المعارضة على حد سواء نعم يجب ان تتحلى مؤسساتنا السياسية بالمسؤولية الكافية خاصة وقت ما يرتبط عملها بمصلحة الناس ومشاريعهم الوطنية الكبرى ولعل مشروع الدراما الوطنية من أهم هذه المشاريع لارتباطه الحيوي بوجدان وثقافة وأمن البلاد وبالتالي هكذا مشاريع لا يسمح بتركها لشركة واحدة أو مجموعة واحدة ليس فقط تفادياً للاحتكار والتمييز الذي في حالتنا هذه تسبب مباشرة في
إعادة إنتاج المجتمع الدرامي وفق علاقات الاسترقاق والاستعباد حيث قلة قليلة تهيمن على سوق العمل وتفرض شروطها ومزاجها ورؤيتها على الأغلبية التي في ظل هذا الإحتكار صارت أشبه بمجتمعات ( الشغيلة ) بينما كان بالإمكان أن يكون الحال غير ذلك لو لم تعمل الشروق وكأن التاريخ يبدأ من عندها فهي بتجاهل أو بجهل تركت إرث كبير ومثمر لتجربتنا السودانية في الإنتاج الدرامي وهي تجربة التلفزيون القومي إبان مرحلة الأستاذ السر السيد الذي شهدت فترة إدارته للدراما تكوين العديد من الفرق الدرامية وإنشاء الكثير من شركات الإنتاج و بروز نجوم كثر في مجالات الإخراج والتمثيل ناهيك عن أن المشروع في تلك الفترة قارب أخطر وأهم الملفات المجتمعية والسياسية كقضايا التعليم والأمن والمعاشات والقضاء والشرطة وعلاقاتنا الدبلوماسية نعم نجحت الدراما في مقاربة ومعالجة كل ذلك وغيره ببساطة لتوفر مناخ للتنافس والتعدد ولاشراك الجميع في العمل والتفكير وهو أمر كان يمكن أن ترثه الشروق وتراكمه لو عملت في مشروع حكايات سودانية سبعة مجموعات عمل بقيادة سبعة مخرجين وإنتاج سبعة شركات مختلفة هذه المجموعات تعمل في ان واحد او تعمل كل مجموعة على مدار عام لا فرق كبير ففي كل ثراء وتنوع وعدالة .
أقول أن المشاريع الوطنية لا تترك لمجموعة دون الآخرين ببساطة لأنها بالتأكيد وبالضرورة تخص الجميع وتؤثر في حياة كل مواطن وكل مجموعة حتى تلك التي تعرف على أنها أقليات وبالتالي يجب ألا نحرمهم حقهم في أن يمثلوا أنفسهم أو ينتخبوا من ينوب عنهم عليه قياسا على هذا المبدأ الإنساني الديمقراطي يجب أن يمثل كل الدراميين ويساهموا في بناء هذا المشروع عبر فرقهم ومجموعاتهم الدرامية ومؤسساتهم الأهلية
خلاصات :
سبع سنوات من الإحتكار والتمييز والنتيجة عدم إزدهار سوق العمل الدرامي
سبع سنوات من الإحتكار والتمييز والنتيجة الدراميون أغلبهم تحت خط الفقر
سبع سنوات من الإحتكار والتمييز ولم تفلح الشروق في إلتفاف الدراميون حولها إلا قلة قليلة مستفيدة .
سبع سنوات من التمييز والإحتكار ولم تنجح القناة في التعريف بإنجازات سياسية يدعيها بعض سياسي القناة .
سبع سنوات من الإحتكار والتمييز والنتيجة لا وجود للمخرج (المتدرب) ولا الدراما الوطنية في سوق العمل الدولي ولا حتى الإقليمي والشاهد على ذلك أن الجائزة الذهبية الوحيدة طيلة هذه السنوات التي حققها مشروع حكايات سودانية إنما كانت من إخراج المخرج السوري .
سبع سنوات من التمييز والإحتكار والنتيجة تضخم زوات وتواضع مخجل في الفكر والجمال .

* ٢٠١٤ م جريدة المستقلة حتى لا ننسى
* صاحب الشركة جمال عبد رحمن
* المخرج المتدرب أبو بكر الشيخ

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.