آخر الأخبار
The news is by your side.

السودان مشروع دولة لم تر النور بعد

السودان مشروع دولة لم تر النور بعد

بقلم: عبدالمنعم الكتيابي
كل التجارب السياسية من لدن الإدارة التركية ( النظام الأقرب للدولة الحديثة )وحتى حكومات مابعد الاستقلال لم تبارح عقلية التجارة بين الوارد والمنصرف ، وكل علاقتها بالمواطن محض مزايدات في تقديم الخدمات الحتمية كالتعليم والصحة والتقاضي في الحق الخاص فقط والأحوال الشخصية ، وميزان السلع بين الوفرة والندرة وارتفاع الأسعار وانخفاضها ، وتداول العملة وانشاء الطرق والكباري والمرافق وجلها تعتمد على عرق المواطن المسحوق ويُمنُّ بها عليه في الخطب الرسمية ، وأما ما تبقى لا يتعدى كونه هياكل صورية تتداولها وسائل الإعلام ويتلهى بها المواطن عن قضاياه الأساسية .

الدولة في أضلاعها الثلاثة السلطة الحاكمة ، الشعب ، الأرض ، تعني تواثقا بين مجموعة مجتمعات بينها روابط ومصالح اقتصادية واجتماعية وأن هذا التواثق هو الذي ينظم حياتهم وليس بالضرورة أن يكون مكتوبا طالما علاقاتهم أزلية وهذا هو ناموس الكون أن الناس بالناس ..
دولتنا السودانية مرت بمراحل تشكل وتكون منذ فجر التاريخ ولكن انتكاساتها كانت اخطر من تقدمها وما ذلك إلا لغياب الثوابت المكتوبة التي يمكن أن تضع حدودا لدستور يضعها في خانة الدول المستقرة سياسيا واقتصاديا ويؤهلها للإسهام في الحضارة الإنسانية مثلما كانت في الماضي .

غياب هذه الثوابت غذى بؤر الصراع والتوتر إثنيا وعقديا بجانب صراع السلطة والثروة ولا تُعفى أجيال الساسة السودانيين من تأجيج هذه البؤر التي أخذت شكل الفتن في معظم الأحيان بدافع الاستئثار بالسلطة .

أرى – مجرد رأي يصح أو يخطئ – أن ثورة ديسمبر المجيدة والتي لاتزال تحتفظ بأوارها متقدا تمثل فرصة مناسبة لإعادة النظر في ما تراكم من خيباتنا السياسية لإيقاف هذه الدائرة المفرغة من دورانها الخائب وإعادتنا إلى نقطة ارتكاز تقود إلى تأسيس مشروع الدولة السودانية وذلك يتطلب التخلي عن ممسكات الخلاف التفصيلية بين مكونات القوى السياسية وأن تستهدي بنموذج التواثق الاجتماعي – غير المكتوب – الذي أباح حرية التنقل والمساكنة والتوظيف وفرص العمل المختلفة .. وأن تتداعى على الأقل هذه القوى لصياغة ثوابت في الحد الأدنى من المشتركات الثقافية لتمثل بدورها سقفا أعلى للدستور يصون حقوق المواطنة ويحقق التنمية المتوازنة بما يقود إلى عدالة اجتماعية حقيقية يضبطها المجتمع بحريته الإنسانية المتسقة مع انشطته الاقتصادية والبيئية وفق حزمة القوانين المستمدة من دستور أقره الجميع عبر استفتاء عام تشارك فيه بكل صدق وشفافية القوى السياسية وقواعدها .

نحتاج المزيد من الوفاء لهذا الوطن وأن نقدمه فوق الحزب والأيديولوجيات الضيقة والانتماءات الإثنية والعقدية .

كفى بنا ما أهدرنا من وقت في إشعال الحرائق واطفائها إلا من شرار يظل تحت الرماد ..
آن الأوان للتضامن من أجل تحقيق عدالة انتقالية والاستفادة من المتاح من الخبرات والتجارب في هذا المجال لأننا لسنا وحدنا في هذا العالم ومثلما للعالم حقٌ علينا عبر منظومة الأمم المتحدة لنا حقٌ على العالم يُفترض أن نسعى إليه للخروج من هذه الزجاجة ااتي لو انكسرت ونحن بداخلها فلن تبرأ جراح الوطن حتى يقيض الله جيلاً يُدرك خطورة الأمر .

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.