آخر الأخبار
The news is by your side.

السني الضوي..ملحن متمكن بنكهة صوفية

السني الضوي..ملحن متمكن بنكهة صوفية

بقلم: صلاح شعيب

يعد الفنان الراحل السني الضوي من أكثر الفنانين الملحنين تعاوناً مع مجايليه، والمغنين الجدد في كل أزمان الأغنية السودانية. ويكاد إنتاجه اللحني المبذول لزملائه الآخرين أكثر من الأعمال التي قدمها عبر تجربة ثنائي العاصمة، والتي جمعته مع زميله الراحل إبراهيم أبودية بعد أن كانا ضمن ثلاثي غنائي انتهى تكوينه بوفاة الفنان محمد الحويج عام 1964. ولرهافة السني أعلن توقفه عن الغناء حزناً على رحيل الحويح، ولكن بدعم معنوي من علية القوم الفني وعلى رأسهم الفنان الكبير عثمان حسين تضمدت جراحاته النفسية، وعاد ليشكل ضلعاً مهماً في ثنائيته مع آبو دية، والتي صارت آية من آيات الغناء الذي أخذ بألباب المتذوقين لأعمالهما. وقد نجح الثنائي في خطف زهرات يانعات من حدائق شعراء مميزين للأغنية السودانية، منهم مبارك المغربي، ومحجوب سراج، ومحمد يوسف موسى، وسيف الدسوقي، وعلي شبيكة، وكمال محجوب، وعباس أحمد، وآخرين.

فضلاً عن ذلك فإن السني استطاع كموسيقار عبر أكثر من نصف قرن أن يكون حريصاً على التواصل مع كل أجيال الفن، داعماً لهم بأعماله المميزة، والسهلة الانسراب لدى أذن ذواقة الفن. وينبع هذا العرفان في تقديم الأعمال الجيدة لزملائه لروح السني الشفافة، والرهيفة التي سكبها في هذه الأعمال فوجدت انتشاراً واسعاً طوال نصف قرن من الزمان، حيث قال السني إن أعماله قاربت نحو المئتين.

الفنان يوسف الموصلي يرى بقوله إن “السني الضوي تجده في معظم الحناجر الندية، وتجده في ابن البادية، وفي منى الخير، وفي إبراهيم عوض، وفي عبد العزيز المبارك، وفي ثنائي العاصمة، وفي عشرات الألحان من فنه السهل الممتنع، حيث عُرف بتواضع نادر، وتهذيب، وثقافة ومعرفة”.

والملاحظ أن السني يتشابه مع الفنان الراحل عبد الكريم الكابلي في المسيرة الفنية. فمثلما بدأ الكابلي ملحناً لكبار الفناين ثم خاض مجال الغناء لاحقا، فإن السني الضوي أيضاً بدأ ملحناً مميزاً منح الفنان إبراهيم عوض “مين قساك”، ولاحقاً منحه ليه “بتسأل عني تاني”، ثم جاءت تجربة الثلاثي الفني لتثبت أقدامه كمغنٍ بصوت طروب. وقد شكل ذلك التعاون الباكر مع زملائه في تعضيد علاقته بمغنين آخرين فمنح الفنان صلاح بن البادية “أول حب” من كلمات محجوب سراج، وكذلك منح الفنان محمد ميرغني “عاطفة وحنان” من كلمات محمد عبد القادر أبو شورة، و”شفتك وابتهجت” لعلي شبيكة الذي لحن له أكثر من ثلاثين نصاً شعرياً، وظل الاثنان الأكثر استمرارية في رعاية هذه الثنائية المميزة، والأضخم عطاءً. وكذلك منح عبد العزيز المبارك “ليه يا قلبي ليه” للشاعر عثمان خالد. ولم يكتف الملحن الكبير – والذي عمل في الهيئة العامة للكهرباء محاسباً – بدعم مجايلي فنه، ومن أتوا بعدهم حتى مرحلة نهاية السبعينات. فقد كان حفياً بدعم فناني الثمانينات من الشباب، ومن ضمنهم فيصل الصحافة، وكذلك رفد جيل الألفية الجديدة وفي مقدمتهم رائد ميرغني، وأحمد الطيب، وحياة محجوب. ولعل التعاون الأبرز مع الجيل الأحدث تمثل في أخذه بيد الثنائي إيمان، وأماني، وهن كريمات الممثل الكبير محمد خيري. وقدم لهن عدداً من الأغنيات، فضلا عن السماح لهن بترديد أعمال الثنائي الذي انتهى عطاؤه بوفاة الفنان إبراهيم آبو دية. ومنذ ذلك الوقت اعتزل السني الضوء الغناء حزناً على نهاية هذه الرفقة الميمونة التي تجاوزت الأربعين عاما.

الفنان السني أحمد محمد الضوي أتى إلى الخرطوم التي درس فيها بالكمبوني قادماً من بورتسودان التي قضى فيها ريعان صباه، وكان قبلها قد ولد في مدينة نوري عام 1936، حيث هناك تعمقت علاقته بالبيئة الشمالية فحفظ تراث الغناء المحلي، وتفوق في الخلوة، وأخذه سحر البيان القرآني إلى مراقٍ عليا ساعدته على تذوق المديح، والشعر، وإيقاع النوبة، والطار. وقد انعكس هذا البهاء الصوفي في عدد من أعماله التي لحنها حباً في المصطفى، و”صارت لمتين نزورك” و”صلاتي على الرسول” من أيقونات المدد الغنائي المتصوف.

ذلك التطواف الجغرافي المتعدد شحن السني بأنغام هنا وهناك، وألهمته هذه البيئات نداوة القوافي لغناء الشايقية، وجعلت من الرقة رديفة لحبه للناس.

الفنان والملحن أنس العاقب يرى أيضاً أن السني الضوي “جمله قصيرة، ورشيقة، ولديه أسلوب معين في الأداء، خاصة عندما يكرر الجملة..لا يهتم كثيراً بالمقدمات الموسيقية الطويلة، والمعقدة والتفعيلات المقامية..إنه فقط يقدم السهل الممتنع، وغنائيته متميزة، وتتعدد السلالم والإيقاعات السريعة عنده ما عدا بعض الأغنيات..لحن لإبراهيم عوض بطريقته السهلة والبسيطة والتي يسهل أداؤها، وهو من أهم الملحنين الذين مروا في حركة الغناء في الستينات، والتزم مع صديقه أبو دية في تقديم أعمال شيقة لم تتوقف إلا بعد وفاة زميله، ومرضه هو”.

بجانب كونه مغنياً يعد السني الضوي من جيل الملحنين المخضرمين الذين ساهموا بقدر وافر في مجاراة المغنين الملحنيين لتقديم الأصوات الناشئة، وشحذ استمراريتها، وفتح المجال لها لإجازة الصوت، والانتشار من ثم عبر الإذاعة السودانية، والارتباط بالحفلات العامة والخاصة، والتي تمثل أكبر مجال لصقل الأصوات السودانية. إذ يغدو المغني مكتسباً للجماهير، ومرتبطا عضوياً بها، ومن خلال ذلك يلتمس نجاح أعماله المذاعة عبر الأثير.

الشاعر المجيد تاج السر يوسف أبو العائلة قدم إفادة أدبية عن الموسيقار الراحل فقال: “الحديث عن السني يطول، فهو شخصية استثنائية بكل المقايس، وظل لأكثر من نصف قرن يثرى وجدان الشعب السوداني بأغانٍ ، وألحان في غاية الجمال، والعذوبة. شخصية محتشدة بمواهب متعددة..مبدع حقيقي فتحت له الحياة أعماقها على مصراعيها فكأنه بكل بساطة قول وجدته رجلاً صنع حظه، ولم يلعب الحظ دوراً في عبقريته وإنجازاته، وتوهجت عظمته في أن هذا الإثراء الفني ما غيره، وما أغراه، بل زاده لمعاناً، وبريقاً، وعزماً، وكدحاً، وتواضعاً مهيباً..توشح السني بالجمال، وأضاء مساحات مهولة من فضاءات الحب المشرعة، والتي أمست أنشودة القلوب المحبة، وهي تدلق أشواقها عطراً يضمخ الأنفاس. ويضيف الأديب أبو العائلة بقوله: “كما هو معلوم ارتبط تاريخه في الغناء بإبراهيم أبو دية الذي لعب دوراً كبيراً في التجانس والتناغم الذي استطاع أن يجذب وجدان الشعب السودان، وربطته أعمال مع فنانين كثر منهم إبراهيم عوض، وغنى للتاج مصطفى، ولحن لمنى الخير أعمالاً في منتهى الجمال، ولديه أغانٍ كثيرة ما تزال مرتبطة بوجدان الشعب السوداني، أغانٍ ما تزال تتوشح بوجدان خاطر كل المستمعين بأجنحتها الخضراء خارج مدار الأزمنة، والأمكنة، أغنيات ذات دلالة حميمية، وحيوية مليئة بالعذوبة باذخة لا تصاب بأعراض الشيخوخة..للسني ولإبراهيم أبو دية سلام على روحهما في الخالدين..طاب مثواهما، ونِعم ذكراهما..سلام على روحهما في سدرة العظماء ودرب الخلود”.

إنها رحلة إبداعية شجية، وملهمة تلك التي ابتدرها الفنان الملحن السني الضوي فخلد اسمه في سجل المبدعين الذين جعلوا من الغناء فضاءً لترسيخ الحق، والخير، والجمال. ولا شك أن السني رغم رحليه فإن أعماله الغذيرة كملحن ستظل نبراساً يستضئ بها الوالجون إلى درب الفنان، والذواقون لخرائده الملهمة، والدارسون لأثره في تشكيل الوجدان السوداني.

نقلاً عن (SBC)

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.