آخر الأخبار
The news is by your side.

الديمقراطية والحكم المدني ضمان للحكم الذاتي

الديمقراطية والحكم المدني ضمان للحكم الذاتي

بقلم : تاج السر عثمان

أصدر الفريق البرهان مرسوما دستوريا، يمنح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حكما ذاتيا، استند المرسوم علي اتفاق جوبا المادة “8 ” من الفصل الثالث – الباب الثالث التي نصت على الآتي: “اتفق الطرفان أنه دون المساس بوحدة السودان شعبا وأرضا أو السلطات الحصرية أو المشتركة أو المتبقية، تتمتع المنطقتان بحكم ذاتي تمارس فيه السلطات المنصوص عليها في هذا الاتفاق، كما حددت المادة السابعة من نفس الفصل والباب (تعريف المنطقتين)، حيث جاء في “البند 7/1” أن ولاية إقليم النيل الأزرق يعني ولاية النيل الأزرق الحالية، وجاء في البند “2-7” أن ولاية جنوب كردفان – جبال النوبة يعني ولاية جنوب كردفان- جبال النوبة الحالية، أما البند “7/3″، فقد حدد ولاية غرب كردفان بوضعيتها الحالية، على أن يحدد مؤتمر نظام الحكم في السودان حدودها مع ولاية جنوب كردفان – جبال النوبة.

ومن بين ما نص عليه اتفاق السلام الموقع في «جوبا» منح سلطات الولايتين نسبة من مداخيل ثروات المنطقتين وتقاسم التمثيلية في المجالس والحكومة.

جاء هذا القرار استباقا للمؤتمر الدستوري وتكريسا للانقسام في الحركات المسلحة، بل استباقا لمؤتمر نظام الحكم ، وللمفاوضات الجارية مع الحركة الشعبية – الحلو التي فشلت في الوصول لاتفاق ، علما بأنها تسيطر علي أغلب المناطق المهمة في المنطقتين..

2

كما جاء قرار منح الحكم الذاتي امتدادا للقرارات المتعجلة التي تجاوزت صلاحيات الحكومة الانتقالية والمؤتمر الدستوري والمجلس التشريعي، ودون مشاورة اصحاب الشأن، والسير في منهج النظام البائد مثل :

– الحكم الاقليمي في دارفور، تنفيذا لاتفاق جوبا بتعيين مناوي حاكما للاقليم في غياب الحركات الأخري مثل حركة – عبد الواحد التي لم توقع علي اتفاق جوبا سلام جوبا ، والواقع أن اتفاق جوبا مرفوض من جماهير المعسكرات ، فقد قال المنسق العام لمعسكرات اللاجئين، يعقوب محمد عبد الله، كما جاء في الأنباء، إن السلام الذي تم توقيعه بمدينة جوبا «لا يمثل النازحين واللاجئين، ولم نكن طرفاً فيه، ولم ولن نفوض أحداً بتمثيلنا بالوكالة، ولم نرشح أي والٍ لأي ولاية».

– اجازة مجلس الوزراء لقانون النقابات 2021 الذ جاء امتدادا لقانون المنشأة 2010 سئ الصيت والذي يضعف وحدة الحركة النقابية وديمقراطيتها واستقلالها، وكان طبيعيا أن يرفضه العاملون ، فقد رفضه تجمع المهنيين ، و28 لجنة تسيير وأعلنوا التصعيد.

– تكوين القوات المشتركة لحفظ الأمن من قوات الدعم السريع وغيرها والتي نفسها غير منضبطة ، وشاركت في مجازر دارفور ، واعتصام القيادة العامة كما جاء في بيان لجنة أسر الشهداء ،في تجاوزللشرطة المهنية ومهمتها في حفظ الأمن في المدن، وخطورة تكرار مجازر دارفور وفض الاعتصام .

– محاولة تمرير قانون مشروع الجزيرة 2021 الذي تجاهل حق المزارعين والعاملين والملاك في الاطلاع علي مشروع القانون المقترح ، وهي نفس آساليب النظام البائد.

اضافة لاجازة قوانين مثل : الغاء قانون مقاطعة اسرائيل 1958 ، قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، قانون الاستثمار ، قانون التعدين، اتفاق القاعدة العسكرية لامريكا وروسيا في البحر الأحمر، المناورات العسكرية مع مصر.

– وأخيرا، التوقيع علي اتفاق حوبا الجزئي، بعد اختطاف المكون العسكري للسلام من مجلس الوزراء،و الذي كرّس الانقلاب الكامل علي “الوثيقة الدستورية”، فلم يتم اجازته بطريقة دستورية ، أي بثلثي التشريعي كما في الدستور، بل تعلو بنود الاتفاق علي “الوثيقة الدستورية ” نفسها، وتكوين مجلس الشركاء كما قامت علي منهج السلام الذي حذرنا منه ، والذي قاد لهذا الاتفاق الشائه الذي لن يحقق السلام المستدام، بل سيزيد الحرب اشتعالا قد يؤدي لتمزيق وحدة البلاد، مالم يتم تصحيح منهج السلام ليكون شاملا وعادلا وبمشاركة الجميع، اضافة للسير في الحلول الجزئية والمسارات التي تشكل خطورة علي وحدة البلاد، والتي رفضها أصحاب المصلحة أنفسهم ، والسير في منهج النظام البائد في اختزال السلام في محاصصات دون التركيز علي قضايا مجتمعات مناطق الحرب من تعليم وتنمية وصحة وإعادة تعمير، وخدمات المياه والكهرباء وحماية البيئة، وتوفير الخدمات للرحل و الخدمات البيطرية، وتمّ إعادة إنتاج الحرب وفصل الجنوب، من المهم الوقوف سدا منيعا لعدم تكرار تلك التجارب.

فلا يمكن لاتفاق غير متوافق حوله، وتمّ اجازته بطريقة غير دستورية ، أن يسهم في تحقيق السلام العادل والشامل والمستدام، بما في ذلك تحقيق الحكم الاقليمي لدارفور والذاتي للمنطقتين.

3

أشرنا سابقا الي أن نظام الشراكة الحاكم امتداد للنظام البائد وخاضع لمحاور اقليمية ودولية لها مصلحة في نهب ثروات البلاد وتمزيق وحدتها ، وأساليبه في نقض العهود والمواثيق ، فلا نتوقع منه حكما ذاتيا للمنطقتين يحقق الديمقراطية والتنمية المتوازنة، لأن فاقد الشئ لا يعطيه، فهو يعبر عن المصالح الطبقية للرأسمالية الطفيلية القديمة والجديدة بعد أن هيمنت اللجنة الأمنيةعلي مفاصل السلطة بعد التوقيع علي ” الوثيقة الدستورية” كما في الجيش وتقنين مليشيات الدعم السريع دستوريا ، وتعيين وزيري الدفاع والداخلية، ووجود 5 من اللجنة الأمنية في مجلس السيادة الذي ارتفع عدده الي 14 بعد اتفاق جوبا، وعلي الأمن والشرطة بحجة المحافظة علي الأمن الذي فشلت فيه، كما حدث في شرق وغرب السودان، والقمع الوحشي للمواكب والتجمعات السلمية التي بلغت قمتها في مجزرة فض الاعتصام.

بالتالي ، بحكم تلك المصالح الطبقية، لا نتوقع حكما ذاتيا ناجحا للمنطقتين و سلاما شاملا وعادلا ويخاطب جذور المشكلة، بل نتوقع الاستمرار في نقض العهود والمواثيق وعدم تنفيذ اتفاقية جوبا نفسها، والعض بالنواجز علي المناصب والمحاصصات التي تعيد إنتاج الأزمة والحروب وتهديد وحدة البلاد.

من الأمثلة للمراوغة في تنفيذ إعلان المبادئ مع حركة – الحلو أشار الإعلان الي :

يجب أن يكون للسودان جيش قومي مهني واحد يعمل وفق عقيدة عسكرية موحدة جديدة يلتزم بحماية الأمن الوطني وفقا للدستور ، على أن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني وأن يكون ولاؤها للوطن وليس لحزب أو جماعة . يجب أن تكون عملية دمج وتوحيد القوات عملية متدرجة ويجب أن تكتمل بنهاية الفترة الإنتقالية وبعد حل مسالة العلاقة بين الدين والدولة في الدستور..

لكن في المفاوضات الأخيرة ، تراجعت الحكومة عن حل الدعم السريع ، مما أدي لفشل المفاوضات.

4

الديمقراطية والدولة المدنية شرط للحكم الديمقراطي

وأخير، ايا كان الشكل الذي يصل اليه المؤتمر الدستوري، دولة ديمقراطية فيدرالية، حكم ذاتي ، حكم اقليمي. الخ ، فان الشرط هو الديمقراطية بمفهومها الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، واسقاط حكومة شراكة الدم الحالية، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميغ غض النظر عن الدين أو اللغة أو الثقافة، والسلام الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.

فقد أكدت التجارب السابقة أنه لا يكفي منح الحكم الذاتي ، بل يجب المضي قدما نحو تنفيذه ، حتى لا تتكرر تجارب الاتفاقات التي أبرمها نظام مايو والنظام البائد مع الحركات مثل : الحكم الذاتي الاقليمي 1972 أو اتفاقية اديس أبابا التي تم خرقها وأعادت الحرب بشكل أقوي من الماضي، واتفاقية نيفاشا التي أدت لفصل الجنوب، وابوجا والدوحة ، ونافع عقار- عقارالتي تحولت لمحاصصات ، ولم تعالج التدهور الاقتصادي والأمني في مناطق الحروب ، وأعادت إنتاج الحرب مرة أخري.

كما أن نجاح الحكم الذاتي يتطلب تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والغاء القوانين المقيدة للحريات ، وعودة المفصولين العسكريين والمدنيين، وجمع السلاح في يد الجيش وحل جميع المليشيات وفقا للترتيبات الأمنية ، لضمان وقف الحرب والصدامات القبلية والنهب والاغتصاب الجاري الآن في دارفور والشرق، وجنوب كردفان. الخ، وتكوين جبش قومي موحد مهني، والاسراع في تفكيك التمكين واستعادة أموال الشعب المنهوبة ، والتحقيق في مجزرة فض الاعتصام والقصاص للشهداء ، وتسليم البشير والمطلوبين للجنائية الدولية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وضد الانسانية، وعودة النازحين لقراهم وحواكيرهم ، وإعادة تأهيل وتعمير مناطقهم ، وعودة المستوطنين لمناطقهم ، وتحقيق التنمية المتوازنة، السيادة الوطنية ووقف ارسال القوات السودانية لمحرقة الحرب في اليمن،وقيام علاقات خارجية متوازنة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.