آخر الأخبار
The news is by your side.

الدعم السريع بالخرطوم.. بين(الصبة) ومناوشات الخروج!

الدعم السريع بالخرطوم.. بين (الصبة) ومناوشات الخروج!

تقرير: اسماعيل الباهي
منذ دخولها الخرطوم عقب اندلاع ثورة التي أطاحت بحكم الإسلاميين ظلت قوات الدعم السريع تتصدر المشهد السياسي والأمني والمجتمعي، وعقب التحول الديموقراطي وتكوين حكومة الفترة الانتقالية نصب قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو(حميدتي) نائباً لرئيس المجلس السيادي، وتعهدت قواته بحماية الثورة ومكتسباتها.

وبالرغم من هذا الموقف إلا أن قوات الدعم السريع ظلت تلاحقها تهم تتصل بفض اعتصام القيادة العامة، وجرائم الحرب في دارفور وجنوب كردفان بينها وبين حركات الكفاح المسلح في النصف الأخير من حقبة النظام المعزول.

ومع ازدياد حالة الاستقطاب الحاد بين مكونات الثورة وتصاعد وتيرة الأحداث السياسية والأمنية مؤخرا، فتح الباب أمام تراشقات تحت الظلام خاصة بعد تصريحات حميدتي الأخيرة بوجود” مخططات تسعى لاستدراج قواته وإخراجها من الخرطوم”.

خطاب طيبة
عندما تأزمت الأوضاع الإقتصادية وتفاقمت مشكلة تحجيم السيولة بالبنوك، ظهر قائد قوات الدعم السريع الفريق حميدتي خلال استقبال حاشد لقواته القادمة من شرق دارفور بمعسكر طيبة الحسناب جنوبي الخرطوم، وقدم خطابه الشهير بداية شرارة الثورة وسط أجواء مشحونة بحماسة الجنود وصافراتهم التي تنذر بمعركة قادمة، وبعث حميدتي برسائل توحي بنهايات الحكومة اوضح فيها تقصير الدولة بواجباتها تجاه الشعب، وتلاعب المسؤولين باقتصاده وحرمانه من الكاش وقال: “هذا السلوك فيه إن؟ ووالله كان قبلنا بالوضع دا ربنا يحاسبنا، والبلد مابتقع بين أيدينا ونحن بنموت هنا”. وهذه التصريحات أحدثت ردود افعال واسعة واحست بقرب قوات الدعم السريع من الأحداث في الخرطوم.

كواليس الانحياز للثورة
مع اشتعال ثورة ديسمبر وامتداد لهبها لكل ولايات السودان قادت الخرطوم الحراك بشعارات” تسقط بس” وسلمية سلمية ضد الحرامية” وسيرت مواكب كثيرة قادها الثوار الشباب من الجنسين عرفوا” بالشفاتة والكنداكات” قمعت هذه المواكب وازهقت مئات الأرواح، وتجددت الدعوات لمليونية كبيرة عرفت” بموكب 6 ابريل” الذي اقتحم بموجبه الثوار محيط القيادة العامة معلنين عن اعتصام دائم يفضي بسقوط النظام، ساعتها استنجد المخلوع بقوات الدعم السريع لقمع وتفريق المعتصمين مستندلا بفتوى فقهية تبيح له قتل ثلثهم، ولكن رفض قائد الدعم السريع الخطوة حسبما ماروى وأعلن انحيازه للثورة.

انتشار كثيف
وفي صبيحة 11 أبريل 2019م تم عزل الرئيس البشير في بيان لوزير دفاعه عوض ابن عوف وتشكيل مجلس عسكري انتقالي لقيادة البلاد، وتولت الدعم السريع مهام تامين الخرطوم وسيطرت على الإذاعة والتلفزيون والمواقع العسكرية والقصر الجمهوري والمطارات والجسور، وانتشرت في كل المؤسسات والمرافق الحيوية للدولة، وأظهرت الدعم السريع قوة عسكرية ضخمة من الجنود الشباب المدججين بسيارات الدفع الرباعي المحملة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة.

الانحياز الثاني
وسرعان مارفض الشارع انقلاب بن عوف، اعتذر حميدتي عن المشاركة في المجلس العسكري قائلا:” الدعم السريع ستظل منحازة لخيارات الشعب السوداني، عندها وجدت الحشود المعتصمة بالقيادة ارتياحا واسعا من موقف الدعم السريع وعبرت بلافتات” حميدتي الضكران الخوف الكيزان” وازداد تدافع الحشود والمواكب من العاصمة والولايات، وصارت ساحة الإعتصام منصة لمخاطبة الثوار والتواصل مع المفاوضين وشكلت ترسانة دفاعية محافظة للثورة وردد المعتصمين شعار “صابنها” للدلالة على قوة الوجود.

فض الاعتصام
استمر الاعتصام بمنطقة القيادة العامة زهاء الشهرين وفي فجر 30 يونيو الذي وافق 29 من رمضان الماضي غداة التحضير للاحتفال بعيد الفطر بساحة القيادة استيقظ المعتصمين على هجوم مسلح، وموجزة فضت على إثرها الاعتصام وقتل أكثر من 100 محتج سلمي وربط للجثث بالأحجار والقاءها على النيل، وخلفت مئات الجرحى والمفقودين وضحايا الاغتصاب بحسب التقارير. وانتشرت الفيديوهات التي وثقت للمجزرة وأظهرت أشخاص يرتدون زي الدعم السريع شاركوا في عملية فض الاعتصام، وعليه قاطعت قوى الحرية والتغيير المفاوضات مع المجلس العسكري الذي يشارك فيه حميدتي.

جريمة فض الاعتصام دقت اسفين بين الثوار والدعم السريع استنكارا لأساليب الغدر والخيانة، بينما نفى حميدتي مشاركة قواته وقال: إن فض الاعتصام “فخ نصب للإيقاع بالدعم السريع” واتهم أجهزة مخابرات وصفها بالمندسة وسط قواته لتشويه صورتها، ووعد بتقديم المتورطين إلى حبل المشنقة وتقديم معلومات ينشرها بعد إعلان نتائج التحقيق. ولاتزال التحقيقات تجري حول مجزرة فض الاعتصام الذي بلغ عامه الأول.

مناورات شعبية
حادثة الاعتصام قطعت العلاقة بين المكون المدني والعسكري بمن فيه الدعم السريع ووضعت متاريس حالت دون التوصل إلى اتفاق سياسي، وبدأ الاتجاه لتكوين حكومة كفاءات في أسرع وقت كرؤية تبناها المجلس العسكري آنذاك، وأجرى حميدتي محاولات ومناورات لاستنفار جماهيره واستعراض حاضناته السياسية، وعقد لقاءات شعبية بالخرطوم التقى فيها قيادات الإدارة الأهلية الداعمة له، كماخاطب حشودا بقرية أبرق بشرق النيل، ومنطقة قري شمال بحري، ومايو جنوب الخرطوم.

ولكن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وتدخل الاتحاد الأفريقي بمبادرة قادها رئيس الوزراء الإثيوبي ابي أحمد أعادت بموجبها القاطرة نحو القضيب وتوجت بتوقيع الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية، والتي حددت وضعية الدعم السريع وتبعبتها للقائد العام للقوات المسلحة في الفترة الإنتقالية، بعد التجاذبات حول دمجها في الجيش.

ادوار مجتمعية
وبهدوء الأوضاع واستقرار الحكومة الانتقالية الحالية اختفت المظاهر العسكرية للدعم السريع، وعادت لثكناتها ووحداتها بالخرطوم وبمعسكرات طيبة وقري وكرري والصالحة.. ونشطت في الأعمال المجتمعية وقدمت مساعدات إنسانية الخريف الماضي ومعينات صحية مع انتشار جائحة كورونا بالسودان وكونت غرفة للطوارئ وافتتحت” مركز العزل الصحي لقوات الدعم السريع” بمحلية كرري بسعة 200 سرير لاستقبال المرضى، كما قدمت مساعدات طبية لمستشفى جبرة بالخرطوم، وسيرت قوافل لمكافحة كورونا لولاية البحر الأحمر وولايات دارفور الخمس والنيل الأزرق.

مخطط الاستهداف
في أحيان كثيرة تعلن الدعم السريع عن أشخاص ينتخلون صفتها كما حذرت من بث شائعات تروج لوجود خلافات بين مكونات المنظومة الأمنية ترمي لنسف وحدتها، تطور الأمر إلى أبعد منصف مايو واعن الناطق الرسمي للدعم السريع تعرض قواتهم لهجوم بمدينة كادوقلي راح ضحيته 9 من منسوبيهم، موضحا الهجوم تم من قبل قوات الترتيبات الأمنية التابعة للفرقة 14.

وخلال تفقده لمصابيهم بطوارىء الدعم السريع ببحري قال حميدتي” طفح الكيل.. ومنذ بداية التغيير تتعرض قواتنا لاستهداف وغدر وقتل بدم بارد” وكشف: ” هناك مخططات مرتبة وأجندات تقف ورائها أياد خفية تسعى لإخراج الدعم السريع، وذلك باختلاف مشكلات كما يحدث في كسلا وبورتسودان ودارفور”. وتعد حادثة الهجوم المباشر هي الأول من نوعها منذ تشكيل الحكومة وربما تقود إلى أوضاع مختلفة اذا تكرر مثلها.

إن حشد مواقف قوات الدعم السريع التي استصحبناها تترجم في سياقات العلاقة بين متغير الوجود والمناوشة لمرحلة حالية وأخرى قادمة تتصل بصناديق الإنتخاب. وبمغازلة رئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي للدعم السريع، ودعوته للانضمام إلى حزبه، أو أن يرتدي حميدتي الزي المدني ويتجه لتكوين حزب سياسي إذا كان يأمل في حكم السودان.. كله يجعلنا أمام تساؤلات حول، هل بالفعل لجأت الدعم السريع لتطبيق الخطة (ب) الساعية لخوض الإنتخابات المقبلة؟ خاصة بعد تحولها للعب أدوار مدنية مجتمعية، وهل وجود وجودها بالخرطوم يمثل عقبة كؤود وصبة مزعجة تقطع الطريق امام طموحات الوصول إلى الحكم؟، أم أن المناوشات ومخططات الإخراج وحدها كفيلة بتقليب الأمور؟.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.