آخر الأخبار
The news is by your side.

التَّكلُّس اليساروي: النُّخب المراوغة (13) … بقلم: دكتور النور حمد

التَّكلُّس اليساروي: النُّخب المراوغة (13) … بقلم: دكتور النور حمد

اتسم سلوك قادتنا السياسيين بالمراوغة. فهم، حتى حين يكونون، مقتنعين بسلامة قرار ما

اتخذوه، يتلفَّتون من فوق أكتافهم ليروا ماذا سيكون رد فعل الآخرين. وقد كان موضوع المعونة

الأمريكية من أفضل النماذج التي تعكس هذا النوع من ضعف الشجاعة القيادية لديهم. ولقد

كانت حملة شيطنة المعونة الأمريكية حملةً شعبويةً بامتياز، قادها الحزب الشيوعي السوداني

وأصحاب التوجهات العروبية.

في 13/3/1958، أي قبل ثمانية أشهر من انقلاب الفريق إبراهيم عبود، أرسل السفير الأمريكي

في الخرطوم رسالة إلى وزير الخارجية السودانية آنذاك، محمد أحمد محجوب يقول فيها:

“يشرفني أن أشير الى الاتصالات الاخيرة بين حكومتينا. وأن أبلغكم أن حكومة الولايات المتحدة

الامريكية، في روح تعاون ودي واحترام لاستقلال وسيادة جمهورية السودان، مستعدة لتقديم

مساعدات اقتصادية وفنية”. وكتبت الخارجية الأمريكية إلى سفيرها في الخرطوم في

1/4/1958 ما نصه: “نرفق مع هذا توقيع المستشار القانوني لوزارة الخارجية على الاتفاقية

والمراسلات المتبادلة بين حكومة الولايات المتحدة الامريكية وحكومة جمهورية السودان لتقديم

مساعدات اقتصادية وفنية”. (راجع محمد علي محمد صالح، وثائق الخارجية الأمريكية).

دعونا نرى كيف لوَّن كلٌّ من عبد الله خليل ومحمد أحمد محجوب، قبولهما المعونة الأمريكية،

بلون خوفهما من الشيوعيين والعروبيين. فبعد عشرة أيام من تسلمه خطاب الخارجية الأمريكية

أرسل السفير الأمريكي في الخرطوم في 11/4/1958، رسالةً إلى الخارجية الأمريكية، جاء

فيها أن صحيفة “مورنينق نيوز”، التي تصدرها دار صحيفة الأيام، نشرت بيانًا لعبد الله خليل حول

قبول المعونة. ووصف السفير الأمريكي بيان عبد الله خليل بأنه كان “اعتذاريا”. فقد زعم الخبر

المنشور أن حكومة السودان أجرت تغييرات أساسية في مسودة الاتفاقية، حتى لا تكون

شبيهة لاتفاقيات عقدها الأمريكيون مع حكومات أخرى. وقال السفير الأمريكي إن هذا القول غير

صحيح ولا يسنده شيءٌ مما وقعوه مع حكومة السودان. كما ذكر السفير أنهم لاحظوا لمسات

محمد أحمد محجوب في البيان. وأضاف السفير، أن مصدرًا موثوقًا أخبرهم: أنه كان في مكتب

محمد أحمد محجوب، قبل يوم من نشر الصحيفة للخبر. وشاهد محجوب يتصل تلفونيًا مع رئيس

تحرير الصحيفة، ويتحدث معه عن طريقة معينة لنشره. (راجع: محمد علي صالح، الوثائق

الأمريكية).

ذكر السفير، أنهم اتصلوا بعد أربعة أيام بالسيد، عبد الله خليل، مستغربين طريقة نشر الخبر.

وأقر عبد الله خليل للسفير الأمريكي أن الخبر، كما نشرته الصحيفة، غير صحيح. لكنه قال إن

أشخاصًا في الصحيفة هم المسؤولون. وجاء أيضًا في تعليقات السفير الأمريكي أن حكومة

السودان كانت تتوقع حملةً دعائيةً ضدها. وتريد أن تثبت، أنها لا تزال تلتزم بمبدأ “الحياد

الايجابي”. الشاهد، أن النزعة اليساروية التي يختلط فيها الغرض الشيوعي بالغرض العروبي

في العداء للغرب شكلت ضغطًا رهيبًا على حكومة عبد الله خليل. ولم يكن ذلك الضغط بغرض

المصلحة الوطنية المجردة، وإنما بغرض المصلحة، كما يراها الشيوعيون والعروبيون، وهي

الاصطفاف خلف الإتحاد السوفييتي. فالحياد الإيجابي يعني أن تتعامل مع الكتلتين وفقًا

لمصلحتك، لا مع كتلةٍ واحدة، كما أراد الشيوعيون والعروبيون. وعمومًا فإن ما قام به كلٌّ من عبد

الله خليل ومحمد أحمد محجوب، أظهرهما بمظهر المراوغ، لا أكثر. خاصةً، أن عبد الله خليل

اعترف للسفير الأمريكي أن الخبر كما أوردته الصحيفة غير صحيح. وفي النهاية، لم تمنع تلك

المراوغة من أن تقوم القيامة على المعونة الأمريكية. (يتواصل)

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.