آخر الأخبار
The news is by your side.

التلُّكس اليساروي: نرجسيةٌ عوَّقت اليسار (23) … بقلم: النور حمد

التلُّكس اليساروي: نرجسيةٌ عوَّقت اليسار (23) … بقلم: النور حمد

لمست في المقالة السابقة مسألة اليسار العريض لمسًا خفيفا. وقلت إن اليسار السوداني كان نزوعًا فكريًا وثقافيًا واجتماعيًا، حلم بالتحرر من ربقة الاستعمار ومن قبضة التقاليد البالية، ومن قبضة الطائفية على رقاب الناس، بسبب الجهل والفقر.

وقلت إن اليسار بهذا المعنى الفضفاض سابق لنشوء الحزب الشيوعي السوداني. وسأحاول في هذه المقالة إيضاح بعضٍ مما أجملته هناك، بقدر ما يسمح به هذا الحيز. وأدلف مباشرة إلى القول إن التَّخندُق الأيديولوجي أضر باليسار السوداني العريض وعوق نموه وحال بينه وبين أن يصبح جبهة عريضة وقوة انتخابية مؤثرة.

لم يستطع الشيوعيون انتزاع عقولهم من الفكرة القديمة التي تريد أن تخلق إيديولوج مُنمَّط، من كل من أراد الانتماء إليهم. تماما كما تريد الجماعات الدينية أن تخلق نسخةً طبق الأصل من “المؤمن” الجديد الذي طرق بابها. لو كان الحزب الشيوعي يريد أن ينتهج النهج اللينيني وأن يوصل المجتمع السودان عبر الثورة العنيفة إلى دكتاتورية البروليتاريا، لكان ما ظل ينتهجه مقبولا. لكن إذا كان الحزب قد اختار طريق الديموقراطية للوصول إلى السلطة، فإنه لا يحتاج إلى أعضاء عقائديين بقدر ما يحتاج إلى عضوية عريضٍة قابلة لأن تمنح البرنامج اليساري صوتها في الانتخابات.

لقد نجح الترابي بفضل مرونته التكتيكية في أن يخلق جبهةً عريضةً حول الشعار الاسلامي الفضفاض، فأحرز في انتخابات الديمقراطية الثالثة التي أعقبت ثورة أبريل 1985، 51 مقعدًا في البرلمان، في حين تراجع الحزب الشيوعي من 11 مقعدًا عقب ثورة أكتوبر 1964 إلى 3 مقاعد فقط، عقب ثورة أبريل 1985، كما سبق أن أشرت فأنظروا إلى كسب جبهة الترابي الضخم، وخسارة الحزب الشيوعي الضخمة في مدى عشرين عاما.

نرجسية الحزب الشيوعي، وفتونه بصورته الأولى التي كانت له في شبابه، وشعور قيادته وعضويته بالتميز وبـ “اصطفاء الحتمية التاريخية لهم”، بما يشبه ما يشعر به المتدينون المتعصبون، هي التي عوَّقت نمو التيار اليساري العريض الذي ينبغي أن يقلب الطاولة على اليمين المسيطر منذ الاستقلال. ولقد نبَّهت في مقالاتٍ عديدة إلى أن الفترة الانتقالية سوف تنتهي قريبًا جدًا ولا يوجد في الساحة أي جهدٌ لتشكيل جبهة يسارية عريضة. فقلد بقي الحزب الشيوعي وأحزاب البعث، بسبب العقائدية والجمود، والنرجسية، عائقًا أمام تخلق قوى يسار عريض، قادرة لأن يكون لها وزن في صناديق الاقتراع.

العقائدية الجامدة التي تظن أن السماء قد عقدت لها على خناصرها لواءات النصر وأنه لن يقود الشعب سواها، بقيت عقبةً كأداء أمام جهود تخلُّق يسارٍ عريضٍ فاعل. أعني خلق يسارٍ يكون على الأقل معادلاً في القوة الانتخابية لقوة اليمين، أو متفوقًا عليها. غير أن هذا لن يحدث ما لم تغير أحزاب اليسار جلدها وتخرج من كهفها التاريخي، لتفهم دور اليسار في هذه المرحلة فهمًا موسعًا وعميقا. إن أحلام استغلال الفترة الانتقالية لقلب الطاولة على اليمين باسم الشرعية الثورية بتكتيكاتٍ هزيلةٍ، لن تلفح إلا في تأخير عقارب الساعة.

فلقد جرى تجريب القفز بالإجراءات استنادًا على الشرعية الثورية، عقب ثورة أكتوبر، وكذلك، عقب ثورة أبريل وكان الفشل حليف التجربتين. وهاهم الآن يحاولونها، عقب ثورة ديسمبر. أما فشلها الأكبر من كل ما سبق فسوف يظهر حين يجري فتح صناديق الانتخابات التي ستجري عقب الفترة الانتقالية الحالية، إن نحن بلغنا تلك المرحلة بسلام. وبيننا وبينهم الأيام، “قل انتظروا إنا معكم منتظرون”. (يتواصل).

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.