آخر الأخبار
The news is by your side.

التكنوقراط العظماء… بقلم: أمجد هاشم

التكنوقراط العظماء… بقلم: أمجد هاشم

الكثيرون إعتبروا منهج المحاصصات السياسية المُتَّبع في تشكيل الحكومة المرتقبة هو إرتداد واضح عن إلتزام سابق تعهدت به الأحزاب السياسية يقوم على مبدأ تسيير الحكومة الإنتقالية بطاقم من الكفاءات المستقلة أو غير المنتمية إنتماءاً حزبياً صارخاً حتى لا تنحرف الفترة الإنتقالية بسبب التجاذبات السياسية و هو ما يبدو مقنعاً في إطاره النظري، و لكن هذا المبدأ الأفلاطوني الحالم يَفترض أن هؤلاء التكنوقراط العظماء لن يكونوا عُرضة للإستقطاب و التوجيه السياسي!!!

لقد مرَّ عام كامل على تشكيل حكومة الكفاءات التي تكونت بناءاً على وثيقة دستورية حددت أولويات المرحلة الإنتقالية و في حال تم تقييم مستوى أداء هذه الحكومة بحيادية فإن التجربة لا تبدو مبشرة، مع ذلك لا يمكننا إلقاء اللوم على هؤلاء التكنوقراط وحدهم ففي دولة مثل السودان مشحونة بالتجاذبات السياسية ذات الطابع الإيديولوجي الحاد و تفتقر إلى البنية المؤسسية الفعالة يَصعُب على الوزراء التكنوقراط مباشرة مهامهم بدون سند سلطوي.

و هو ما سهَّل إحتواءهم و تدجينهم بواسطة مراكز النفوذ السلطوي المستحدثة ما بعد أبريل 2019 و المتمثلة في العساكر و شلة المزرعة التي تمدد نفوذها و فرضت سيطرتها على مجلس الوزراء المدني الذي كنا نعول عليه بموجب مهامه الواردة في الوثيقة الدستورية أن يُحَجِّم نفوذ العسكر و أن يشكل رأس الرمح في إنجاز مهام الثورة.

و لكن للأسف أجهض عبدالله حمدوك هذه التطلعات فهو بدلاً عن إستغلال المساحة التي أفرغتها قوى الحرية و التغيير لفترة تتجاوز العام فيما يلي حقها بموجب الوثيقة في الإشراف على السياسات التنفيذية للحكومة و بدلاً عن الإستفادة من الإلتفاف الشعبي غير المسبوق حوله و إستثماره في تكريس أجندة الإنتقال الديمقراطي و الإصلاح الإقتصادي، نجد أن حمدوك عَمِلَ بدلاً عن ذلك على ملأ هذا الفراغ بواسطة حاضنة سياسية بديلة مكونة من شلة أصدقاء قدامى القاسم المشترك الوحيد بينهم هو أن القدر جمعهم في كلية الزراعة جامعة الخرطوم نهاية السبعينات و إنتمى غالبيتهم إلى الحزب الشيوعي في تلك الفترة.

هذه الشلة تحولت بعلم حمدوك و مباركته إلى مركز قوة سلطوي مضر بالتحول المؤسسي الديمقراطي في السودان، فقد مارس منسوبوها الفساد السياسي و المؤسسي في أبهى صوره و طالتهم إتهامات بإستغلال النفوذ والتغول على مهام الوزراء وهي الإتهامات التي وردت معضدة بالأرقام والتواريخ والأحداث في سياق إفادات وزيري المالية والطاقة المقالين و لم يَرُد عليها حمدوك رداً مقنعاً مما يعزز فرضية تواطؤه و إنقياده للشلة المختارة التي أصبحت صاحبة الكلمة الأولى و الأخيرة في تعيينات الخدمة المدنية و تعيينات وكلاء الوزارات بمعزل عن قوى الحرية و التغيير، و الشاهد أنه حتى قوائم الإقالات لم تطال إلا الوزراء الذين تصادموا مع الشلة بسبب رفضهم لتدخلها في صميم مهامهم الوزارية.

و هنا في إعتقادي تأتي أهمية أن تستعيد الأحزاب السياسية مهامها الإشرافية المباشرة على الجهاز التنفيذي و أن تشارك بكوادرها الصريحة، فكثرة الحواضن السياسية المنغمسة في العمل اليومي للحكومة هو رحمة لأن هذا الإنغماس سيقلل من إستحواذ أي لاعب منفرد على نفوذ حاسم يسمح له بتحديد مآلات الإنتقال السياسي بالكيفية التي تخدم مصالحه أو مصالح شلته المتسترة خلف واجهة التكنوقراط، فثورة ديسمبر المجيدة لم تقم لإستبدال تمكين الكيزان بتمكين شلة المزرعة و الكوتشينة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.