آخر الأخبار
The news is by your side.

التكلُّس اليساروي: الحلقة الأخيرة (25) … بقلم: النور حمد 

التكلُّس اليساروي: الحلقة الأخيرة (25) … بقلم: النور حمد

على الرغم من أن الشيوعيبن لا ينفكون ينفون طبيعة تفكيرهم الانقلابي، لكنهم، في ذات الوقت، يخطون بأقلامهم ما يؤكد تلك الطبيعة المدمرة، التي لازمت البنية المفاهيمية والتنظيمية لحزبهم ذي الطبيعة الانقلابية. من أكثر الكتب التي وفرت لي ولكل قارئ، فيما أحسب، شهاداتٍ واضحةٍ نسفت الشك باليقين حول الطبيعة الانقلابية للحزب الشيوعي السوداني، لذلك الكتاب الذي أعده الدكتور عبد القادر الرفاعي، عضو اللجنة المركزية للحزب. حمل الكتاب عنوان، “الرائد الشهيد هاشم العطا”، وهو من إصدارات مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، في عام 2018. في هذا الكتاب شهادات غاية في الوضوح عن تدبير الأستاذ عبد الخالق محجوب لانقلاب يوليو 1971 بالتنسيق مع الجناح العسكري للحزب في القوات المسلحة. والكتاب في جملته وثيقة ضخمة تكشف كثيرًا مما اكتنف حركة يوليو 1971 من غموض. يقع الكتاب في 560 صفحة من القطع الكبير. ولم أجد في مقالاتي الخمس وعشرين التي تمثل هذه المقالة خاتمتها فرصة لأناقش ما ورد في هذا الكتاب المهم. لكن، سوف يكون لديَّ متسعٌ من الحيز لأناقش ما جاء فيه في واحد من فصول الكتاب الذي أنوي إخراجه، قريبا بإذن الله.

ما يمكن أن أخلص إليه ونحن نعاني آلام المخاض العسير لميلاد الديموقراطية الرابعة في هذا الظرف الحرج، بالغ الدقة، أنه لا مجال لكي يتحكم فينا إيديولوج مرَّةً أخرى. فقد أخذنا نصيبنا من هذا النوع من التحكم في عقولنا وضمائرنا، وحركاتنا، وسكناتنا، عبر الثلاثين عامًا المنصرمة من حكم الإسلامويين. مشكلة الإيديولوج أنه لا يرضى الشراكة في الحكم، وإنما يريد أن يحكم منفردا. ولكي يحكم منفردًا فهو لا يملك إلا أن يمارس العسف والعنف. فهو صاحب خارطة طريق ترتكز على نظرية كلية يرى أنها كاملةً ومطلقة الصحة وقادرةٌ على الدوام على تفسير الظواهر وابتداع الحلول بناءً التنبؤات التي وضعتها تلك النظرية وهي تستقرئ التاريخ، وكذلك، وهي تستشرف المستقبل. ولا أرى اختلافًا ذا بال بين الإسلامويين والشيوعيين في اعتقادهم بمطلق صحة ما يعتقدون، وإن اختلفت المرجعية. لقد لجأ القوميون العرب والشيوعيون والبعثيون وتيار الإسلام السياسي في السودان إلى الانقلابات العسكرية، ليقينهم الراسخ أن أحزابهم لن تصبح أحزابًا جماهيرية ذات وزن انتخابي يوصلها إلى السلطة. كما لجأت، هذه التنظيمات، أيضًا، إلى أسلوب سرقة الثورات كتكتيك بديلٍ للانقلابات. غير أن الزمن السوداني، تعدى هذا النوع من الألاعيب.

لن تستقر الديموقراطية ويرسخ مسارها ما لم تتشكل كتلتان كبيرتان؛ تمثل إحداهما برامج وسياسات اليمين الرأسمالية المحافظة، التي تطلق العنان لقوى السوق، وتقيد برامج الرعاية الاجتماعية، في حين تمثل الأخرى برامج وسياسات اليسار ذات التوجه الاشتراكي الذي تضع فيه الحكومة بعض القيود على قوى السوق كما تنشط في برامج الرعاية الاجتماعية، وفي العمل على ردم الهوة بين الأغنياء والفقراء عبر إصلاحات مستمرة.

لكي تتشكل هاتان الكتلتان لابد أن ينهزم أهل الأيديولوجيا القابضة المتكلِّسة، بجميع مشاربهم. أعني أن ينهزموا جماهيريًا وأن تنغلق أمامهم أبواب الانقلابات العسكرية، وأبواب سرقة الثورات. فيضطرون للعمل التشاركي الشفاف لخلق التحالفات البرامجية والسير في وجهة تشكيل كتلة يسارية كبيرة تناضل سلميًا لتصل إلى السلطة عن طريق صندوق الاقتراع، وتصبر على بث الوعي وترفيع الممارسة السياسية مهما طال انتظارها للوصول إلى السلطة. أما اليمين فهو موجود بطبيعة الحال، لأنه هو التجسيد القائم في كل وقت لتاريخ المظالم وإعادة انتاجها. خلاصة القول، التمسك بطروحات الأيديولوجيا الكلية القابضة في السياق الكوكبي الراهن، وخاصة في السياق السوداني بخصائصه التي نعرفها، باطلٌ وقبْضُ الريح. (انتهى)

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.