آخر الأخبار
The news is by your side.

التكلس اليساروي: التبعية العمياء للسوفييت (12) … بقلم: دكتور النور حمد

التكلس اليساروي: التبعية العمياء للسوفييت (12) … بقلم: دكتور النور حمد

حاول الحزب الشيوعي السوداني أن يستخدم مسألة المعونة لخلق اصطفاف جماهيري ضد

الاستعمار والإمبريالية، وفقًا لخارطة الطريق المتبعة لدى الشيوعية الدولية. فالحزب الشيوعي

السوداني لم يكن مالكًا لقراره بقدر ما كان تابعًا لأوامر موسكو منصاعًا لها. ودعونا نرى ما أورده

الأكاديمي المرموق، محمد محمود، حول خضوعه لتوجيهات موسكو، في قضية بالغة الأهمية.

في ورقته الشهيرة القيمة المُسَمَّاة: “البيت الذي بناه عبد الخالق”. ناقش محمد محمود في

جزئيةٍ منهاه ما كتبه د. فاروق محمد إبراهيم عضو اللجنة المركزية السابق حينها، عن محاولتهم

عقب حل الحزب الشيوعي تحويل الحزب إلى حزب اشتراكي، يعتمد برنامجًا وطنيًا ديمقراطيا.

وهو اقتراح أجيز بعد مناقشات مستفيضة. وتقرر دعوة المؤتمر الرابع للانعقاد في الجريف في

أبريل 1966 لإجازة التوجه الجديد وانتخاب لجنة مركزية جديدة.

لكن بعد أن وصل الأعضاء إلى مكان انعقاد المؤتمر جرى إخطارهم أن المؤتمر تغيَّرت صفته من

“المؤتمر الرابع” إلى “المؤتمر التداولي”. كذلك قيل لهم إن الأمين العام للحزب المرحوم عبد

الخالق محجوب لن يتمكن من المشاركة في المؤتمر لأنه مضطر للسفر إلى موسكو، للمشاركة

في مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي المنعقد هناك في نفس التاريخ. بعد عودة عبد الخالق

بفترة تقرر أن قرار تحويل الحزب الشيوعي إلى حزب طليعي، كان “انحرافًا يمينيًّا” يؤدي إلى

حلّ الحزب الشيوعي. وفي دورة من دورات اللجنة المركزية التي انعقدت في ضاحية من

ضواحي الخرطوم في نوفمبر 1966، قام نفس أعضاء اللجنة الخمسة وخمسين الذين انتخبهم

مؤتمر الجريف، بإدانة القرارات التي سبق أن اتخذوها بأنفسهم، قبل ستة أشهر. (راجع: محمد

محمود، “البيت الذي بناه عبد الخالق”، “مجلة الكلمة”). وكما يفعل الشيوعيون الصينيون تحت

قيادة ماو تسي تونغ، والكوريون الشماليون تحت قيادة كيم إل سونغ، في النقد الذاتي التذلُّلي،

شكر الأعضاء، الأمين العام على تصحيحه “انحرافهم اليميني”. وبدوره شكر الأمين العام الرفاق

السوفييت للنصائح القيمة التي أسدوها له خلال زيارته لموسكو، لتصحيح ذلك الانحراف.

(راجع: محمد محمود، نفس المصدر”).

أوردت هذا الجزئية مما ذكره الأستاذ فاروق محمد إبراهيم، لأدلل على أن الحزب الشيوعي وهو

يتنطع بعداء الاستعمار والامبريالية والمعونة الأمريكية، كان في حقيقة أمره حزبًا تابعًا لجهة

أجنبية توجهه وتحدد له إن كان قد ارتكب “انحرافًا يمينًا”، أم لا. فهو يقرأ واقع بلاده التاريخي

والاجتماعي والسياسي، بعينٍ أجنبية. وهو في تقديري لا يزال، إلى يومنا هذا، على تلك الحالة

المزرية التي كان عليها آنذاك، رغم تبدل الأحول الدولية. فالأراضي السوفييتية المقدسة التي

كان يحج إليها آنذاك، غدت بلقعًا قفرًا، يحق فيها قول الشاعر: “أضحت خلاءً وأضحى أهلُها

ارتحلوا، أخنى عليها الذي أخنى على لُبدٍ”.

لقد أضاعت غوغائية الحزب الشيوعي السوداني وتبعيته العمياء لموسكو على السودان فرصًا

ذهبية للتنمية. كان الحزب منحبسًا في أيديولوجيته، ولا يزال، وكان منخرطًا في خدمة أجندة

الحرب الباردة. وقد انجر وراء الحزب الشيوعي السيد إسماعيل الأزهري بما عرف به من انتهازية

وحب للسلطة. أدى الإضراب الكبير الذي دبره الشيوعيون في عام 1957، وضغطهم على

حكومة الاستقلال الوليدة، ومعارضتهم للمعونة الأمريكية، إضافة إلى تآمر السيد إسماعيل

الأزهري والسيد على عبد الرحمن مع جمال عبد الناصر لهزيمة حكومة حزب الأمة، إلى تعقيدٍ

بالغ للأوضاع السياسية. الأمر الذي دفع بالسيد عبد الله خليل، ومن ورائه حزب الأمة، إلى

تسليم السلطة المنتخبة طواعيةً إلى الجيش.

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.