آخر الأخبار
The news is by your side.

التفاحة .. رقية المغـربـي

التفاحة (١)

بقلم: رقية المغربي

هل كانت التفاحة التي سقطت فوق رأس نيوتن آنذاك_ إن صحت الرواية _ ، هي الأولى التي يشهد السير اسحاق نيوتن سقوطها ؟ أم هل كان لِحدث بسيط كسقوط تفاحة من فوق شجرة رأسياً للأسفل، ليقود أحد إلي استنباط قانون الجاذبية، لو لم يكن لديه شكوك _مسبقة _ حول ثبات الأشياء في الأرض؟

إنما هي حيرة وتساولات، وعقل يضج بالشكوك التي تؤرق صاحبها و تغض مضجعه وتسلب نومه وراحته، وهنا مربط الفرس.

(الحيرة)
وتعني هنا التساؤل حول جوهر الأشياء، والتفكير في أسبابها وماهيتها، وهي ما يقود الشخص للبحث ويدفعه دفعاَ إلى التفكر ما أن تستفزه كلمة ما أو فكرة ما ، أو حتى حادثة صغيرة لا يلق لها الآخرون بالاَ، تماماَ كسقوط تفاحة من أعلى ، فتخلُف من ورائها شخصاَ يسعى للبحث والمعرفة والتعلم، وهكذا تنشأ المعارف والنظريات.

كل العلوم الإنسانية والقوانين والنظم، ابتدأت بسؤال كيف ولماذا ومن؟ وما الذي يتوجب القيام به؟

وهي ما حرك سيدنا إبراهيم _عليه السلام _ قبل نيوتن بقرون، حين بدأت تنتابُه التساؤلات حول جوهر الخلق والخالق، فطفق يراقب الكواكب والنجوم حتى أرشده الله _سبحانه وتعالى _ إليه.

(الأسئلة) إذاً هي ما يحرك الإنسان ويدفع به نحو البحث والتقصي والدراسة.

وأميل هنا إلى التصديق بأن المعرفة رزق يقسمه الله لمن يريد ويسعى ويطلب، ولا يلزم هنا أن يكون السعي مادياَ بحتاَ حتى يجعل الشخص مستحقاً لها، إنما قد يكون هذا السعي مجرد تساؤل أو لحظات شك وحيرة ،فيأتي الرد والإجابة الشافية.

والمعرفة ليس نقيضها الجهل كما يفهم البعض، إنما نقيضها الإنكار، فعدم معرفة الشيء غالباً تقود لإنكاره، ومن هنا جاء الأمر الإلهي في القرآن بالتفكر والتدبر (أفلا يتفكرون) (أفلا يتدبرون القرآن).

التفكر والتدبر والبحث والتقصي والتساؤل والإطلاع، ما هي إلا أدوات تقود صاحبها لمراتب معرفية رفيعة، ومتى ما تحققت المعرفة زاد الإيمان وتحققت الإستقامة والهداية.

وجاء في الأثر عن على _ رضى الله عنه _ (أصل الدين معرفة الله).

أضيف إلى ذلك أن المعرفة تتطلب المرونة في إستقبال المعلومات، ويعني ذلك عدم رفض الأفكار الجديدة أو الغريبة، لمجرد مخالفتها لمعتقداتنا و موروثاتنا الشخصية أو المجتمعية، فالعقل البشري والمجتمعات الإنسانية منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا وهي تتغير وتتطور وتغير جلدها، ومعتقداتها من حين لآخر، والذين يقبعون خلف معتقداتهم العقيمة ويتشبثون بالأفكار البالية سيتجاوزهم الوقت ، ويكتسحهم طوفان المعرفة حتى يخفى آثارهم ولا يبق منها شيئ.

المرونة أيضا ً تقتضي التقبل والتجديد وإعادة النظر حول المعتقدات، والإيمان بأنه ما من صواب مطلق ولا خطأ مطلق ،إنما صواب يحتمل الخطأ وخطأ يحتمل الصواب، كلٌ بحسب إدراكه وطريقة تفكيره، في اللحظة الحالية، فما نراه خطأً الآن ما هو إلا قصور عقولنا عن فهمه، وربما في مرحلة أخرى من مراحل تطور الوعي ، وبتغيير نمط التفكير نجده وقد صار صواباَ.

الخلاصة هي أن المعرفة ليس لها حدود أو قوالب معدة مسبقاَ ولا مقاييس محكمة، تنقسم بها الأفكار إلى خطأ وصواب، أو خير وشر.

كل ما علينا فعله هو منح عقولنا مساحة حرة للتساؤل دون خوف ، ثم إتباع هذه التساؤلات بالبحث والتقصي، مع المرونة في قبول الأفكار المغايرة لمعتقداتنا الحالية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.