آخر الأخبار
The news is by your side.

البئية الداعمة … بقلم: طارق البرغوثي 

البئية الداعمة … بقلم: طارق البرغوثي

 في النفس الانسانية تدور معارك كبيرة اذا انتصر الانسان عليها يكون قادرا على مواجهة معارك أكبر ، التغيير من الداخل هي استراتيجية التنمية البشرية التي تحاول ان تجعل التغيير ضمن قدرات الفرد ، وبناء قوة ارادة للانسان هي احد الركائز لخلق انسان قوي يجابه صعوبات الحياة .

لمّا آمن الصحابة بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم كان عليهم ان يواجهوا جبروت وصلف قريش ، فعذّب بلال على رمال مكة اللاهبه ،كانت ارادته يومئذ صلبه كالجبال ، أما عمار بن ياسر فاستطاعوا ان يجبروه على التلفظ بالكفر وقلبه مطمئن بالايمان ، وهذه الحالة من العذاب واختبار الارادة يصفها خباب بقوله :”شكونا الى رسول الله وهو متوسدٌ بردةٌ له في ظل الكعبة ،فقلنا الا تستنصر لنا الا تدعو لنا؟ فقال :”قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فنيحفر له في الارض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بامشاط الجديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت لا يخاف الا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون.

الصبر وقوة الارادة هي ثبات النفس لتحقيق الاهداف ، والناس في ذلك يتفاوتون ، ففي محنة خلق القران صمد الامام أحمد ولم يصمد الامام يحي بن معين الذي قال عنه الامام أحمد ” كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فليس بحديث وكأن الامام يحيى لم تكن ه صلابة ابن حنبل في تحمل الاذى رغم علمه بالحق !

النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبّر اصحابه وهو العليم أن للنفس طاقة لا يكلفها الله اكبر منها فكان أن بحث النبي عن النصير في الطائف واذن للمسلمين بالهجرة الى الحبشة ليكونوا في كنف إمام عادل ثم هاجر الى المدينة ليقيم اركان دولته هناك حيث البيئة التي تحتضن دعوته .

لو تسابق شخصان أحدهما لديه إمكانات بسيطه ولكنه يسبح مع التيار وآخر لديه امكانات خارقة ولكنه يسبح ضد التيار فأي الشخصين يصل أولا ؟ لا شك ان الذي يسبح مع التيار سيصل أولا ،والتيار هنا هو البيئة الداعمه .

في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم :”كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الارض فدلّ على راهب فأتاه فقال : انه قتل تسعة وتسعين نفسا ،فهل له من توبه ؟فقال :لا،فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الارض فدل على رجل عالم فقال : أنه قتل مائة نفس فهل له من توبه فقال : نعم ،ومن يحول بينه وبين التوبه ؟انطلق الى ارض كذا وكذا فان بها اناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ،ولا ترجع الى ارضك ، فانها ارض سوء..الحديث .

لم يقل له العالِم أن عليه أن يكظم غيظه ولم يحدثه عن الحلم او يطلب منه الاسترخاء مع ان كل ذلك مطلوب ولكن قتل مائة نفس يحتاج الى تغيير البيئة المثبطه والبحث عن بيئة داعمه فكانت الحكمة بالانتقال الى ارض الايمان من ارض الكفر والعصيان .

دعونا نستمع الى هذا الحوار الذي يقيمه الله حجة على الظالمين لانفسهم وهنا اختيار الله لظلم النفس دقيق لان النفس الميدان الاول والبيئة الميدان الثاني.

يقول تعالى :”إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيمَ كنتم ، قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعةً فتهاجروا فيها فاولئك مآواهم جهنم وساءت مصيرا.

هنا لم تقل لهم الملائكة ان عليهم رغم استضعافهم مقارعة اهل الكفر ولكن وجهوههم الى تغيير البيئة وذلك كان حجة عليهم !

دائما نعتقد ان التغيير الداخلي كافٍ وننسى أثر البيئة الداعمة ، إن تغيير ما بالانفس هو أول خطوات التغيير ولكنه يجب ان يتبعه خطوات أخرى مثل من أن يحيط الانسان نفسه بكل ادوات التمكين (البيئة ، الاتباع ، الموارد). يقول المؤرخ ول ديورانت : كثير من الابطال التاريخيين كانوا أشخاصا عاديين لكنهم ولدوا في الوقت والمكان المناسب !

كان السلطان عبد الحميد شخصية عظيمة وهو بشهادات كثير من المؤرخين من اعظم سلاطين آل عثمان ولكنه تسلّم السلطنة في اضعف مرحله فلم يستطع انقاذها من التفتت بسبب التآمر الكوني على دولة الخلافة .

ان يكون الانسان ذو قدرات عادية وتكون البيئة داعمة ستكون الانجازات جيده ، ولكن لو كانت القدرات خارقة والبيئة داعمة ستكون الانجازات عظيمة ولكن لو كانت القدراات خارقة والبيئة فاسدة ستكون الانجازات ضعيفة .

الان نفهم كيف الصحابة رضوان الله عليهم الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لهم ارادة صلبه، وفي بيئة احتضنت قدراتهم ومواهبهم استطاعوا ان ينشروا هذا الدين الى اقاصي الارض !.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.