آخر الأخبار
The news is by your side.

الانتصار على الحبيب أقسى هزيمة

الانتصار على الحبيب أقسى هزيمة

بقلم: رابعة الختام

ماذا لو جعلت الظروف المنتصر مهزوما؟ لو تبدلت المقاعد، صارت الأمور بعكس اتجاهها؟ فهل يقبل الرجل أن ينهزم أمام امرأته حتى لا يخسرها، أم يظل كبرياؤه يحرك مسار الأحداث، ويدير دفتها؟ أحيانا يكون الانتصار أكثر مرارة من الهزيمة ذاتها، حين يكون الانتصار على الحبيب فهو بحد ذاته هزيمة نكراء، تخذل مشاعرنا وتأكل من راحتنا النفسية.

أيا من كان هذا الحبيب، يستوي في الشعور بالخذلان الحبيب الطبيعي، وهو الطرف الآخر، الزوج -الزوجة، أو الابن، الأم، الأخ – الأخت، الأصدقاء، أو الأحبة المجازيين من الجيران وزملاء العمل، أقارب، ورفقاء الرحلة.

إلى درجة أن البعض أحيانا يسارع بإعلان هزيمته قبل أن يظفر بالنصر ويقرع طبوله، فقط حتى لا يحرج حبيبه ويشعره بالخطأ، بيد أن هؤلاء فرسان نبلاء عز وجودهم في هذا الزمان.

ثمة مساحة ضبابية مراوغة بين النصر والهزيمة، تقفز منها المشاعر، وتحتلها الأحزان والكراهية، مساحة تفسح مجالات عدة للثأر الأعمى، توازنات بين الحب والكرامة، الرغبة في البوح لتخليص النفس من عذاباتها، أو الكتمان حفاظا على الشريك، الرفض الصامت أحيانا كثيرة يكون هو الحل الأمثل.

اعتادت زوجات كثيرات عند الخلاف مع أزواجهن البدء بالصلح وتقديم الاعتذار اللائق، والاهتمام والتقدير، وتخطي هذه الأمور، ذلك لاعتقاد قوي بأن الانتصار على الحبيب لا يحقق نشوة الفوز التي ننشدها في معاركنا البشرية مع الفرقاء، أو من يضعون أنفسهم في خانة الفرقاء، هذا النصر غالبا ما يكون ملوثاُ بعار هزيمة القلب، والاعتراف بفشل اختياراته، المتمثلة في هذا الشريك.

ماذا لو جعلت الظروف من المنتصر مهزوما؟ لو تبدلت المقاعد في مسرح الحياة، صارت الأمور بعكس اتجاهها؟ فهل يقبل الرجل أن ينهزم أمام امرأته حتى لا يخسرها، أم يظل كبرياؤه يحرك مسار الأحداث، ويدير دفتها؟ اعتادت صديقتي المبادرة بإعلان الهزيمة أمام زوجها دائما، حتى لا تخسره، بسبب مشكلات كثيرة تعتبرها تافهة، أشياء عابرة تمر مرور الكرام، لا تدع للخلاف الفرصة ليتعمق، لا تتركه يضرب بجذوره أرضها ويترسخ فيها، حتى لا تزيد مساحته، فقط تبتسم وتقدم الاعتذار وإن لم تكن المذنبة، لا تلوم أو تنتقد، دائما تسارع لإغلاق الملفات الشائكة، وتبتعد عن المساحات المراوغة حتى لا تخسر هدوء حياتها وسلامها العائلي.

سنوات مرت بهما والحياة في هذا الاتجاه من السلاسة والمرونة الدائمة، حتى كانت جريمته الكبرى، خانها! كل الجروح تندمل إلا الخيانة، وحدها تظل تؤرق المرأة وتخايلها طوال الوقت، ترسم لها أشباحا تتحول إلى حقائق، كائنات تحاربها، تنتصر عليها بسيف من وهم، تهزم أنوثتها بامتياز فائق، تشعرها بآلام وجراح لا يدرك عمقها أحد، حتى النساء أنفسهن، أو من يتقاسمن معها الوجع ذاته، فلكل حالة خصوصيتها وعنف قسوتها، كل امرأة مغدورة هي حالة لا تشبه غيرها، حتى المرارة تتفاوت بين النساء.

لم تجد بدا من الثأر لكرامتها، كادت تجن، هل تترك مملكتها وتدع بيتها ينهدم لتفسح الطريق لساقطة تحتل مكانها؟ أم تتغافل، تسامح كعادتها لتكمل رسالتها على الأقل مع أبنائها؟ لم تحسم أمرها سريعا، ظلت الهواجس والتوازنات تتقاذفها، لا ترسو على شاطئ، ولا تجد مأوى آمنا لأبنائها إن قررت الثأر لكرامتها، ولا يحظى حسابها البنكي برصيد كبير يؤمن لها حياة مستقرة بعيدا عنه.

طال الوقت، فما أوجعها حقا أنها توحدت مع هذا الزوج، عشقته بما يفوق الخيال، لكنها انتصرت لبيتها، لكيان قائم بالفعل، أقنعت نفسها بأنها نزوة عابرة، ولا مجال للبعد والقطيعة، مجرد زوبعة سخيفة عكرت وجه فنجانها، فلو فتحت لها المجال لتبقى، غاصت في حياتها وشوهت معالمها، لذا عليها التحلي بالصبر، وتخطي الأمور، مسح سطح الفنجان من شوائبه ليصفو لها مشروبها من جديد.

مرت السنوات سريعا، وما أسرع الزمن في دورانه، تبدلت بالفعل الأدوار، أخطأت الزوجة بالتحدث إلى جارة مرفوضة نفسيا من قبل زوجها، مجرد حدث عارض، قدرا قابلتها وصدفة كانت في طريق عودتها من العمل إلى المتجر للتسوق والأخرى كذلك، تبادلتا الحديث وتسوقا معا، عادتا إلى البيت سويا، رآهما الزوج، ثارت ثورته بما يفوق الوصف، وضع حياتهما معا في كفة أرادها ضعيفة، هشة، وربما خاسرة، لا تسمن، ولا تغني من جوع، والحديث إلى هذه المرأة في كفة أخرى رابحة، أعاد إنتاج القصة وشكلها كجريمة نكراء، خطأ فادح، قاتل لا يمكن السكوت عليه!

هو لم يحتمل أن يختار الهزيمة الشكلية عوضا عن النصر الزائف حتى لا يفقد بيته ويخسر شريكته، لم يستطع القول بأنه أخطأ، الاعتراف كان ثقيلا عليه، اختار الصمت، وكالعادة بادرت الزوجة بالمصالحة، قالت لي نصا، أسوأ انتصاراتي، حين أرى انكسار نظرته، وخلو عينيه من لذة القوة والنشوة في الموافقة على الصلح كما لو كان دائما على صواب.

تشكل صديقتي نموذجا نادرا، لكنها اختارت طريقا صعبا منذ البداية، غير ممسد، لكن نتوءات الطرق أقل وطأة ووعورة على النفس من نتوءات الروح. ليتنا جميعا نتحلى بهذه النفس الشفيفة، المتصالحة حتى لا نكسب معاركنا ونخسر من نحب.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.