آخر الأخبار
The news is by your side.

الاقتصاد السياسي للسودان: طباعة العملة والتضخم سبب ام نتيجة؟

الاقتصاد السياسي للسودان: طباعة العملة والتضخم سبب ام نتيجة؟

بقلم: د. سبنا امام

يعتبر التضخم من اكبر تحديات الاقتصاد الكلي في اي دولة والتضخم انواع واسباب ولكن في السودان كثير ما تلقى اللائمة على طباعة العملة ولكن طباعة العملة هي في الواقع نتاج لاربخة تشوهات اقتصادية تنجم في الاساس عن السياسات الاقتصادية وطريقة ادارة الاقتصاد. عجز الميزان التجاري نتيجة لضعف الانتاج والاستثمار وعجز الميزانية نتيجة للصرف الحكومي الغيلا المرشد الفساد وتآكل الInstitutional quality مما يهدر المال العام بالاضافة لضعف الجهاز المصرفي وعدم قدرته على القيام بعملية الائتمان التي تمثل الطريقة الصحية لخلق النقود.

تطبع الحكومة العملة اولا لعجز ميزانها التجاري وبالتالي عدم وجود احتياطي كافي للنقد الاجنبي يمكنها من شراء احتياجات الدولة الاساسية . فالعجز في الميزان التجاري اخذ منحى نمطيا منذ انفصال جنوب السودان في العام 2011حيث كان يحقق فائضا وقتها يعادل 0.96مليار دولار ثم هبط بشكل مفاجئ وحاد الى عجز بقيمة 5.16مليار دولار في العام 2012 نتيجة لصدمة الايراد النفطي الذي كان يمثل 92من ايرادات الصادر عشية الانفصال. وظل في هذا المتوسط حتى الان ويتوقع ان يرتفع العجز لمستوى 6مليار دولار في العام الجاري.

ولكي تسد الحكومة هذا العجز تطبع النقود وتشتري الدولار لتتمكن من توفير احتياجاتها الاساسية. والمؤشر الاهم من القيمة المطلقة لهذا العجز هو نسبة العجز للناتج الاجمالي المحلي وهي كانت تعادل متوسط ال4% في الفترة من 1960و2019. وقد وصلت هذه النسبة اعلى مستوىى لها عام 1984عندما بلغ العجز 14%من الناتج الاجمالي المحلي للسودان واليوم يمثل العحز في الميزان التجاري 1.32% من الناتج المحلي وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمتوسط العالمي والذي يعادل 5%.

والدافع الآخر لطباعة النقود هو عجز الميزانية اي ان ايرادات الدولة من ضرائب وغيرها تقل كثيرا عن منصرفاتها وقد بلغ هذا العجز حوالي الـ3مليار دولار بنهاية 2020 وهو ما يعادل 7%من الناتج المحلي . ولذلك تطبع الحكومة ايضا لتقابل صرفها الحكومي الذي يفوق كثيرا حجم ايراداتها. ويتسبب في انخفاض سنوي في الناتج المحلي يعادل 6%. ويتوقع ان تنخفض هذة النسبة بما يعادل ال2%من الناتج المحلي اذا ما اتت روشتة الصندوق اكلها. اي انه بدلا من ان يتراجع الناتج المحلي بنسبة 7%سيستمر بالتراجع ولكن بنسبة 2%. في افضل السيناريوهات بحلول العام 2025.

وعليه فيمكن القول ان الطباعة بحد ذاتها ليست هي اصل المشكلة والعامل المتحكم بالتضخم بل هي في الواقع العجز التجاري الناتج عن انخفاض الصادرات وارتفاع الواردات لان الاقتصاد لا ينتج .

بل ان طباعة النقد في الجانب الاستهلاكي في السودان لها اثر ايجابي في زيادة الطلب والافقتصاد يعاني من الكساد التضخمي والكساد سببه قاه الطلب خلى المنتجات ووعلية فكباعة النقد تحرك الطلب المنخفض اصلا. اما اثرها التخضخمي فهو في الواقع ناجم ارتفاع سعر الدولار نتيجة لزيادة الطلب عليه من الحكومة التي هي اكبر مشتلري للدولار حاليا. فاغلب السلع الاستهلاكية يشتريها التجار لتحويل ارباحهم الدولارية لسلع قبل دخولها السوق المحلي. ولذلك تتحمل الدولة الوزر الاكبر في زيادة الطلب على الدولار ورفع قيمته وهذالاثر سيستمر حتى بعد توحيد سعر الصرف لان المشكلة في الفجوة بين عرض وطلب الدولار ومالم تخفض الحكومة من طلبها على الدولار ستستمر قيمته في الارتفاع بل بشكل اكثر جنونا بعد تعويم الجنيه.

الوزر الاخر الذي تتحمله الحكومة في دفع طباعة النقود هو صرف الحكومة على جهازها السيادي المترهل . وهذا الصرف يسبب تآكل ثروة السودان (الناتج المحلي ) بمعدل 6%.ومع الاخذ في الاعتبار ان الاقتصاد ينمو بمعدل 2%فان استمرار هذا العجز يعني ان السودان يخسر في كل عام 4%من اصل ثروته فقط في تسيير جهاز الدولة وهذا الامر يمثل حالة عدم الكفاءة في تخصيص الموارد المحدودة اصلا. وان هذه المواد كان من الافضل ان تخصص للقطاعين الزراعي والصناعي بدلا عن القطاخ الخدمي الذي تشكل اجهزة الدولة جزءا كبيرا منه وهو جزء مستهلك وغير منتج.

ويمثل الدعم السلعي 40%من هذا العجز اي ان 60%منه يعود للصرف على اجهزة الدولة. اي انه حتى بعد رفع الدعم كاملا سيظل ما يعادل 1.2 مليار دولار عبارة عن عجز ناجم عن الصرف السيادي والامني. والاخطر هو ان هذا العجز هو الاخطر على النمو عند مقارنته بالدعم السلعي فالدعم السلعي له اثار ايجابية تتمثل في انه يغطي شريحه كبيرة من السكان وبالتالي يساهم في الحد من الفقر كما انه بتغطيته لشريحه كبيرة من المواطنينين لانه none-xcludable ( لا يستثني احدا ) يساهم بتحريك الاقتصاد ويقلل من الركود ويزيد من فرص العمل .

اما الصرف الحكومي والامني فهو يغطي فقط شريحة موظفي الدولة وعليه فهو سيعمق الفجوة بين الطبقات وسيحصر الطبقة المتوسطة في شريحه كبار موظفي الدولة فقط مما يزيد عدد المواطنين تحت خط الفقر (يمثلون حاليا 65%من احمالي السكان) ويعمق الفجوة بين الطبقات ويعيق استدامة الديمقراطية خاصة وان التحول الديمقراطي هش وحديث ويحتاح لربط ميزانية الدولة بدافعي الضرائب كأكبر مصدر للإيرادات الحكومية.

ايضا سيتسبب رفع الدعم في تقليص خلق الوظائف في القطاع الخاص لارتفاع تكلفة العمالة وارتفاع تكلفة العمالة مع عدم مهارتها سيقلل من تنافسية السودان كدولة في جذب الاستثمارات الخارجية مقارنة بدول الجوار وخاصة مصر واثيوبيا. وعليه ستستمر الدولة في الاعتماد على القروض والمنح كمصدر اساسي لايراداتها مما سيقلل من استقلالية قراراتها الاقتصادية والسياسية.

السبب الاخير لطباعة النقد هو الفساد. والفساد ليس المقصود به نهب اموال الدولة او تهريب البضائع وحسب وانما ضعف اجهزة الدولة وعدم قدرتها على ضمان عدم حدوث تسربات في دورة السلع والنقود والتي تربط عوامل الانتاج و المنتجين و الحكومة والجهاز الخارجي وهذة الدورة هي دورة سلعية ومالية ففي جانب السلع يحتفظ كثير من ملاك الثروات في السودان بثرواتهم في شكل اصول ثابتة لا يدفعون عليها ضرائب على الرغم من انهم يستخدمونها استخدامات استثمارية. وهذا يعد تسربا من دورة الدخل. هذا فضلا عن الاموال المحفوظة خارج البلاد. وهذا مثال واحد فقط من مرات الامثلة للتسريب من دورة الدخل.

وفي الجانب المالي يعاني الجهاز المصرفي من قلة الادوات والمحفزات التي تمكنه من جذب هذه الاموال بعضها مرتبط بضعف الاداء الكلي للاقتصاد والبعض الاخر متعلق بضعف المصارف نفسها واهم مظهر من مظاهر اضعاف الجهاز المصرفي هو غياب سعر الفائدة والذي يعد المؤشر والاداة الاهم للتحكم في السيولة ولخلق محفزات للإدخار والاستثمار.

وعليه يمكن القول ان طباعة النقود بحد ذاتها ليست هي المحفز الاساسي للتضخم وانما السياسات الحكومية والفساد وادارة الجهاز الحكومي هو الذي ادى الي ما يعرف بالتوزيع غير الكفؤ للموارد بشكل زاد من رقعه الفساد وعمق الفقر و اضعف الانتاج وادى لعجز الدولة عن توفير السلع العامة الاساسيسة وهي الصحه والتعليم والامن. وعليه للخروج من هذة الدائرة الجهنمية لابد من قرارات حاسمة تتعلق ب :

اولا تقليل الصرف الحكومي لادنى ميتوى يسمح بتسيير دوواين الدولة

ثانيا تقليل الصرف العسكري والامنى بحيث لا يتجاوز

ثالثا تغيير العملة لحصر الثروة القومية وضمان التدفق النقدي في الجهاز المصرفي

ثالثا ضرورة خلق جوازي مصرفي بنظام مزدوج يسمح باستعمال الفائدة لتقوية السياسات النقدية وزيادة فعاليتها.

رابعا تقليل ضرائب القيمة المضافة وضرائب الارباح والدخل واستحداث انواع جديدة تتعلق بالثروات المكتنزة لتقليل الطلب على الnon- tradable goods او السلع غير القابلة للتداول لصالح الاستثمار في سلع الصادر.

خامسا ضرورة قيام بنك للتنمية لتغيير هيكل الاقتصاد من اقتصاد يمثل القطاع الخدمي الجزء الاكبر من ناتجه المحلي الى اقتصاد يقوم على التصنيع المكثف. وقد ثبت بالتجربة ان آلية السوق وحدها لاتمثل المحفز الكافي لهذا التحول الهيكلي وان بنوك التنمية خلقت بنجاح هذا التحول في دول كالصين وفيتنام ومن قبلهما اليابان .

سادسا استهداف الاسواق الافريقية لان افريقيا تشهد ارتفاعا في حجم الطبقة المتوسطة ونوعيتها وبالتالي ارتفاع الطلب على السلع النوعية. ونظرا للقرب الجغرافي ولانشاء منطقة التجارة الحرة هنالك فرص ضخمة للصادر السوداني في بيئة تعتبر اقل تنافسية للمبتدئين وبالتالي توفر فرص عوائد اكبر حجما.

 

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.