آخر الأخبار
The news is by your side.

الاقتصاد السياسي للسودان .. الجيش والاقتصاد

الاقتصاد السياسي للسودان .. الجيش والاقتصاد

بقلم: د. سبنا امام
يكاد الحديث عن اصول وشركات وممتلكات الجيش والدور الذي يمكن ان تلعبه في اخراج الاقتصاد السوداني من عنق الزجاجة ان يتفوق على ما يعتقده البعض عن رفع اسم السودان من قائمة الارهاب في أداء ذات المهمة.

والحقيقة ان الامر برمته قد علا فيه السياسي على الاقتصادي في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد. واود هنا ان افكر بصوت مكتوب في محاولة لاضفاء بعض الواقعية على هذه القضية . من المعلوم ان منظومة الصناعات الدفاعية هي مؤسسة كبيرة تمتلك الكثير من الشركات وتعمل في مختلف الانشطة ولكننا لانعلم على وجه التحديد كم حجم وقيمة هذه الاصول والاهم هو اننا لا نعلم هل هي مؤسسات رابحة ام خاسرة وذلك لغياب الشفافية ولكنها حتما مؤسسات نوعية وتنتج صناعات معقدة يصعب معها تخيل ان كل من يعمل هناك هم من العسكر.

وبنظرة تاريخية بحتة نجد انه من الطبيعي ان يكون التصنيع الحربي هو المستأثر بنصيب الاسد من الصناعة في البلدان التي تعيش حالة احتراب فالمصانع في اوروبا إبان الحربين العالميتين الاولى والثانية العسكرية منها والمدنية كانت قد تحولت لدعم المجهود الحربي في حرب وجودية كان لكم ونوع السلاح المستخدم فيها دورا محوريا في حسم نتيجتها وما نشهده اليوم من تطور تكنولوجي وصناعي تعود بدايته للتصنيع الحربي في تلك البلدان وفي تلك الحقبة. وعليه سنناقش فيما يلي هذه القصية ببعديها الاقتصادي والسياسي.

بالعودة للسودان نستطيع تفهم اسباب قيام الصناعة الحرببة لان السودان كان وما يزال في حال اضطراب امني وحروب داخلية وحدودية منذ استقلاله وعملية الاحتراب هذه جيشت الدولة تدريجيا وادت الى تآكل شقها المدني كما حدث لاثينا في القرن الخامس قبل الميلاد.

فالحروب تنهك الخزائن ففي الحرب لا صوت يعلو فوق صوت البندقية وتوقف الامداد يعني الهزيمة فالتهديد الامني الداخلي جعل القوة العسكرية تتمدد على حساب القوى المدنيه كما ونوعا وتمويلا وتدريبا فالعسكر في حال استعداد دائم والمدنيون بعيدون عن دوائر الحكم فهم كساسة في المعارضة بفعل غياب الممارسة الديمقراطية والموظفين الحكوميين ورجال الدولة هاجروا لتدهور اوضاعهم بفعل الحرب تاركين فراغا مدنيا كبيرا ساهم في اضعاف الشق المدني للدولة.

و اليوم يعتقد المدنيون ان خلاصهم في استحواذ المالية على شركات الجيش والتي يقال انها تربح سنويا مليارات الدولارات والسؤال المنطقي هو من سيكون الرابح الاكبر والخاسر الاكبر اذا ما حدث هذا ؟ فأي تغيير فيه خاسرون ورابحون.

هذه الشركات على حد ما يشاع شركات ناجحة ومتطورة ومربحة واذا سلمنا بهذا الامر فإن تحويلها لوزارة المالية سينطوي على مخاطرة ان المالك الجديد قد لا يحسن ادارتها بذات الكفاءة خاصة وان المالية ابتعدت كثيرا عن انشاء وادارة المشاريع منذ تبني النظام الراسمالي والخصخصة.

وعليه فهنالك سيناريو خطير محتمل الحدوث وهو ان وزارة المالية ستعجز بعد وقت غير طويل عن ادارتها وستقوم بتوزيعها وتقسيمها بين الوزارات ذات الاختصاص وستعاني عندها هذه المؤسسات من بيروقراطية اتخاذ القرار وتضارب القرارات الوزارية وسبنتهي الامر ببيعها وسيشتريها الرأسماليون الكبار وبذلك يحصلون على اصولها الضخمة بأبخس الاثمان و يكونون بذات الوقت قد دمروا وتخلصوا من احد اكبر منافسيهم. ولعلكم قد وعيتم الان ان الخاسر الاكبر من افشال هذه المؤسسات سيكون هو الوطن.

والحديث عن المنافسة يقودنا للسؤال من تنافس هذه المؤسسات؟ والاجابة البديهية هي تنافس القطاع الخاص السوداني ولكن علينا ان نعلم ان تمدد مؤسسات الجيش يعتبر تمظهرا لازمة الاقتصاد السوداني وخاصة القطاع الخاص فالقطاع الخاص يعزف تماما عن الاستثمارات ذات فترة الاستراجع البعيدة لرأس المال وهذه مشكلة هيكلية قديمة ومتجددة في الاقتصاد السوداني فنحن لا نملك رواد اعمال بل تجار وهؤلاء يفضلون الاعمال التجارية ذات المردود السريع مما خلق فراغا كبيرا خاصة في الصناعات التحويلية والثقيلة وربما دخل فيها الجيش لحوجة الجيش لهذة الصناعات خاصة في فترة الحصار حيث كان الحصول عليها صعبا ومكلفا.

وهو ذات النموذج الكوري الشمالي. كما يعاني القطاع الخاص من وجود الاحتكارات وهذه الاحتكارات خلقت راسمالية بسيطة غنية جدا ولكنها ايضا لا تستثمر في الصناعات الثقيلة وتعتمد على توكيلات السيارات والدقيق وغيرها وتنتح المنتجات الغذائية التي لايمكن ان تساهم في اي عمل نهضوي فالدول تنهض بالتصنيع الكثيف.

وعليه طالما اننا ما لانمتلك قطاعا خاصا قادرا على الاستثمار في هكذا صناعات وايضا لانمتلك وزارات يمكنها ادارة هكذا مشاريع بكفاءة كبيرة ارى ضرورة دراسة ملف استعادة شركات الجيش بعناية كبيرة بعيدة عن العواطف. وطبعا لا جدال حول ضرورة ان تورد هذه الشركات ما يتوجب عليها توريده كاملا لوزارة المالية.

وفي اعتقادي ان ما يمنع ان تجد ارباح هذه المؤسسات طريقها للخزينة هو ازمة حوكمة بحتة وهي نتيجة لضعف الاداء المؤسسي وان اول خطوة لبناء دولة مدنية قوية هو الإصلاح المؤسسي والشفافية وتطوير الجهاز القومي للاحصاء حتى نعرف المعلومة الصحيحة ونبني عليها سياسات سليمة تضمن مصالح كل الاطراف.

والان لنتحدث عن البعد السياسي لقضية اعادة هيكلة الجيش واسترداد اصوله ولنسأل انفسنا لماذا وضعت الولايات المتحدة شرط ان تستولي الدولة عل اموال الجيش واصوله وهي كدولة تعلم ان النهضة التي صنعت امريكا منذ العام 1776 وعلى مدى مائتي عام لم يتجاوز فيها الإنفاق الحكومي ال3%من الناتج المحلي الاجمالي الامريكي.

كيف تطلب ايلولة شركات واصول الجيش السوداني للمالية. والجواب لان الجيش والامن السودانيين هما تركتها من نظام البشير . امريكا والغرب يخططون لمائة عام او اكثر والماضي عندهم لا يمحى . السودان دعم الارهاب الاسلامي ومده بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية على مدار سنوات طوال هدد واستهدف خلالها المصالح الامريكية والغربية وامنهما القومي وهكذا فعل لن يمحى فقط بسقوط البشير وذهاب نظامه بل هم يريدون تقليم اظافر مؤسسات البلاد الامنية والعسكرية بشكل يضمن انها لن تشكل اي تهديد امني مماثل مستقبلا.

وانها ستكون دائما تحت سيطرتهم فإعادة الهيكلة ستتم بإشراف الجيش الامريكي على طريقة الجيش العراقي ولذاك لدينا اكبر سفارة امريكية في افريقيا. فهم يخططون لاحتمال ان الاسلاميين قد يعودون خلال خمسين عاما او مائة عام بصناديق الاقتراع تماما كما حدث في تركيا وهم يريدون ان يضمنوا انه حتى لو حدث ذلك لن يكون هنالك مؤسسات عسكرية وامنية قوية ومتطورة تدعم هذا المشروع.

فالصناعات في منظومة الصناعات الدفاعية نوعية وخطيرة لانها توطن المعرفة وتمنح الجيش استقلالية في تركيب وتصنيع الاسلحلة فمن يركب سياره يركب صاروخا وقمرا صناعيا وقس على ذلك ولذلك هم يريدون تكسير التطور النوعي الذي حدث للجيش السوداني للتأكد من انه حتى لو وقع في ايدي غير مرغوب فيها فإنه لن يشكل خطرا او تهديد مستقبليا ولذلك ايضا يهاجهم عميل ال CIA السابق هدسون الجيش ويحرض على ضرورة تفكيك اصوله ويبالغ في تقدير قيمة هذه الاصول وارباح هذه الشركات. مع العلم ان أمريكا من اكثر الدول انفاقا على الدفاع.

عليه نحتاج فعلا لخلق توازنات في اقتصادنا المشوه بفعل الاحتكارات وسياسات البنك والصندوق وفساد وفشل النظام البائد والحصار الامريكي الذي صب الزيت على النار فتآكلت اصول الدولة وبنبتها التحتية. اليوم على وزارة المالية ان تيتعيد دورها التخطيطي وان تركز على تطوير القطاعات الانتاجية وتطوير القطاع الخاص وقبل هذا الاولوية القصوى هي للإصلاح المؤسسي وتفكيك الاحتكارات وتطويلر جهاز الإحصاء لكي نبني على بصيرة .

وان ولاية المالية على مؤسسات الجيسش يجب ان تصب وتركز على تحويل هذه الصناعات لتطوير الصناعات التحويلية لتوفر الحوجة لاستيرادها الذي يحتاج كميات كبيرة من العملة الصعبة ويعتبر اكبر معوق للانتاج في السودان بشقيه الزرارعي والصناعي . فنظرتنا لهذه المؤسسات لا ينبغي ان تكون مالية بحتة بل تنموية وشمولية تجيب على السؤال كيف يمكن ان تتحول هذه المؤسسات لخدمة الاقتصاد السوداني وتشكل النواة الاولى لتوطين الصناعات التحويلية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.