آخر الأخبار
The news is by your side.

اسمرا والقاهرة… مدينتان في القلب. أيهما أحب إلي؟

اسمرا والقاهرة… مدينتان في القلب. أيهما أحب إلي؟

بقلم: فايز السليك
سألت نفسي أي المدن أحب إليك؟ قلت اسمرا والقاهرة، ثم ماذا ؟ القاهرة، واسمرا..
أحببت في أسمرا، الهدوء، وفي كايرو الصخب، مثلما تأسرني أناقة ووسامة مدينة الربيع كذلك تبهرني عراقة التاريخ في أم الدنيا..
احتوني اريتريا بانضباط وتهذيب شعبها، وأحببت القاهرة بخفة دمها وحيويتها، وانطلاق الضحكة من جوف المحنة.
في اسمرا أشعر أنني ابن ذات البلد، نتسكع في هدوء وسط طرقات نظيفة وهادئة، نتوزع البسمات ما بين كومشتاتو، اكسبو، والمقاهي الصغيرة والأنيقة التي تعدل المزاج بطعم كابتشينو، لذيذ، لا أمد احتسي مثله، وكلما طلبته في رحلات ترحالي في أي مدينة أخرى وجدته ماسخاً وباهتاً، فتمنيتُ أن ارتشفه في مقاهي اسمرا مرات ومرات، وأعيش فصول السنة الأربعة في ثلاث ساعات.
وفي القاهرة ، مشيتُ ما بين مقاهي وسط البلد، المعادي، حدائق الاهرام، الفيصل، العجوزة، مصر الجديدة دون أن أشعر بغربة، بل يسعدني تبادل القفشات، وان دعا الأمر تعلي الصوت في ” خناقة عابرة” دون أن يشعرك أحد بأنك لست من هذا البلد. وتعيدني القاهرة الى أزمنة الكتابة والحكايات والروايات والقهاوي والليالي..

هل سيبتلعني حوت البحر يوماً، مثل يونس؟، هل أنا يونس؟ يا أبتي ما قصتك مع الأنبياء الكذبة؟! يوسف يغرق في جب المنافي، ويونس يبتلعه حوت المتاهات، رغم ذلك، عليَّ أن أنسى أوجاعي وأوجاع امرأة المترو، أو قل علي أن اتناسى، يداهمني طيف امرأةٍ ما؛ تملأ جوانح وحدتي وتبدد عني عناء وحشتي، جاءني طيف تلك الفتاة السمراء فتاةً أ لمحتها في ذات المقهى، بين عدد من الشباب السودانيين، لها نظراتٌ فاحصة، وابتسامةٌ غامضة، أو نصف ابتسامة، ربما تود التحدث إلي، بادئ الأمر ما كنت أدري إن كانت الفتاة سودانية أم مصرية نوبية، أو قد تكون من سمراوات الصعيد، أفكر في إيجاد مدخل مناسب. هل أنت سودانية؟ نوبية؟ وماذا لو كانت مصرية ؟ دعك من كل هذه الأسئلة البليدة، وابحث عن سؤالك المصيري، سؤالك الوجودي، ودعك من نوع تلك الأسئلة التي لا تقدم ولا تؤخر، أسألك سؤالك لا مفر، ماذا تريد؟ وكيف؟ ومتى؟، وأين؟ ولماذا؟ ومن أنا؟؟ من أنا؟ ثم أعود إلى صوت منير.
أخاف أوعدك ما اوفيش.
أقولك في تلقي مافيش
لو كنت بردانة ما تدفيش.
ورائحةٌ أخرى تذكرني بك، وأخرى تذكرني بفراقنا الأبدي، وسرمدية الآلام، ونبش الأحزان، واليوم أنا بلا رائحة، بلا طعم، سوى هذا البرد القارس، والأتربة المتصاعدة إلى السماء، والصقيع الداخلي، وجبال الثلوج تلك، تتكون في داخلي المعتم ظلالاً من الوحشة والغربة.
ومحمد منير، يذكرني بتلك الأيام ذاك الماضي الحنين، الوله، الشوق، الوطن، والنيل والجسور التي كنا نعبرها، المسافات الطويلة التي كنا نقطعها، إلى سوق الناقة وقندهار، مجالس ستات الشاي، منتديات الشعراء والمثقفين، معهد جوتة، المركز الفرنسي والبريطاني، مجلس حليوة، نسير أنا وأنت في تلك الشوارع المتربة، ولنا في في شارع النيل صولات وذكريات وأغنيات، نعبر الجسر إلى أم درمان راجلين ولا نلعن الفقر، ولا تلفت انتباهنا السيارات الفارهات، ولا غيرها، ولا نحلم بامتلاك سيارة.. ثم نعود إلى حدائق ” حبيبي مفلس” ، نشغل جهاز تسجيل صغير، ونردد مثل المجانين مع محمد منير.. نعناع الجنينة المسقي في حيضانو.. شدر الموز طرح ضلل على حيطانو… ونضحك حين يقول . قدمت شكوتي لحاكم الخرطوم..
وربما قاسمنا المشترك هو اللون، هل أنا عنصري؟ أحب فناناً لمجرد أن لونه أسمر مثل لوني، أو أسود مثلما نسميه في بلادنا هناك؟. لوني اليوم يميزني وأنا أرتمي في ذلك المقهى القاهري العتيق، أو مثلما يسمونه ” زهرة البستان”. أجلس وحيداً.
– واحد سحلب.
– واحد سحلب لسمارة وظبطو.

كان الجرسون مشغولاً بزبائن آخرين، يلوح بجمر ملتهب، وشرر يتطاير ، يشعل الشيشة لمجموعة تجلس بالقرب مني، فتشدني رائحة الشيشة إلى الوراء.
– واحد شيشة.
– كنتلوب ولا تفاح، ولا ليمون؟
ومع تطاير شرر جمر الشيشة ، ومرور الريح الباردة، يشتعل الذهن أوجاعاً، يوسف، ذهبتُ إلى العتبة، ذهبتُ ومعي جميل، هناك، تنتشر مطاعم للسودانيين، تجمعات بيع التبغ ،التباكو، البامية ،الويكة ، الملوخية، الخُمرة، الدلكة، وكل العطور السودانية ، واللحوم السودانية ، مطاعم، وبائعة شاي وقهوة، كأن الخرطوم هنا، بكل تفاصيلها، جلابيبها، سراويلها، مراكيبها، عمائمها، ثيابها، صديرياتها، تمباكها، محلات الإتصالات عبر الإنترنيت، أحتسينا القهوة، لفتت انتباهي في منطقة أخرى بوسط البلد، سيدة خمسينية، بثوب سوداني،
ي اليوم التالي، إلا أنني؛ حين أجدني مجبورا عل استخدام التاكسي ألح علي السائق لتشغيل شريط عبد الحليم حافظ.. تستهويني الأغنيات تلك، كل دمعة حزن لالا، واسمر اسمراني، أو
أنا طول العمر بصدق كلام الصبر في المواويل..
وأنا طول عمري بقول الحب عمرو طويل..
ومن كل الحب كانت ، وكل حلاوة الدنيا انت..
لا لا لا لا. فكرني زماني.. وعشت .. وعشنا الحب..
حليم يأخذك برومانسية صوته، وشجونه، وسافر من غير وداع… تسافر عبر أجنحة الليل الطويل نحو آفاق بعيدة، بجراحاتك، وبأوجاعك.
وسافر من غير وداع.. والبحار تفتح اذرعها لسفائننا.. وسافر من غير وداع وأسماك البحر تفتح افواهها لولائم بشرية طازجة… اللانكوى من نار الحب قبلينا يقولينا…
ولا أهتم بسائق التاكسي، أذوب في سحر حليم، وفي عيون سارة ولا تثيرني ثرثرة سائق التاكسي، بل أهيم في الموسيقى، ومعها اهيم في شجوني، أحزاني، سفري، وطني، منفايا، ورحلتي المجهولة.
من مسودة رواية” وللبحر ارتعاشات”

أما على صعيد اريتريا، فلي حكايات وشهادات مجروحة، كيف يشهد المحب لجمال حبيبته؟

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.