آخر الأخبار
The news is by your side.

احتفاءً بذكرى 30 يونيو العظيمة

احتفاءً بذكرى 30 يونيو العظيمة

بقلم: د. النور حمد

ما من شك أن يوم 30 يونيو سيبقى معلمًا بارزًا في تاريخ السودان الحديث، بل، وفي مجمل تاريخ السودان. فهو يوم انتصار قوة السلم على آلة الحرب، وقوة الإجماع الشعبي على الاستئساد النذل على العُزَّل بقوة السلاح. هو اليوم الذي به بدأ مشروع إعادة وضع السودان في خريطة العالم الحر، من جديد. لقد ظن الذين نفَّذوا مجزرة القيادة العامة أنهم قد قضوا على الثورة وحطموا إرادة الثوار.

لقد نفَّذوا حرفيًا خطة البشير البئيسة بالإسراف في القتل. تلك الخطة التي مهَّد لها البشير باستصدار فتوى من تاجر دينٍ عديم الضمير، أحل له قتل ثلث الشعب، ليستمر في الحكم. وكلنا يذكر زيارة البشير لمقر الشرطة وحثه لضباطها على قتل المواطنين، تحت ذريعة ما أسماه زورًا وبهتانًا، قصاصًا. وهو افتئات على كتاب الله، لم يسبقه عليه أحدٌ من العالمين، استنادا على تلك الفتوى النذلة. وحين رأى عدم التجاوب والاستنكار في عيون ضباط الشرطة، ابتلع ريقه ارتعابًا، وأيقن أن أيامه في الحكم قد غدت معدودة. وجاء أبريل وبدأ الاعتصام المليوني أمام بوابات القيادة، ولم تمض أيام، حتى سقط البشير.

نظامٌ مثل نظام البشير لا يسقط جملةً واحدةً، وإنما على أقساط، لأن وراءه بنية عقلية ونفسية مختلة. والعقول والنفوس لا تتغير بين يوم وليلة. ظنَّ الذين أزاحوا البشير أن الشعب سيفرح ويرضى بمجرد إزاحته، ويصبح في وسعهم، من ثم، الجلوس مكانه. أثبت تلك النية لديهم، ارتكابهم بعد ثمانية أسابيع، جريمة مجزرة القيادة العامة التي ظنوا أنها قد قضت على الثورة. فاحتفلوا وقاموا عقب فض الاعتصام مباشرة بحملة إرهابية على المواطنين، بالهراوات، في مختلف الأحياء.

وأكملوا احتفالهم بتعليق المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير، معلنين الانفراد بإدارة الفترة الانتقالية على هواهم. لكن، جاءت المفاجأة الكبرى بموكب 30 يونيو الذي أذهل العالم، وهز عرش الطغيان، وحوَّله في يومٍ واحدٍ إلى ركام. قلب الشعب الطاولة على اللجنة الأمنية وعلى القوى الإقليمية التي كانت تحلم بهزيمة الثورة باتباع نموذج مجزرة ميدان رابعة العدوية، في مصر.

هذا اليوم هو غرة أيامنا في مضمار الكفاح الوطني نحو الحرية والسلام والعدالة. فحبذا لو أقمنا له قوس نصر شبيهًا بقوس النصر القائم في قلب باريس. فالأمم العزيزة تخلد تاريخها في مجسمات. وأقترح أن تطرح الشراكة القائمة؛ بمكونيها المدني والعسكري، مسابقة للمعماريين والتشكيليين، لتقديم تصميمات لهذا القوس. وأقترح أن يكون القوس رابطًا بين حافتي الشارع حيث جرت مذبحة القيادة. واقترح أن تسهم الدولة، ومعها المواطنون، خاصة المغتربين، إضافةً للرأسمالية الوطنية في تكاليف تشييده. أيضًا ينبغي أن نجعل من هذا اليوم عطلةً رسميةً، سنوية.

لكن، لكي يكون احتفالنا بهذا اليوم متماشيًا مع روح الثورة المتمثلة في الانضباط والمسؤولية، في هذا الظرف الصحي بالغ الحرج، أقترح أن يأخذ الاحتفال، هذه المرة، صورةً خلافًا لصورة المسيرة المركزية الحاشدة. ويمكن على سبيل المثال أن يكون اصطفافًا على طول مئات الكيلومترات بمسافات محسوبة بين الأفراد المصطفين، في كل الشوارع الرئيسية في العاصمة وفي المدن الإقليمية.

وأن يجري الاصطفاف في توقيت محدد ببداية ونهاية. على أن نعود جميعًا للمليونيات الحاشدة عقب انقضاء هذه الجائحة بإذن الله، متى ما استدعى الأمر ذلك. وليكن هذا عمل عبقريٌّ آخر، نضيفه إلى الأعمال العبقرية، التي اتسمت بها هذه الثورة العظيمة.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.