آخر الأخبار
The news is by your side.

أشقياء من وراء لافتات قبلية … بقلم: عبدالله علي ابراهيم

أشقياء من وراء لافتات قبلية: “مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص” (المسيح)

تخرج منذ أيام جماعات تزعم تمثيلها لقبائل وشعوب سودانية تطالب بإطلاق منسوبين لها قبضت عليهم الثورة لتدبيرهم انقلاب ١٩٨٩أو لوضع لجنة إزالة التمكين يدها على السحت الذي ولغوا فيه بجاه سلطانهم لثلاثة عقود. خرجت هذه الجماعات على شعبنا، وهو في تقواه الثورية يريد للوطن أن يكون بيت صلاة، دفاعاً عن منسوبيهم الذين جعلوه مغارة لصوص. إن دعواهم تمثيل قبائل هي شعوب مثل الكواهلة أو البجا أو الجعليين مزحة كؤود. فأمة محمد لا تجتمع على باطل. وإنما يذيع عنها الباطل جماعات منها “علا مستفيدة”، أو تنتظر الاستفادة. وأكثرها فلول تسعى لتوتير الأوضاع الانتقالية بعنوان القبائل بعد أن فشلت حملاتها الباكرة التي نظمتها للغرض باسم حزبها أو أحزابها.

وجاء في الأثناء خبر الملثمين من تربصوا بوجدي ميرغني العضو البارز بلجنة إزالة التمكين. وواضح أنه لا حدود لما يمكن أن يقوم به الفلول للعودة بالوطن مغارة لصوص. ومع وجوب التشديد على سلامة عمل اللجنة وأفرادها صح أن تراجع اللجنة أداءها لتنتقل من موقف الدفاع، الذي تريد الثورة وضعها فيه، إلى موقع الهجوم الذي هو قدرها الثوري. وتشمل هذه المراجعة “تكريب” مفهومها لمهمتها بعد أن طعنت فيه الثورة المضادة بصور ربما عكرت حماسة الكثيرين لعملها في الشرط العصيب الذي تمر به الثورة.

طعنت الثورة المضادة في حيادية لجنة إزالة التمكين ووصفتها بأنها سياسية ثأرية. وراحت تطلب بلا مختشوية أن يُعرض آكلو مال الدولة منهم على القضاء. وللمطلب رنته في أفئدة السودانيين الذين جرحت الإنقاذ نفسها حسهم بالقسط لخروقها مبادئ العدالة بلا وازع. وسبق لي أن نبهت إلى “عِدة” مفهومية نحتاج لها للرد المفحم على هذا التذرع بالقضاء لستر عورة الإنقاذ فينا. وأول هذه المفاهيم أن الإنقاذ ليست دولة فاسدة. فالفساد يقع في دول في متانة الولايات المتحدة مثلاً. وهناك القوانين التي تحاكم مرتكبه في كل حالة منه. أما الإنقاذ فدولة نزعت ولاية المال عن الدولة بالكلية. فهيصي. فأكل المال فيها ليس حالة فساد أو حالات فساد يتربص بها القانون.

إنها استباحة نكراء للمال العام باسم التجنيب والشركات الحكومية وغيرها صدق فيه قول سبحانه وتعالي “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل”. فهي دولة الباطل أو “حكم اللصوص” (kleptocracy) في علم السياسة الأفريقية. وقد نهى سبحانه وتعالى حتى من عرض آكلي السحت هؤلاء إلى القضاء: “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام”. فالآية صريحة في ألا يُدلى آكل المال بالباطل إلى القاضي، أي ألا تلقوا أمره للقضاة لشبهة أن مثل هذه التحاكم نفسه إنما هو السبيل لمزيد من أكل هذه الأموال بالباطل بخاصة لو كان القضاء نفسه مستباحاً.

فوصف حيازات الإنقاذيين للمال العام بالفساد الذي يفصل فيه القضاء، بعد ثورة، استهانة بوعي الناس الذين عركوا دولة للصوص يأكل مترفوها الجدد أموالهم بينهم بالباطل. ولا أعرف من طرق موضوع الفساد كبنية في دولة مثل الإنقاذ، لا اختلاساً، مثل الواثق كمير والكرسني في ورقة بالإنجليزية راجعة إلى الثمانينات عنوانها “الفساد: العامل الخامس من عوامل الإنتاج”. فخرجا في هذه الورقة بالفساد من مجرد كونه علة أخلاقية (كما ظلت معارضة الإنقاذ تذيع عنها) إلى أنه

وسيلة إنتاج تضاف إلى عوامل الإنتاج الأخرى: العمل، الأرض، رأس المال، وحرفة استثمار المال. فالمال المستحصل باستباحة المال العام يتحول إلى رأس مال في مرحلة “التراكم البدائي” في عِرف الماركسية. ويترقى به رجل الوظيفة العامة في حكومة اللصوص على السلم الطبقي من البرجوازية الصغيرة إلى البرجوازية. وليس بلا معنى قول بعضنا إن فلاناً جاء إلى الخرطوم بشنطة حديد وشوفوه هسع وين طار السما.

إن قول الثورة المضادة أنه لا يصادر مال إلا أمام القضاء لغو وجهل مستطاب. فالنيابات وأجهزة الأمن مثل الإف بي آي في أمريكا تحقق في مثله بإذن روتيني من القضاء على مظنة فساده. وتفصل فيه بقوانين الحجز والمصادرة. فالمال بنظر قوانين الحجز والمصادرة مالان: ملوث وغير ملوث. والمثل على المال غير الملوث هو حساب بنكي أودع فيه المتهم ماهيته حلالا بلالاً. أما المال الملوث فهو ما حصل عليه بطريق الإجرام أياً كان.

ومن قبيل المال الملوث السيارة التي يستقلها المجرم ليغادر مسرح جريمة المال. وكذلك المال المسروق والمستلم من آخر. وإن اشتريت بمثل هذا المال بوليصة تأمين على الحياة مثلاً كانت البوليصة مالاً ملوثاً. وأكثر ما يدل على المال الملوث فحش الزول في التنعم فحشاً لا يقع لصاحب أجر متواضع من الدولة أو غيرها. وهذا سحت الإنقاذيين كما هو مشاهد.

ستتعرض لجنة إزالة التمكين إلى نيران استثنائية مضادة في الفترة القادمة ينتهز الأشقياء فيها تضعضع أوضاع الانتقالية والسياسية. فاللجنة هي جائزتها الثانية بعد إلغاء المناهج. بل هي أم الجوائز. ولن يغنينا دفاعاً عنها قولنا إن للجنة شرعية دستورية. فحاجتنا ماسة لتعزيزها في كل حين في وجه الأشقياء الذين يريدون للوطن العودة لحال مغارة اللصوص. وسنعرض لجوانب أخرى في هذا الخصوص إن شاء الله.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.