هدى علي محجوب.. رحيل النوَّار خلسة
هدى علي محجوب
رحيل النوَّار خلسة
بقلم / خالد عبد الحميد عثمان
سلاماً على هدى في الخالدين، سلاماً على من رحلت عند مطلع الفجر في تلك الليلة الوترية من العشر الأواخر من رمضان. لا نزكيها على الله ولا ينبغي لنا، ونحن لقضاء الله من الرَّاضين فالموت حق. رحلت تبكيها أقوام لعل بعضهم لا يعرف حتى اسمها، بل يرى فيض عطاء يترى. غيمة يتنزل خيرها على القريب والبعيد، تلك كانت سعادتها التي تفعل في تبتّل ورضا ومثابرة.
لعليّ أزعم أن الحرب الملعونة والشتات الذي تلاها فقذف بهدى في مصر بعيدا عن مملكتها في (الصحافة) بين قدور الطعام وقوافل المحتاجين وضجيج الجارات وتشابك علاقاتها الإنسانية الحميمة مع أسرتها الصغيرة والكبيرة. تلك مملكة أصلها كان مغروساً في الأرض، جذورها شديدة الرسوخ وثمارها مُعلَّقة بالسماء. لأجل هذا الانتماء العميق كان التصالح مع أحياء القاهرة ذوات الأسماء الرنانة غير ممكناً، فما كان في الرحاب رحابة تسع القلب الكبير، وما كانت مدينتي مدينتها.
وما بين الخالة والأخت كان الرباط بيننا وثيقاً وفريداً، رحماً هي الخالة لكن فرق السنوات بيننا كان ضئيلاً، ناتج تلك المعادلة البسيطة جعلها تمتاز بحالة برزخية ما بين الخؤولة والأخوة وحافظت، سقى الغمام مرقدها. على ذلك المكان في قلوبنا ببراعة ومحبة. ذات يوم تتلقى منها الأمر بفعل هذا أو ترك ذاك وفي مرَّات اٌخر تجد نفسك تتبادل معها أحاديث الرفاق.
وإذ ترحل الزهرة ، خلسةً من هذه الضفة، تزدهي الأخرى رفقة الصالحين بإذن الرحمن الرحيم ورحمته. ودعناك الله تتبعك دعوات المحبين (والغلابة) الطيبين. نسأله بأسمائه الحسنى أن يجعل من فوقها نوراً ومن حولها نوراً وأن يجعلها من أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود، وأن يجعلها من ورثة جنَّة النعيم، إنّه وليٌ ذلك وعلى كل شيء قدير والحمد لله ربّ العالمين.
