مناظير الخميس .. بقلم: زهير السراج .. حمدوك والعسكر !
مناظير الخميس .. بقلم: زهير السراج .. حمدوك والعسكر !
* كشف السفير البريطاني في الخرطوم ما كنت أحاول قوله طيلة شهور طويلة عن عبثية مفاوضات واتفاق جوبا والعوائق الكثيرة التي يتعمد المكون العسكري وضعها أمام تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية وسيطرته على كل شيء لتحقيق مصالحه وأهدافه، وحماية نفسه من الحساب على الجرائم التي ارتكبها سواء خلال فترة النظام البائد أو بعد سقوطه، مستغلا الضعف الشديد للحكومة الانتقالية ورئيسها الذى تخلى عن كل مهامه للعسكر ووقف متفرجا لا يفعل شيئا ولا يقول شيئا على ما يحدث حوله سوى نشر التغريدات في بعض المناسبات، شأنه في ذلك شأن معظم وزرائه الذين تحولوا الى موظفي مراسم لا يفعلون شيئا سوى نشر برقيات التعازي والتهاني !
* وأقولها بصراحة إنني بت أشك في قدرة الدكتور (حمدوك) على فعل شيء، بل في تضامنه مع العسكر، لأن الإنسان مَهما بلغ من الضعف والخنوع لا يمكن أن يكون بالدرجة التي يتحمل فيها أبلغ وأخطر الإساءات والاتهامات التي تُوجه إليه من مسؤول في الدولة، وليس من الصحفيين أو المواطنين، بدون أدنى رد فعل منه رغم الدفاع الشديد الذى يجده من الرأي العام، وعلى سبيل المثال الإساءات التي وجهها عضو المجلس العسكري السابق (الكباشى) الى الدكتور (حمدوك) واتهامه له (بالخروج على الدولة)، وهى تهمة خطيرة لا يمكن أن يقبلها أي موظف صغير بدون ان يدافع عن نفسه بكلمة واحدة او يحتج عليها، مَهما كان (مهذبا) أو ضعيفا أو خانعا، دعك من أن يكون رئيس الوزراء نفسه!
* على الأقل لو لم يكن قادرا على الرد أو خائفا من الرد، أو لنفترض أنه (ملاك) في قمة الرقى والرقة والتهذيب، كان من المفترض أن يقدم استقالته بعد تلك الاتهامات والإساءات الفظيعة، خاصة بعد ان تبين عجزه الواضح عن القيام بواجباته كرئيس للحكومة، والإيفاء بتعهداته مثل اتفاق اعلان المبادئ الذى وقعه مع الحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال)، مما أفقده ثقة الغالبية والتأييد الشعبي الكبير الذى حظى به عند تسميته رئيسا للحكومة، ولكنه للأسف لم يستفد منه بشيء وخذل الجميع، ولو لم يتدارك نفسه بأسرع ما يمكن لصار اكبر الفاشلين في تاريخ السودان رغم ما تيسر له من دعم شعبي ومحبة لم يحظى بهما أي سياسي سوداني من قبل!
* وصف السفير البريطاني في الخرطوم (عرفان صديق)، السلام الذي تم التوصل إليه في جوبا بأنه (ناقص)، ولا يمكنهم تمويل تنفيذه ما لم يكتمل بالتوصل لاتفاق مع عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، موضحاً في حوار مع الزميل (محمد عبد العزيز) بصحيفة (الديمقراطي)، إن السلام الكامل هو الذي يأتي في سياق شامل عبر معالجة قضايا وطنية ومعالجة توزيع موارد الدولة والمشاركة في الحكم، متسائلاً “ماذا سيحدث للاتفاق في حال التوصل لتفاهمات مع الحلو ونور، وهل سيقبل هؤلاء بالاتفاق كما هو، ام سيدخلون عليه تعديلات؟”، مضيفا أنهم لا يمكن أن يدعمون اتفاقا ليس شاملا، وضرب مثلا بأنه اذا طلب من حكومته الصرف على تنفيذ أحد البنود وبعد ستة أشهر حدث به تعديل فماذا سيحدث، لذلك فإنهم لن يقدموا الدعم إلا بعد الوصول الى اتفاق شامل، وليس الآن!
* عندما يصدر هذا الحديث من سفير دولة كبرى مثل بريطانيا لا شك أنها تتخذ قراراتها بشأن الدول الأخرى حسب رؤية وزارة الخارجية والتقارير التي يرفعها سفراؤها في الخارج، نستطيع أن نفهم بوضوح رأى الدولة البريطانية في اتفاق جوبا وكيف ستتعامل معه، ومع قناعتي المطلقة بأن أي دولة مستقلة هي وحدها التي يجب أن تقرر مصيرها، ولكن من حق الدول الأخرى أن تتخذ أيضا القرار الذى يناسبها، فلا أحد يستطيع أن يرغم بريطانيا أو غيرها من الدول على الاعتراف بما حدث في جوبا أو تقديم الدعم له!
* تحدث السفير أيضا عن البعثة الأممية، وأوضح أن المكون العسكري يرفض رئاسة المرشح الفرنسي للبعثة رغم موافقة (روسيا) التي اعترضت عليه في بادئ الأمر، الأمر الذى سيؤخر إجراءات تكوين البعثة الدولية وتعطيل تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، خاصة مع إصرار المكون العسكري على مغادرة بعثة اليوناميد قبل وصول البعثة الدولية، وبما أن الانفاق على حفظ الأمن في إقليم دارفور يتم من خلال بعثة اليوناميد، فإن الصرف على حفظ الأمن سيتوقف بدون أن يكون للحكومة السودانية القدرة على توفير البديل !
* يضيف السفير “إذا ارادت الحكومة دعما لتنفيذ اتفاق السلام فان البعثة الأممية هي الآلية المناسبة، فهل سيقومون بمساعدتها ام لا، سواء عبر الموافقة على بقاء بعثة اليوناميد بعض الوقت أو تكوين البعثة الدولية (يونيتامس)”، ويختم حديثه قائلا: ” بكل صراحة لن يكون هناك مساعدة للحكومة السودانية اذا ظل موقفها إزاء البعثات الأممية بهذا الشكل” !
* إذا أضفنا الى ذلك توجيهات الرئيس الروسي لمرؤوسيه للبدء في إجراءات تأسيس القاعدة الروسية البحرية في السودان بالاتفاق مع المكون العسكري ـ وهو الأمر الذى كان يسعى إليه المخلوع لحماية سلطته ــ تتضح لنا النوايا الخبيثة للعسكر ورغبتهم في تقوية نفوذهم وبقائهم جاثمين على صدر الشعب حتى بعد انتهاء الفترة الانتقالية!
* كما يتأكد لنا الضعف الشديد للدكتور (حمدوك) لدرجة تخليه للعسكر تحديد مصير البعثة الدولية التي طلبها هو، والتي كان يعترينا الأمل في تحقيق الانتقال السلمى الى الدولة المدنية الديمقراطية بمساعدتها، ولكنه صار مثل غيره في مهب الريح مع سيطرة العسكر وخنوع حمدوك لهم، أو .. ربما تضامنه معهم !
الجريدة