آخر الأخبار
The news is by your side.

ملامح من أناشيد الأكتوبريات الظلم عمره إتحدد…أيام اكتوبر تشهد بقلم: صلاح الباشا:

كانت الصحف السودانية بكافة صفحاتها الفنية وتحليلاتها السياسية وأيضا كافة الأجهزة والوسائط الإعلامية برغم محدوديتها عبر أزمنة طويلة ماضية غير هذا الزمان الرديء ، كانت تستعيد ذكري أم الإنتفاضات السودانية الشعبية التي كان لا يماثلها في العالم كله إلا الثورة الشعبية لشعب فرنسا في القرن الثامن عشر ضد حكم لويس السادس عشر حين إنفجر الشعب الفرنسي في باريس العاصمة وغيرها بسبب أزمة الغذاء وندرة الخبز ، حتي أحاطوا بقصر الحكم الذي يسمي ( قصر الأليزيه ) ووقتها قد إندهشت زوجة لويس ( ماري إنطوانيت ) لكثافة المظاهرات التي أحاطت بقصرها ، فسألت زوجها عن سبب هذا الهياج الجماهيري ، فقال لها بأنهم جائعون لا يجدون الخبز ، فعلقت بكل سذاجة قائلة : ولماذا لا يأكلون جاتوه !!!!

وفي الخرطوم أجاد المبدعون بتأليف جميل الأشعار بالدارجة والفصحي ، وتغني الفنانون كل علي شاكلته بتلك الأطروحات الشعرية التي تمجد الجماهير ثورتها عقب 21 اكتوبر 1964م .

وقد كانت البداية مع محمد الأمين والذي تغني بعد شهر واحد فقط من الثورة بنشيد الأستاذ فضل الله محمد الذي كتبه داخل معتقل السجن الحربي بالمهندسين حين حبسوه مع طلاب الإتحاد الناشطين بجامعة الخرطوم منذ أمسية ندوة 21 أكتوبر بداخليات البركس ، والتي أستشهد فيها طالب العلوم ( برليم ) احمد القرشي طه كأول شهيد في الثورة الشعبية ، ولم يطلق سراح الطلاب إلا في أمسية 28 أكتوبر حين أعلن الرئيس الفريق ابراهيم عبود إنهاء الحكم العسكري ، فخرج فضل الله وفي معيته النشيد الذي قام بالتغني به إبن منطقته ( ود مدني) الأستاذ محمد الأمين ، حيث قال فيه :

أكتوبر واحد وعشرين

ياصحو الشعب الجبار

يالهب الثورة العملاقة

يا ملهم غضب الأحرار

***

من دم القرشي وأخوانه

في الجامعة أرضنا مروية

من وهج الطلقة النارية

أشعل نيران الحرية

بارك وحدتنا القومية

واعمل من أجل العمران

***

ثم أردفها أبو الأمين ومن نظم نس الشاعر فصل الله محمد بعملين آخرين وهما نشيد الإنتفاضة ( المجد للالاف تهدر في الشوارع كالسيول يدق زاحفها قلاع الكبيت والظلم الطويل ) ثم أتي منهما نشيد ( شهر عشرة حبابو عشرة … وابقوا عشرة علي المباديء ) .

وفي ذات الحدث كتب الشاعر الدبلوماسي الأستاذ الراحل عبدالمجيد حاج الأمين نشيدا بالفصحي وقد قام الموسيقار محمد حامد العربي بتأليف لحن هاديء له يتناسب مع هدوء المفردات ، حيث اضاف عليه الأستاذ عبدالكريم الكابلي من لمساته الجميلة وتغني به وقد أخذ النشيد عنوان ( طريق الجامعة( :

هبت الخرطوم في جـٌنح الدُّجي

ضمدت بالعزم هاتيك الجراح

وقفت للفجر حتي طلعا

مشرق الجبهةِ مخضوب الجناح

يحمل الفكرة والوعيَ معا

فإلتقينا في طريق الجامعة

مشهداً يا موطني .. ما أروعا

***

ثم تباري الشعراء في تمجيد تلك الثورة الشعبية .. ليأتي شاعرنا المتألق وقد كان خريجا جديداً طري العود من كلية القانون بجامعة الخرطوم حيث كتب في ذات الفترة أجمل مفردات الشعر الإنشادي السوداني بلغة فصحي وبتوظيف مفردات جديدة حينذاك ، ألا وهو الشاعر والدبلوماسي لاحقا ( محمد المكي إبراهيم ) حيث أجاد الموسيقار الراحل محمد وردي في تأليف لحن جميل للقصيدة ويتغني به دوماً :

إسمك الظافر ينمو في ضمير الشعب

إيمانا وبشري

وعلي الغابة والصحراء يمتد وشاحا

وبأيدينا توهَّـجت َ ضياءً وسلاحا

فتسلحنا بأكتوبر لن نرجع شبرا

سندق الصخر حتي يخرجٌ الصخر لنا

زرعا وخضرا

ونرود المجد حتي يحفظ الدهر لنا

إسماً وذكري

***

بإسمك الأخضر يا أكتوبر الأرضُ تغني

والحقول إشتعلت .. قمحا ووعداً وتمنـي

والكنوز أنفتحت .. في باطن الأرض تنادي

بإسمك الشعب إنتصر .. حائط السجن إنكسر

والقيود إنسدلت جدلة عـُرس ٍ في الأيادي

***

كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل

كان عبر الصمت والاحزان يحيا

صامدا منتصرا حتي إذا الفجرُ أطل

أشعل التاريخ نارال فإشتعل

كان أكتوبرَ في غضبــتنا الأولي

مع المك النمر

كان أسياف العـُشر

ومع الماظ البطل

وبدم القرشي.. حين دعاه القرشي

حتي إنتصر

***

نعم … أخذت تلك القصيدة المتفجرة قوة وإعتزازا تحمل بين طياتها كل شموخ الشعب السوداني المتميز ، بل لقد أردف مكي الساحة الفنية بالمزيد من الأناشيد التي تغني بها وردي مثل : من غيرنا يعطي لهذا الشعب معني أن يعيش وينتصر ، والمعروفة بعنوان ( جيلي أنا ) وقد نشرت في مقدمة ديوانه الأول الذي أخذ عنوان ( أمتي ) .. ثم كتب لوردي نشيد ( إنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي ( .

كما أنشد وردي للشاعر الدبلوماسي الضخم الراحل صلاح احمد ابراهيم بقصيدة ( يا ثوار اكتوبر .. يا صناع المجد ) ، وللشاعر الراحل علي عبدالقيوم بنشيد ( نحن رفاق الشهداء ) … والغريب في الأمر أن العديد من الجمهور السوداني ظل يعتقد بأن نشيد وردي الأكثر شهرة والذي ظهر الي الوجود عقب ثورة اكتوبر حيث قام بتأليفه الشاعر السوداني العربي الأفريقي الأكثر شهرة ( محمد الفيتوري ) وهو نشيد ( أصبح الصبح ) هو من أجل إنتفاضة أكتوبر ، غير أن هذا العمل كتبه الفيتوري حين بدأ الإستعمار يغادر القارة الأفريقية نهائيا ًمنذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ، لكن وردي أنشد به عقب ثورة اكتوبر 1964م .

ولكن هناك شاعر وملحن آخر ، وهو مبدع متميز ، أتي من رحم القوات المسلحة وهو العميد(م) الطاهر ابراهيم الذي اشتهر بثنائيته مع الفنان الذري الراحل أبراهيم عوض ، فكتب لوردي نشيد خالد وملحن جاهز وهو :

شعبك يابلادي ..

شعبك اقوي وأكبر

مما كان العدو يتصور

**

الظلم … عـُمرو إتحدد

أيام أكتوبر تشهد

السكة الحالكة الماضية

تاريخـِك ما بتجدد

عهد فساد وإستبداد .. الله لا عاد

***

كما تغني أبراهيم عوض لذات الشاعر الطاهر إبراهيم بنشيد ( الثورة شعار ) وأيضا تغني صلاح مصطفي من كلمات الشاعر الاكثر شهرة محجوب سراج بنشيد ( في الحادي والعشرين من شهر اكتوبر .. الشعب هب وثار.. أشعلها نار في نار .. توج كفاحو النصر في شهر أكتوبر ) .

ولكن لا بد من وقفة متأنية لنري ماذا كتب ذلك الشاب النحيل صغير السن آنذاك وهو الأستاذ ( هاشم صديق ) الذي لم يكن يتجاوز عمره الحادي والعشرين عاماً ، فكتب أطول ملحمة شعرية أخذت عنوان ( قصة ثورة ) لأنها تحكي فعلا قصة ثورة أكتوبر منذ أن كانت في رحم الغيب ، وقد وصف فيها هاشم صديق كل تفاصيل الحدث الذي أحدث فيه عصفاً ذهنياً لموهبته ، فأتي ذلك العمل الوطني الضخم الذي أبدع الفنان الموسيقار محمد الأمين في توصيل مضامينه بذلك اللحن أو في الحقيقة بحزمة تلك الألحان ذات النقلات الكبيرة حسب ما تجود به كلمات النشيد من معان ذات جرس عال من التأثير علي وجدان الجماهير ، فظللت ملامح الحماسة تظهر في كل مقاطع ذلك النشيد الذي أشرك الموسيقار محمد الأمين في أدائه كل من الراحل خليل إسماعيل وعثمان مصطفي والراحل بهاء الدين ابوشلة والفنانة الكردفانية أم بلينة السنوسيفضلا علي كورال من مدرستي المليك الوسطي للبنات بالملازمين والمدرسة الاهلية الثانوية في شمال ودنوباوي.

لما الليل الداجي الطوّل

فجر النور من عينا إتحول

كنا نعيد الماضي الأول

ماضي جدودنا الهزمو الباغي

وهدوا قلاع الظلم الطاغي

***

وفي ليلة وكنا حشود بتصارع

عهد الظلم الشبّ حواجز

شبّ موانع ..

وجانا هتاف من عند الشارع

قسماً قسماً لن ننهار

طريق الثورة هـُدي الأحرار

والشارع ثار

وغضب الأمة إتمدد نار

والكل ياوطني حشود ثوار

وهزمنا الليل

والنور في الآخر طل الدار

والعزة إخضرت للأحرار

***

يا أكتوبر نحن العشنا

ثواني زماااااااان

في قيود ومظالم وويل وهوان

كان في صدورنا غضب بركان

وكنا بنحلم بالأوطان

نسطـِّر إسمك ياسودان

***

نعم …. تظل ذكري ثورة أكتوبر 1964م المجيدة نبراسا للشعوب التي تشرئب بأعناقها الي الإنعتاق من العبودية والإستعمار البغيض والطغيان المحلي الغاشم ، لذلك كانت ثورة أكتوبر الشعبية حديث الصحافة العالمية لسنوات طوال ، حيث ظل الإعجاب بحيوية الشعب السوداني مثار حديث العديد من الشعوب المحبة للحرية والسلام الإجتماعي ، بمثلما ظل مبدعو بلادنا من جمهرة الشعراء والفنانين يحملون هموم شعبهم ، ويفاخرون بتقاليده وسماته المجيدة النادرة ، فأعاد الشعب السوداني للبلاد نسائم الديمقراطية والحريات والصحافة المنتبهة والإبداع غير المتناهي في كافة المجالات حتي كرة القدم ، وبدأت الأحزاب في بناء نفسها وأعطت مساحات متسعة لكوادر الشباب من الخريجين لتبوء أعلي المناصب فيها وبكل أريحية من الجيل العريق وبلا حساسيات تذكر ، غير أن الطريق كان قد إنقطع بسبب الهجمة العسكرية الإندفاعية في 25 مايو 1969م من صغار الضباط الذين وجدوا الترحاب والمؤاذرة من اليسار السوداني بمختلف تياراته ومن القوميين العرب ، حيث أتت المؤاذرة بسبب أن جماعة الأخوان والحزبين الكبيرين قد سدا الطريق أمام الحزب الشيوعي الذي كان قد فاز بثلثي مقاعد دوائر الخريجين حيث قامت الجمعية التاسيسية ( البرلمان ) وقتذاك وبأغلبية الأحزاب بحل الحزب وطرد نوابه من البرلمان ، وقد كانت تلك مخالفة دستورية واضحة كسبها الحزب الشيوعي بواسطة قرار المحكمة الدستورية العليا برئاسة القاضي الراحل مولانا صلاح حسن الذي أصدر قرار بطلان حل الحزب . ولكن السلطتين التنفيذية والتشريعية لم يحترما قرار الحل . والغريب في الأمر أن الحزب الشيوعي لم يكن له يد في حديث طالب معهد المعالمين العالي وقتها ( شوقي ) حول حادثة الإفك لأنه لم يكن منتميا لأجهزة الحزب ، غير أن الاستاذ الراحل علي عبدالله يعقوب ظل يفاخر دوما بتبنيه لفكرة تحريك الحملة من طلاب المعهد العلمي بأم درمان حتي مبني البرلمان القديم بالخرطوم لحل الحزب الشيوعي ، فلولا فعل يعقوب ذلك ، لتمددت الديمقراطية أكثر في بلادنا وتعمقت ورسخت ، وأبتعد الضباط عن التفكير في قلب نظام الحكم المتقدم جدا وقتذاك.

ثم عادت ذات الحركة الإسلامية لتطبق خطأ الضباط الأحرار وتقلب نظام الحكم الديمقراطي في 30/يونيو/ 1989م بلا أدني مبرر حتي اللحظة بعد أن كادت بشائر السلام بين الجنوب والشمال قد إقتربت ، برغم ان الحركة الإسلامية قد أحرزت تقدما كبيرا في الحياة الديمقراطية عقب زوال نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري ، لكنها إستعجلت ودفعت هي والبلاد هذا الثمن الباهظ جدا الذي نراه امامنا … وهاهي النتائج السالبة تظهر في بلادنا وتضع مصالح الشعب وأمنه وإستقراره في كف عفريت … ونسأل الله أن تمر هذه المرحلة بسلام وبلا دماء جديدة أو خسائر كبيرة ، والله المستجيب.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.