آخر الأخبار
The news is by your side.

مصطلحات إسلامية .. الوعظ والإرشاد

مصطلحات إسلامية .. الوعظ والإرشاد

 قلم : د. هاشم غرايبه

الوعظ هو النصح للمؤمن بهدف ارتقائه بإيمانه وتنبيهه الى أوجه القصور في ممارساته لتصحيحها.

أما الإرشاد فهو تقديم المعلومة الصحيحة من العالم الى المتعلم، أو من الأكثر خبرة الى قليلي الخبرة.

من ذلك يتبين لنا الفارق بين المفهومين، واللذين يأتيان دائما مجتمعين وكأنهما يؤديان مهمة موحدة، فالوعظ لايحتاج من الواعظ إلا التمكن في علوم الدين، ويكون جهده موجها للمؤمن فقط، وتجاوبه يستند الى إيمان المرء بالله المطلع على السرائر، وباليوم الآخر الذي يتم به محاسبة المقصرين ومكافأة المحسنين.

أما الإرشاد فهو عام: للمؤمن تعليما وتفهيما ولغير المؤمن هداية ودعوة، فهو يحتاج زيادة على التمكن من علوم الدين، قدرات معرفية واسعة (ثقافة)، ومعرفة بآليات المحاكمة العقلية المنطقية.

لقد بين الله خيرية هذه الأمة وتميزها عن باقي الأمم، لكنه تعالى ربط ذلك بأخذها بأمرين مجتمعين: الأول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثاني الإيمان بالله.

نلاحظ أن الصيغة (بالأمر والنهي) وردت في كتاب الله في سبعة مواضع، ولم ترد في مرة بصيغة الوعظ والإرشاد، لأن الأمر والنهي ملزم ويحتاج الى سلطة آمرة، بينما الوعظ والإرشاد فعل تطوعي والاستجابة له طوعية.

ورغم ذلك فقد تعامت السلطات الحاكمة للدولة الإسلامية طوال تاريخها، عن ذلك، وجعلت تلك المهمة تطوعية، والسبب أن الطبقة الحاكمة كان لديها الكثير من المنكر الذي يُنهى عنه، ولما كان الإصلاح يجب أن يبدأ من الأعلى، فكان لا بد أن يطالها الأمر أولا، لذلك لم تعطِ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صلاحية مراقبة أفعالها، فأبقت نشاطاتها محصورة بالممارسات العلنية في حياة العامة (المواطنين).

لذلك يجب أن نعترف بأن هذا الركن الهام من عوامل خيرية الأمة قد جرى تعطيله، وربما أن ذلك يفسر تراجع مكانة الأمة من القمة الى أن باتت في ذيل الأمم.

منذ قرن، تولى حكم ديار المسلمين سلطات انتهجت تحييد منهج الله (العلمانية)، فألغت مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقزمتها الى مجرد مكتب للوعظ والإرشاد تابع لوزارة الأوقاف، وشددت من رقابتها الأمنية لمنع أية محاولة للدعوة الى استعادة وحدة الأمة الإسلامية، ففرضت على الوعاظ الاقتصار على الحديث عن الطقوس والأوراد والأدعية والأحكام الفقهية للعبادات.

لذلك لا نعجب عندما نرى هؤلاء (الموظفين) يتهربون من واجبهم الشرعي الذي أمرهم الله به، فتتركز اهتماماتهم في الأمور الهامشية، فيستغرقون في التخويف من ارتكاب المعاصي الفردية، برواية قصص محبوكة، تحكي كيف أن مرتكب المعصية تناله مصيبة فورية.

من أكثر تلك القصص التي يرويها الوعاظ تداولا، تلك التي تقول أن امرأة استدرجت رجلا وخيّرته بين أن يشرب الخمر أو أن يواقعها أو يقتل طفلها، فاختار الأهون وهو شرب الخمر، فلما سكر زنا بالمرأة ثم قتل الطفل.

المشكلة أن من يكررها وهو ينتظر أن تخيف من يتعاطى الخمر ويقلع عنه، لا يخطر بباله أن يُعمل عقله.

فالرواية من أصلها تملؤها التناقضات المنطقية، ابتدعها عقل قاصر، ، فكيف يمكن لامرأة أن تجبر رجلا على ارتكاب تلك المعاصي؟، وهل يمكن أن يصدق أحد أنها تعرض قتل ابنها؟، وهل كل من يتناول الخمر لأول مرة يسكر؟، وحتى لو سكر، هل يؤدي الى ارتكاب الاجرام أم يفقد المرء التركيز والتوازن… ؟.

من هنا يفترض بالواعظ أن يكون مقنعا، ولا يلجأ الى التلفيق المتناقض الذي يهدم حجته، ولا يأخذ بكثير من الروايات غير المنطقية التي يحفل بها تراثنا الفقهي، لأن الكذب والافتراء مذموم، ولا يبرره نبل المقصد، كما أن احترام عقل المتلقي مهم، فلم يعد الجهل متفشيا بسب قلة المتعلمين أيام السلف، فالجميع واعون يقرأون ويتثقفون.

لذلك فمثل هؤلاء يبعدون الناس عن الدين بدلا من دعوتهم إليه.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.