ما هي قصة القصاص؟
ما هي قصة القصاص؟
بقلم: سعد محمد عبدالله
كتب السر القصاص مقال صحفي نشره علي مختلف المنصات الإعلامية، وقد تحدث عن توجيهات صادرة عن وزارة الحكم الإتحادي النابعة من قرار مجلس السيادة الإنتقالي بشأن تكوين حكومات ولائية رشيقة طبقًا لمقتضيات المرحلة الحالية التي تعيش فيها البلاد تحت نيران الحرب مع إستمرار تدهور الإقتصاد الوطني، وقد تم شرح وتوضيح خلفيات هذا القرار، وما يحدث في السودان اليوم يتطلب إيجاد سياسات جديدة تقلل إنفاق الحكومة وتسهل إدارة شؤون الدولة من خلال تقليص الظِل الإداري والتعامل مع الأولويات بما يضمن توجيه الإمكانيات نحو توفير الخدمات الأساسية، ولكن بعد الإطلاع علي المقال المذكور فقد جال حول ذهني سؤال بسيط جدًا وليس مهمًا أن أجد له إجابة الآن وهو ”ما هي خلفية قصة السر القصاص ودوافع الهجوم علي الوزير؟.
لقد كتب القصاص في مقدمة مقاله عبارة إستعراضية أراد بها وضع مقارنة بين قرار وزارة الحكم الإتحادي والمشروع السياسي لسيادة الوزير محمد كرتكيلا، ولا أعتقد أن هذه المقارنة منطقية كما لا يجب إرهاق الأنفس والعقول في البحث عن تطابقها مع الواقع سيما ونحن في ظل هذه الحرب التي تحتاج أن توضع لها إعتبار خاص كونها تُعد مرحلة إستثنائية وغير عادية، ولكن سيظل المشروع السياسي الذي كان يقصده كاتب المقال مطروحًا وقابلاً للحوار والتطبيق إذا توفر المناخ الملائم لتأسيس دولة السلام والتنمية والمواطنة كونها تمثّل المشروع المستقبلي لبناء سودان جديد يسع الجميع.
تدرج القصاص في منتصف مقاله مفارقًا ما كان يقوله في بداية السطور مظهرًا بذلك تناقض فكري رهيب لم يسبقه عليه أحد؛ حيث أنه ترك الحديث عن قرارات مجلس السيادة والوزارة حوّل تقليص الحكومات الولائية وتداعيات ذلك علي سوح السياسة والإقتصاد والمجتمع وغيرها وصار يتحدث عن أنواع أنظمة الحكم في العالم القديم والمعاصر، وما كان ذلك القوَّل إلا نجر أحرف علي الهواء أو هو حديثًا من أجل الحديث، وقد فشل في ربط سرده الطويل بقرار الوزارة لأنه فارق الفكرة الأولى فراقًا لا رجعت بعده، ولكن علي كل حال هنالك تجارب كثيرة لأنماط مختلفة من الحكم والإدارة في ظل الأوضاع الطبيعية وغير الطبيعية، وجربنا ذلك خلال فترات سابقة، وأعتقد أن الحالة السودانية تتطلب تخفيف الحمولة الإدارية للدولة بتكوين حكومات ولائية رشيقة.
جاء في مقال القصاص سطور طويلة سرد من خلالها تاريخ الوزير محمد كرتكيلا منذ إتفاقية نيفاشا حتى جوبا لسلام السودان، وقد إجتهد في نقل بعض ملامح التاريخ وما قاله صحيح بلا شك رغم أنه قليل من كثير عن سيرة كفاح لم تذكر أسرارها بعد، ولكنه أراد أن يقوّل من خلال سرده هذا أن الوزير كرتكيلا قد خالف ما كان يناضل من أجله منذ سنوات، وهنا نرى أن الكاتب لا يتحدث بلسان المنطق إنما يعبر عن هواه؛ فكما ورد أن الوزارة وجهت بتنفيذ القرار المُتخذ من مجلس السيادة بحكم صلاحياته ومقتضيات التعامل مع حالة الحرب التي تجري في أجزاء واسعة من السودان، وهذا الأمر واضح لمن يحكم علي الأشياء بمنطق العقلانية، ولسنا بصدد التحدث بلسان الوزارة أو مجلس السيادة لكنه سجالاً طُرح للرأي العام؛ فكل شخص يدلي برأيه، وكل ما نفكر فيه الآن هو تكوين حكومة خفيفة والتوجه نحو ميادين الكفاح من أجل تحرير وإعادة تأسيس هذه الدولة بمشروع وطني جديد.
أخيرًا أودُ أن أقول من باب المناصحة يجب أن يدرك القصاص وغيره أن السودان في مرحلة خطرة جدًا وتحتاج لتضافر جهود السودانيات والسودانيين ولإتخاذ سياسات وحلول عقلانية تخرج بنا إلي بر الأمان أولاً، وهذا لا يعني التخلي عن مشروع تأسيس نظام الحكم اللامركزي أو الإنحراف عن ما جاء في إتفاق جوبا لسلام السودان خاصة حول الحكم والإدارة كما ظن الكاتب، بل نحن نتحدث عن تأسيس دولة جديدة لا تقع مرة آخرى في حروب التناقضات التي نعيشها اليوم؛ فكل شخص وكل تنظيم يرى الدولة وكيفية حكمها وما يجري فيها الآن من منظور متخلف عن الآخر، وهذا الجدل لا يمكن أن يحسم علي فضاء الأسافير إنما يحتاج لعقد المؤتمر القومي الدستوري الذي ينبغي أن يمهد للمرحلة التأسيسية، وتظل الحقيقة أن تطويع كل الأفكار والأراء مهم لصالح تكوين دولة جديدة ملك للجميع.