لواء البراء بن مالك: مهام متعددة في زمن الحرب
وجه الحقيقة…بقلم: إبراهيم شقلاوي
لواء البراء بن مالك: مهام متعددة في زمن الحرب
مع اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل من العام الماضي إثر المحاولة الانقلابية التي قادتها قوات الدعم السريع للاستيلاء على الحكم ، مدعومةً بدعم إقليمي وبعض القوى السياسية الداخلية ، وجه رئيس الدولة قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان نداءً إلى السودانيين، لاسيما الشباب القادرين على حمل السلاح للدفاع عن البلاد . حيث كشفت الحرب عن أجندة مختبئة خلف أهدافها الكذوب المعلنة ، إذ اجتاحت مليشيا الدعم السريع العديد من الولايات السودانية، هددت أمن المواطنين واحتلت بيوتهم ونهبت ممتلكاتهم وانتهكت أعراضهم .
في ظل هذه الفاجعة ، نهضت مجموعات من الشباب السوداني أطلقوا على أنفسهم اسم “لواء البراء بن مالك”، تيمناً بالصحابي الجليل الذي عرف بصدق إيمانه و شدة بأسه هزم وحده مئة فارس في إحدى المعارك . هذا اللواء شكل دعماً مميزاً للجيش السوداني في حرب الكرامة ، من خلال الإسناد العسكري والمدني في جميع جبهات القتال. برز دور “لواء البراء بن مالك” في الاستنفار الوطني بصورة لافتة ومؤثرة في ميزان الحرب حيث اعتبره المراقبون ظاهرة فريدة تستحق الدراسة والتحليل . هذه الظاهرة مثلت نموذجًا مشرفاً لدور الشباب السوداني في مواجهة الأزمات الوطنية ، وأثارت النقاش حول كيفية استنهاض طاقات الشباب وتوظيفها لخدمة القضايا الوطنية بدلاً من استغلالها للهدم والتخريب ، كما حدث إبان ثورة التغيير في السودان في العام 2019 التي أطاحت بنظام عمر البشير .
لذلك لم يكن دور شباب “لواء البراء” مجرد استجابة عابرة لنداء الحرب ، بل تجسد في حالة استنفار وطني مدهشة أصبحت محل إعجاب السودانيين قاطبة داخل وخارج البلاد . هؤلاء الشباب تداعوا لنداء الواجب لمواجهة قوى التمرد والفوضى التي أحدثها في البلاد ، مما أثار تساؤلات حول سرعة احتشادهم في وقت وجيز بعد نداء قائد الجيش . اعتمد المراقبون للإجابة على هذه التساؤلات على محددات معينة منها : تداعيات الحرب وتأثيرها المأساوي على المدنيين بجانب نزوح أعداد كبيرة بسبب الأسلوب الوحشي الذي استخدمته مليشيا الدعم السريع من ترويع وقتل واغتصاب .
كذلك كان لوجود الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي اثرا كبيرا في سرعة الاستجابة ، مما سهل سرعة تشكل ردود الفعل الوطنية وسط هؤلاء الشباب الذين لا ينتمون إلى جماعات سياسية أو خلفيات أيديولوجية محددة بقدر انتماءاهم للتيار الاسلامي الواسع الذي يجمع كل أهل السودان علي القيم الكريمة و الواعي بالمهددات الاقليمية والدولية علي البلاد ، كذلك منهم مجموعات أخرى اجتمعت على محبة هذا البلد تشكلت من كافة طبقات الشعب السوداني ، تركوا مقاعد الدراسة في الجامعات وتركوا مهنهم وأعمالهم وانخرطوا في صفوف الجيش السوداني للدفاع عن الوطن.
إلى جانب الدور العسكري الفعال في جبهات القتال ، شارك “لواء البراء بن مالك” في أنشطة مدنية وهذا ما جعله يبدو بوجوه متعددة تعبر عن مضامين انحيازه لنصرة السودانين حيث ساعد “البراؤون” كما يطلق عليهم في تقديم الإغاثة للمواطنين والعلاج وطب الطوارئ. وإعادة تأهيل الطرق و المنشآت المدمرة كما رأينا ذلك في مستشفيي التوليد بأمدرمان” الدايات” وإزالة الأنقاض . و تشغيل خدمات الكهرباء والمياه ، وإعادة تهيئة المدارس التي بدأت في استقبال الطلاب في المناطق المحررة في ولاية الخرطوم . حمل هؤلاء الشباب شعار “براؤون يا رسول الله ، نبذل الأرواح في سبيل الله” وهم يرفعون الاصبع السبابة إلى اعلي حيث تحول إلى أهزوجة غنائية يرددها السودانيون في جميع تجمعاتهم في ظل تحديات الحرب ، ما يعكس ارتباط نضالهم الوطني بإيمانهم العميق بقيم الدين والكرامة الوطنية .
بحسب مختصين فإن ظاهرة انفعال الشباب من الجنسين واستجابتهم لتريد شعارات هذا اللواء “براؤون” الذي عمل على إعادة إحياء الروح الوطنية ، في وقت الذي اضعفت فيه الأحزاب السياسية قيم الإنتماء للوطن وعجزت عن تقديم حلول مبتكرة لأجل تعزيز اللحمة الوطنية . فإن دعم توجه هؤلاء الشباب بعيدًا عن التوجهات السياسية الصفرية أو القبلية المناطقية ضرورة ملحة واستحقاق وطني يجب أن نتضافر جميعا لبلوغه لضمان التعايش السلمي بين السودانيين ، عليه يمكننا القول إن “لواء البراء بن مالك” ليس مجرد ظاهرة عابرة ، بل نموذج وطني خالص يعكس قدرة الشباب على التأثير الكبير في القضايا الوطنية ، بما يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وحفظ الوطن من التدخلات الإقليمية والدولية و إعادة البناء والإعمار .
لذلك من المهم النظر الي ظاهرة تأثير الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية من خلال ما أثبتت الثورات الشبابية في محيطنا الاقليمي وربما الدولي مثال ذلك في تونس والجزائر ومصر ، وكذلك التحركات الشبابية في ليبيا وسوريا ونيجريا والسترات الصفراء في فرنسا ، فإن للشباب دورا ظل يقوم به محورياً في تشكيل الحاضر والمستقبل للشعوب . من هذا المنطلق ، وكما نرى في هذا الوجه من الحقيقة فإن “لواء البراء بن مالك” يمثل نموذجًا لما يمكن أن يحققه الشباب إذا تم توجيه طاقاتهم لخدمة القضايا الوطنية . فإن نجاح بلادنا في صون وحدتها وإعادة بناء مؤسساتها يتطلب استثمار الطاقات الشبابية في استنهاض الهمم الوطنية والتعاون بين الأجيال. شباب “لواء البراء بن مالك” قدموا نموذجاً مشرفاً يمكن أن يكون منطلقاً لإعادة بناء السودان على أسس راسخة من الوحدة والتوافق والتعايش السلمي لأجل استعادة الأمن وتحقيق السلام .
دمتم بخير وعافية .
Shglawi55@gmail.com