علاقة إقتصاد السودان بحياة الناس ومدى بؤسهم
“علاقة إقتصاد السودان بحياة الناس ومدى بؤسهم “
بقلم: عثمان قسم السيد
الوضع الإقتصادي السيئ فى السودان وما يرتبط به من أخبار ومؤشرات ليس محل اهتمام للكثير من عامة الناس. وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على السودان، لكنها قد تكون أكثر حدة في السودان مقارنة بالدول الإفريقية والعربية.
ولعل من أسباب ذلك هو الصورة الذهنية التي تكونت في أذهان بعض الناس عن الإقتصاديين وعن استخدام الكثير منهم للغة معقدة في شرح الإقتصاد وكذلك استدلالهم بكمية هائلة من المؤشرات الاقتصادية والتي قد تكون متضاربة في ببعض الأحوال. بالإضافة لذلك، يختلف الاقتصاديون بين بعضهم البعض في الكثير من القضايا الأساسية نظراً لإختلاف إنحيازتهم مما يحير عامة الناس.
كما أن بعض أغلبية الاقتصاديين قد يعمدون إلى توظيف المؤشرات الاقتصادية لخدمة أهداف سياسية سواء بتهوين خطورة الوضع الاقتصادي لدعم النظام أو تهويله أيضا في حالة معارضة النظام.
وعلى الرغم من وجود بعض الاقتصاديين ممن يحافظون على موضوعيتهم في التحليل إلا أن هذه الصورة الذهنية السلبية مترسخة بشكل كبير، وما يزيدها عمقا هو عدم ثقة الكثير من الناس في دقة المؤشرات الاقتصادية التي تنشرها الجهات الحكومية وغياب الخلفية المطلوبة عن مفاهيم الإقتصاد لدى الكثير من عامة السودانيين.
كما أن هذه الصورة الذهنية أوجدت حاجزاً نفسيا لدى معظم الناس وأقنعتهم بعدم جدوى متابعة وضع الإقتصاد السودانى المؤوس ومؤشراته لكونها لا تفيدهم في شيء ولا تعكس واقع حياتهم اليومية. لكن هل هذا الكلام حقيقي؟
في الواقع يتأثر معاش الناس بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي العام في البلاد. فنمو الاقتصاد يخلق فرص عمل جديدة ويساهم في تحسين مستوى دخل الأفراد، بينما الركود والتضخم والتدهور في الإقتصاد عادة ما يصاحبه تسريح للعمال وتدهور في مستوى معيشة الأفراد.
كما أن استقرار الأسعار في السوق تسهل حياة الناس وتضمن لهم الحفاظ على قوتهم الشرائية، بينما زيادة التضخم يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية وإفقار الأفراد.
ولذلك فإن وضع الاقتصاد العام له أثراً مباشراً على حياة الناس ولعل ذلك ما دفع الاقتصادي الأمريكي “آرثر أوكون” لإطلاق ما أسماه “مؤشر البؤس” في الستينيات في فترة حكم الرئيس “جونسون”، بهدف قياس ما يمر به عموم
الناس اقتصاديا ومعرفة ما إذا كانوا في حالة اقتصادية جيدة أم بائسة.
“”مؤشر البؤس والفقر فى السودان في أبسط صوره يتم حسابه بجمع معدلات البطالة والتضخم. ويقيس معدل البطالة نسبة من لا يستطيعون الحصول على فرصة عمل مقارنة بإجمالي القوة العاملة في السوق، بينما يقيس معدل التضخم نسبة الزيادة السنوية في أسعار سلة من السلع والخدمات الرئيسية في السوق.
وبطبيعة الحال يكره الناس ارتفاع معدلات البطالة والحاجة للجلوس على المقاهي لسنوات في انتظار فرصة عمل، كما يكرهون الارتفاعات الكبيرة والمتكررة في الأسعار. ولذلك كلما ارتفاع قياس المؤشر، كلما ساءت حالة الناس الاقتصادية وازدادوا بؤساً، حتى وإن حقق الاقتصاد معدلات نمو مرتفعة في نفس الفترة””
وبالنظر لمؤشر البؤس في السودان، نجد أنه منذ بداية الألفية من 2000م الي 2010م كانت الناس تعيش في رفاهية النفط نوعا ما. وكان وضع السودانيين في الداخل أفضل بكثير من المغتربين …. ولكن فجأة وعند انفصال الجنوب ونضوب النفط أصبحنا في تدهور مريع كما يوضح مؤشر البؤس.
وبالنظر الي مؤشر البؤس والفقر فى بلادنا نجد اننا نسير في اتجاه بؤس وفقر كامل 100%.من 25% عام 2010م الي 78% عام 2020م ما شاء الله سرعة الصوت.
بناءاً على ما سبق، ليس من المنطقي اعتبار أن وضع الإقتصاد السودانى ومؤشراته الكلية في معزل عن حياة الناس. نسبة البؤس والفقر 100% يعني الحروب والاقتتال علي الموارد .
وهذا التطور الملحوظ لمؤشر البؤس لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام. فحينما كانت حكومة المخلوع البشير قبل ثورة 29 ديسمبر تتباهى بمعدلات النمو الاقتصادي المذهلة، كان عامة الناس يضجون من تدهور وضعهم الاقتصادي ويؤكدون أن حديث إعلام النظام البائد لا يعكس واقعهم المعاش، وهو ما يوضحه مؤشر البؤس والفقر الذي تضاعف مستواه في فترة الحكومة الإنتقالية ليؤكد ما كان يشعر به الناس من معاناة.
وحينما يشكو الناس مؤخرا أن الثورة لم تأت لهم إلا بمزيد من المعاناة الإقتصادية والتدهور في حياتهم اليومية، فإن ذلك ليس مبالغاً فيه وهو ما يؤكده أيضا ارتفاع مؤشر البؤس والفقر في السنوات الإثنين الأخيرة.
تباطوء النمو الإقتصادي فى السودان سينعكس على الإبقاء على معدلات بطالة مرتفعة، بينما التضخم المرتقب القادم، الناتج عن ارتفاع الدولار ورفع أسعار الطاقة، سيؤدي بلا شك لمزيد من الارتفاع في معدلات التضخم مما يعني بدوره أن مدى البؤس والفقر الذي يعاني منه الناس في السودان سيكون على الأرجح في طريقه للزيادة.
والله يستر على البلاد والعباد
وللقصة بقية
osmanalsaed145@gmail.com