آخر الأخبار
The news is by your side.

عـلـقم الـحـرب والـنـزوح و حـيـاة بـلا روح

عـلـقم الـحـرب والـنـزوح و حـيـاة بـلا روح

حـكـايتي

أماني محمد صالح

ترددتُ كثيرآ قبل أن أكتب عن حكايتي مع الحرب والنزوح فقد تمرد يراعي عن الكتابة فقد كنتُ أمر مثلي ومثل الكل بإضطراب ما بعد الصدمة تشويش في الفكر والخوف والرعب من الحياة المجهولة ‘ فقدان كل شئ في الحرب فكرة من أين نبدأ وكيف نبدأ وكيف نبني مرة أخرى ما بنيناه في سنين و التمرد على أدراك ماهية الحرب والنزوح حتى هذه اللحظة وأنا في القاهرة أعيش حالة إستنكار للحدث لم أستوعب فكرة الكتابة عن الحرب والنزوح.
بدأت الحكاية في صباح السبت الخامس عشر من أبريل المشؤوم الفين وثلاثة وعشرين لم يكن يوم عادي مثل كل أيام نستعد فيها للعودة للعمل بعد الاجازة لكنها كانت أجازة لوطن باكمله.
كل القنوات تتحدث عن إندلاع الحرب في السودان وحتى تلك اللحظات العصبية وأحاسيس الخوف والرعب من فكرة حرب في وطنك وفقدان الأمان قلبي وعقلي كانا في حالة استنكار يقاوما التسليم بالحقيقة واسئلة تجوب في عقلي هل هي حرب حقيقية صراع بين التصديق والتكذيب لا هي مجرد مناوشات وسوف تنتهي في نفس اليوم هل سوف تندع حرب في السودان ونصير مثل سوريا واليمن؟!
صوت الرصاص في كل مكان والخوف ينصب مكانا بداخلنا والرعب والخوف ينسجان خيوطهما ضربات قلب مرعبة لا تتوقف عن التصاعد نركض خلق القنوات لمعرفة الحقائق القنوات تنقل الحدث بتفاصيل نشاهدها في ذهول ورعب بين مصدق ومكذب ويتحدثون عن الهدنة التي سوف تطفي نار الحرب لا أخفي عليكم أنني كنت مستنكرة ومستبعدة إندلاع حرب هي مجرد مناوشات وسوف تنتهي هكذا كنت أمني نفسي ..
وتصديقا لتلك الأمنيات بأنها مجرد مناوشات خرجت الى منزل شقيقتي فهي ليست ببعيدة منا كانت هنالك هدنة وسلام يلوح في الأفق كان أملي في هدنة توقف الحرب لكن تلاشت أحلامي في السلام عندما تعالت أصوات الرصاص وضاع حلم السلام وضاع الوطن حينها أدركت أنها حرب حقيقية وعلي أن أعود إلى منزلنا وأخذ مستنداتي ومقتنياتي السمينة خرجنا من منزل شقيقتي من (حي العامرية) في يثرب الي( حي الشهيد طه الماحي) في جبرة في الطريق تحسرت على وطني الشوارع خالية وحزينة وبلا روح ولا حياة فقد أختفيت معالم الحياة من الشوارع الكل مرعوب آثر الجلوس بالمنزل فقد فر الأمن والأمان بين ليلة وضحاها ونحن في ذهول وحزن وغضب وقهر من حال الشارع والرعب والخوف في شارع كان يعج بالحياة والضجيج إلى هدوء مخيف و آثار الخراب والدمار اقتربنا من مدخل المنزل لم يكن شارع البيت هو ذاك الشارع الذي كنا نسير فيه بكل أمان الحزن والخوف والرعب هما عنوان المكان كنت احس حتى الأشجار والزهور حزينة فقد تميز هذا الحي بالمباني الجميلة والحدائق الزاهية كلها كانت في حالة زبول وحزن على أصحاب الديار الذين يهبون لهم الحياة جاني احساس أن الأشجار تسالني في ذهول ماذا حدث أين أنتم ماهذه الوحشة من هؤلاء الغرباء عنا لا نعرفهم لقد ذبلنا أين الحياة أين أنتم أين ضجيج السكان وضحكة الأطفال
فقد كانوا هناك باسلحتهم و أشكالهم الغريبة نعم ليسوا منا وبكل بساطة قال أحدهم لن تدخلوا فقد أصبح هذا الحي معسكر للدعم السريع بالتالي منازلنا اصبحت محرمة علينا بأمرهم بكل بساطة وبكل جبروت سلبوا حياتنا وذكرياتنا وعمرنا رجعنا والألم يعتصرنا لأن الأرواح غالية فقد كان حديثهم حفاظا على أرواحكم أرجعوا وهم لا يعلمون أن أرواحنا بين ايديهم بيوتنا وذكرياتنا ووطننا في لحظة أصبحنا غرباء عنهم ندخل بامرهم ونخرج أمرهم
كانت هذه اللحظة تجسيد حي للحالة الخوف والرعب ووجع هل ضاع كل شئ هل ضاع الأمان أم هي مجرد مسرحية بين السياسيين وسوف تحسم ويعود الأمان دار بمخليتنا الكثير من التفاسير والتحاليل لكن لم تنجح واحدة منهم في ابعاد حقيقة الحرب وحالة الرعب والخوف بداخلنا
فقد كانت لحظة أدركت فيها انها حرب حقيقية لكن ماذا نفعل هل نترك لهم منزلنا هل نتخلي عن ذكرياتنا وأمولنا لهم بكل بساطة ياخذون شقي العمر بأسم الحرية شل تفكيري من الخوف وشعرت بسحابة تغطي عيني احساس أنك في حلم وكابوس سوف تصحو منه لكن لم يكن حلما بل واقع مرير ضاع فيه الوطن حرب قضت علي حياتنا واليوم نكتب عنها في القلب آهات وآهات..
مكثنا في دار شقيقتي لبضع أيام حتى شعرنا بالخطر فهذه المناطق. كانت مناطق اشتباكات بين الطرفين مرة ثانية كنا نركض داخل المنزل كلما سمعنا صوت الرصاص الغارات ننام تحت السرير الكل خائف ومرعوب رائحة الموت في كل مكان وبعد أن تهدأ أصوات الرصاص نشاهد القنوات ونسمع الإشاعات يتملكنا الرعب والخوف فكان لابد أن نغادر إلى مكان نشعر فيه بالأمان
غادرنا الى منزل شقيقتي في الكلاكلة فقد كان  أكثر أمانا ظللنا هناك نراقب الاوضاع وحدثت حادثة شارع( 15) في الكلاكلة القبة الطائرة التي حطمت عدد من المنازل وسقوط الجرحي والموتي شاهدت الطائرة وهي تحلق بالقرب منا في لحظات سمعت دوي الطائرة وصوت الإنفجار والرعب والخوف والصراخ ماهي إلا لحظات وصور الإنفجار على القنوات علي مقربة منا كان قرار الرحيل يرواننا مع كل كارثة و لحظات الخوف والرعب والمصير المجهول الى أين
وفي يوم الرابع والعشرين من أبريل المشؤوم كانت محاولة الثانية لناخذ جوازاتنا للدخول منزلنا في (جبرة) ونحن في الطريق الشوارع كلها مغلقة آثار الدمار في كل مكان الناس في المركبة وجوه غبرة وجوه أصابتها الشيخوخة والوهن والخوف وجوه صامتة لا تتكلم لكن عيونهم بها من الحزن والألم والحيرة يكفي العالم علامات استفهام وذهول وحزن وقهر علي حال الشوارع التي اصبحت بلا حياة يسكنها الرعب والخوف كل المحلات التجارية مغلقة انعدمت الحياة
وصلنا إلى شارع البيت كان الأمر أكثر مرارة وجعا ورعبا الحي أصبح مستعمرة للدعم السريع القوات منتشرة بكثافة نحن في حالة لا أستطيع وصفها تبلد عدم مبالاة خوف رعب اضطراب لا أدري كنا نشق الطريق في وسطهم بذهول وجع وقهر هذه المرة لم يمنعونا لأنهم استولوا علي كل شئ لذا سمحوا لنا بعبور الشارع الحي باهت يسكنه السكون والرعب الأشجار والزهور صامتة زابلة وكانها تسألني أين أنتم من هولاء أين الحياة والمرح من هؤلاء الذين يدمرون كل شئ أين سكان المنازل الذين كانوا يهبون لنا الحياة نحن اجبرنا علي ترككم والرحيل عنوة ابعدونا عنكم وعن كل ماهو جميل
وكانت هذه اللحظة أسوء لحظة في حياتي يوم لن انساه طول عمري يوم سلب منا منزلنا ونحن لا حول لنا و لا قوة عندما اقتربنا من المنزل وجدناهم قد أستولوا على المنزل مستخدمين اثاث المنزل في ظل الأشجار يتسامروت يشربون الشيشة صعدنا ألي المنزل لحظة كنت افقد فيها عقلي بعثروا كل شئ وسرقوا كل شئ بعثروا ذكرياتي وأماني وتاريخي وبكل جراءة سألني أحدهم هو يبعثر في غرفتي ويستبحها ( جيتي ليه أطلعوا برة قلت ما طالعين جينا نشيل حاجاتنا) في هذه اللحظة كان يبعثر غرفتي وياخذ منها ما تبقي من الغالي والسمين لأنه متاكد من انهم نهبوا كل شئ تركنا وذهب الي زملائه حيث يلعبون ويمرحون ونحن نقهر في الأعلى من اعمالهم بكل بساطة انضم اليهم واصلوا في لهوهم ولعبهم على اشلاء ذكرياتنا واثاثاتنا
ونحن بداخل المنزل كان الخوف والرعب سيد الموقف كأن الاثاثات الحيطان تسألني ما الذي حدث من هؤلاء أين أنتم لماذا هذه الفوضي كنت احس برغبة في أحتضان واحتواء كل شئ في المنزل ركن ركن غرفة غرفة اودعهم الوداع الأخير فقد كانت كل الموشرات تقول أنني لن نتلقي مرة اخري سرحت بخيالي في كل ركن والرعب والخوف سيدا الموقف كل أحاسيس القهر والحزن الغبن بداخلي كل شئ مبعثر في البيت كأنها هزة أرضية قد إصابته شلت تفكيري تسارعت ضربات قلبي ظللت اردد أيه الكرسي حتي ننجو منهم فقد خليتو للحظة أنهم سوف يحضروا اسلحتهم يقتلوننا لكنهم بلطف الله لم يفعلوا وخرجنا من منزلنا الحسرة والقهر يعصر قلوبنا في طريقنا ألي الشارع ضربونا ببوابل من الرصاص كانت لحظات بين الموت والحياة بين الياس والأمل كل واحد يخاف ان يقتل أحدنا أمامه كنا ندعو الله اذا كتب لنا الموت فنموت سويا لاننا لن يحتمل أحدنا ان يقتل أحد منا أمامه بهذه الطريقة المهينة سلب وقتل وموت نجونا انا واخي باعحوبة بلطف الله ورعايته وغادرنا منزلنا إلى الأبد فقدت فيها كل املك من مال وذهب حتى جوازات سفرنا وودعنا منزل فيه كل تفاصيل حياتنا وذكرياتنا مع أمي رحمة الله عليها
وكان قرار الرحيل المر المؤلم من الخرطوم الحبيبة في نهاية شهر مايو كان قرار كنا نتجاهله ونخدر أنفسنا ببصيص امل قادم ربما تهدأ الأمور لكن في لحظة أدركنا أننا لابد أن نغادر لابد من الرحيل من يومها رحل الفرح واصبحت الحياة باهتة بلا ملامح نعيش علقم الحرب والنزوح
وكان الرحيل من مكان فقدنا فيه الأمان إلى أماكن لم نكن نتوقع أن نذهب اليها يوم ما لكنها الأقدار تحملنا إلى أماكن لم نكن نتخيلها .
وبدأت رحلة النزوح من الكلاكلة إلى حلفا الجديدة في شرق السودان ثم إلى وادي حلفا ثم إلى مسقط راسي السكوت (قرية قنس) ثم مرة أخري إلى وادي حلفا لنبدأ رحلة النزوح التي تكثر فيها الحكايات وقصص النزوح حكاية المكان وصناعة الفة ومحبة مع مكان غريب وعادات وتقاليد مختلفة فقدت فيها مرح المدينة وصخبها وجدت فيها الريف والخضرة الجمال أعادوا للروح بعض التوازن والاسترخاء بعد صدمة حرب ورحلة نزوح شاقة
في صباح يوم قررنا مغادرة الخرطوم إلى حلفا الجديدة في الطريق كان الرعب يلزمنا كلما وجدنا إرتكاز وتفتيش خاصة بعد قصص النهب والسرقة في الطريق مع كل تفتيش نعيش حالة من الرعب والخوف خاصة بعد إنتشار قصص من سبقونا منهم من قتل منهم من سلبت أموالهم قصص وحكايات كأنها  من وحي الخيال وبعد ثمانية ساعات وصلنا المحطة استأجرنا عربة أجرة الى القرية هنا تحدث الصدمة ونحن في الطريق إلى القرية كم هي مهملة هذا القري هنالك في الطريق الي القرية لا توجد مناظر تسر الخاطر ترعة أشجار بلا حياة كان الطريق وعرا الي منزل اختي في القرية فقد نزحت قبلنا إلى القرية حين كان بداخلنا امل في السلام نزحت هي وصلنا القرية قرية هادئة بيوتها مرتبة بنفس الشكل والأشجار أمام كل بيت يعطي الحياة نوع من الأمل كان صيفا قاسيا وحار جدا والتيار الكهربائي يقطع لساعات طويلة تصل الي خمسة عشر ساعة كانت حياة صعبة وقاسية وطقس حار جدا لم امكث فيه كثير بضعة أسابيع ونزحنا إلى وادي حلفا كانت سفرية طويلة مرهقة كنت اهرب للنوم فيها لم أشاهد الشوارع ولم تكن هناك ارتكازات كثيرة وصلنا حلفا أرض النوبة والحضارات كنت اتخيلها مدينة أكثر جمالا مما رات وجدت الجبال والطقس الحار حلفا عشت فيها على فترتين الأولى مكثت فيها أسبوع غادرت إلى مسقط راسي قريتي في شمال السودان بقرب من مدينة عبري في الطريق كانت هنالك أحاسيس مختلفة دبت أحاسيس الأمان والاطمئنان بداخلي نمت حالة من السلام والتأمل وانا في الطريق إلى البلدة التي عشقتها أمي وكانت تحدثني عنها كثيرا وعن ذكرياتها تمنيت لو كانت معاي ندخل منزلنا سويا نعانق ذكرياتها في كل ركن سرحت مع الحياة و تصاريف الزمان لم أكن اتوقع أن أعود إلى مسقط رأسي انا التي زرتها مرة واحدة في حياتي وانا طفلة أعود اليها بعد كل هذه السنوات حزينة مقهورة واحمل لقب نازحة أسوء لقب تحصلت عليه في الحرب وكأن الأقدار تريد أن تزيد من احزاني وأنا في طريق جاني خبر وفاة ابنة خالتي التي كانت تصارع المرض اللعين اذا سوف اصل الي بيت خالي والبلدة خالية الكل هناك في بيت العزاء ضحكت من سخرية الأقدار بي ان أعود الي موطني والقرية كلها في حالة حزن كأنها تريد أن تشاركني حزني أيضا حزني علي حالي وحزني عليها لها الرحمة وصلت البلد وانا اتأمل البيوت والشوارع هناك فرق شاسع بين بيوتنا وبيوت البلد الحياة مختلفة وصلت حسب خططي أن السائق يعرف خالي وسوف يوصلني اليهم لكن قال انه لا يعرفهم وعليه تم انزالي علي بعد أمتار من البيت نزلت وضعت حقائبي على الطريق الرئيسي وجلست اتأمل منازل متفرغة من بعضها مساحات واسعة وسالت نفسي تري كم من الزمن استطيع العيش هنا خاصة ان وسائل الاتصال لست جيدة جاني ابن خالي ودخلنا منزل خالي الأستاذ الموجهة الرسام الفنان..
في قرية قنس في منطقة السكوت قضيت شهر فيها حياة مختلفة تماما كنت أحاول التأقلم اصنع لنفسي حياة كنت أجلس كثيرا مع الأطفال فمجالسة الأطفال تعزز الصحة النفسية احاورهم بنفس اسلوبهم فقد كانوا يصنعون يومي لعلي اتجاوز فترة النزوح فكانت الصغيرة (تمني) حفيدة خالي التي تصنع يومي بحكاياتها وقصصها وبراءاتها كنت أجلس في حديقة خالي اتامل الخضرة والجمال والحيوانات كانت الخضرة والبحر تخفف عني الكثير
بعد الراحة من عناء السفر قررت يوم زيارة منزلنا حيث بها ذكريات أمي واخواني ليست لدي ذكريات فيها فانا لم أعيش فيها طويلا لحظة دخولي منزلنا كانت لحظة من أصعب اللحظات تحدثت فيها مع أمي وأبي كان حوار داخليا عميقا عدت يا أمي وأبي الآن اخطو خطوات فوق ذكرياتهم وايامكم الجميلة كنت اتمشي والمس كل ركن في منزل استمد من ذكرياتهم القوة والأمان تجولت في مطبخ أمي وادوات المطبخ مرتبة وجميلة كما هي من سنيين تمنيت لو تناولت بهم وجبة دافئة من صنع أمي في مكان تحبه كثيرا كنت اذهب كل فترة أجلس في منزلنا كنت أحس بدفء والأمان و أهل القرية يندهشون ماذا أفعل في بيت مغلق منذ سنيين أنتي ما بتخافي هم لا يعرفون أن هذه اللحظات هي أجمل لحظات أمان والدفء و وأمل بنسبة لي استمد منها الطاقة حتى استطيع التأقلم مع حياة بلا روح لم أكن أماني التي اعرفها كنت أبحث عن نفسي في منزل أبي وأمي أهرب من الياس و الإحباط والحياة الباردة..
رغم اني تعرفت على أهلي و بلدي لكن كنت أتمنى ان يكون ظرف غير خففوا عني الكتير لكن لم أستطيع التأقلم والعيش فيها بعد شهر غادرت إلى وادي حلفا أرض الحضارات مكثت فيها إلى غادرت إلى القاهرة بعد معاناة استخراج الجوازات صفوف التسجيل للقنصلية إنتظار التأشيرة…
هنا تبدأ رحلة نزوح وحياة أخري مكثت في حلفا تسعة أشهر في إنتظار العبور إلى القاهرة..
حلفا أرض الحضارات كانت مليئة بالقصص والحكايات حكايات أهلها الطيبين حكايات النازحيين اوجاعهم كنت أحس اني اعيش ازدوجية في الشخصية مابين نازحة و مواطنة فقد عشت في بيت أبن عمتي أستاذ (عبدون) فقد كان منزله ملتقي للقاء الكثير من النازحين كل منهم له حكاية مع الحرب تختلف عن الآخر لكن يتشابهون في مأساة الحرب معاناتها كل وأحد منهم كان يخطط للحياته بصورة مختلفة قابلتهم في منزلهم الدافئ كل من يريد أن يتابع إجراءات القنصلية والجوازات قابلتهم هناك يستقبلونهم بكل حفاوة وكرم فقد كان مسرح لكثير من القصص والحكايات الجميلة و المحزنة بقيادة إمرأة قوية (علوية) جميلة قادرة إلى تحويل الحزن إلى فرحة وتحويل الياس الي أمل بغد أفضل تستقبلهم بدبلوماسية وبشاشة وطيبة لا مثيل لها.
اندمجت في حلفا تعافيت معهم من بعض الشروخ والجروج فجروح الوطن لا تبرأ بسهولة لكن بعض من التعافي والتغافل لنعبر من أصعب مرحلة في التاريخ وفي تاريخي
في حلفا أرض الحضارات كانت بدايات التأقلم والإستيعاب عشت فيها تسعة أشهر كان مخاض عسير للأيام مختلفة وحياة جديدة مع أهل طيبين وحنيين معهم تجاوزت بعض من القهر والألم تناست معهم جرح الوطن عرفت الجيران احبتهم وأحبوني عشت معهم تفاصيلهم البسيطة الجميلة
عملت في اذاعة وادي حلفا سجلت برنامج مع الناس تحت شعار
من حـلـفـا أرض النيل و الحضارات نسرد حكايات النيل وإنسان النيل ؛نسمع منهم مشاكلهم؛ أحلامهم؛ قصصهم الفيها الحلو والمر. حكاياتهم الجايطة والمرتبة نضحك ؛نبكي ؛ نفرح ونزعل معهم ننقل أحاسيسهم ومشاعرهم نشيل عنهم في زمن الحرب والنزوح حكاية وطن سلب ونهب وإنسان نزح واحتمي بأرض الحضارات هناك في حلفا
مع الـنـاجين من الحرب اردد
ستنتهي الحرب ويتصافح القادة
وتبقى تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد
وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب
وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم البطل
لا أعلم من باع الوطن!
ولكنني رأيتُ من دفع الثمن” مع الـنـاجين من الحرب من شتى أنحاء
البلاد الفاشر الخرطوم أمدرمان بحري سمعت قصصهم وعشت معهم حكايات ومآسي الحرب من داخل دور الإيواء والمساجد عشت معهم قصصهم التي شاهدتها فكنت المعد المذيع الشاهد على الواقعة فكنت ابكي معهم بقلبي ودموعي تجربتي في اذاعة وادي أعادت لي بعض الأمل والتوازن والاندماج في مجتمع مختلف رغم الترحيب كنت أشعر بالغربة عندما اقابل نازح من الخرطوم أحس بالأمان والفرحة في حلفا كانت حياة مختلفة عن مرح المدينة لكنها اضافت لي الكثير تمنيت زيارتها قبل الحرب.
في حلفا عشت معاناة استخراج الجواز انتظار التأشيرة للقاهرة وصفوف القنصلية التي لا ترحم عشت أجواء رمضان الجميلة كانت من أجمل شهور رمضان حيث اللمة وصلاة التروايح أجواء عائلية روحانية جميلة غادرت حلفا الي القاهرة في رحلة صعبة كأنها كانت ترفض مغادرتي للوطن بهذه الطريقة لاجئة فقد تعطل البص قبل المعبر وقفنا حتى يتم معالجة العطل كنت انظر إلى حلفا  وأسالها هل يعز عليك فراقي وأنا أيضا يعز علي مغادرة وطني لكنها إرادة المولي غادرت حلفا في قلبي أوجاع لحظة دخول البص المعبر المصري كانت لحظة نزف فيها قلبي من الألم قلتها وداعا وطني وداعا عمري ذكرياتي وداعا مقبرة أمي وأبي وكل عزيز مدفون في وطني يالها من لحظات قاسية مرة.
غادرت وطني بالدموع لحظات الوداع في حلفا كانت قاسية ومؤلمة

القاهرة طبطت علينا بفعاليتها رغم ذلك كانت حياة باهتة باردة رغم ما بها من فعاليات ثقافية شاركت فيها كنت أظن أنها سوف تذهب عني بعض الحزن لكن في كل فعالية كنت اتذكر ليالي الخرطوم الثقافية يتمزق قلبي من الحزن على وطني الجميل وعشت حياة بلا روح ولا نكهة دون أن نعرف إلى متي؟!!!

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.