سقوط “الامبراطور” .. بقلم: التجاني عبد القادر حامد
يقال إنه حينما نجح انقلاب عسكري في الاطاحة بنظام الامبراطور هيلا سيلاسي في عام 1973، تساءل أحد كبار مستشارية السياسيين السابقين: أين أخطانا؟ فرد عليه أحد الضباط الذين أطاحوا بالنظام قائلا: كان عليكم أن تقرئوا هذا الكتاب، وقذف أمامه نسخة من كتاب صامويل هانتنقتون “النظام السياسي في مجتمعات متغيرة”
كانت النسخة الأولى من الكتاب المشار اليه قد نشرتها جامعة يل الأمريكية في عام 1968، أي قبل أربع سنوات فقط من الانقلاب العسكري الأثيوبي. ليس هناك بالطبع ما يؤكد أو ينفى أن ذلك الضابط أو أحدا ممن شاركوا في الانقلاب قد قرأ الكتاب، ولكن المؤكد أن الكتاب قد تنبأ، عن طريق تطبيق نموذج معين في التحليل، الى أن النظام في طريقه الى سقوط وشيك، وقد تحققت تلك النبوءة بحذافيرها.
كان هنتجتون قد توصل في ذلك الكتاب (من خلال مفهوم “التآكل السياسي” الذي اعتمده) الى أن الثمار الناتجة عن سياسات “التحديث والانفتاح” التي كان يقوم بها الامبراطور (من توسع في التعليم وتدريب وتمدين) ستكون ثمارا مريرة ومهلكة، وستقضى عاجلا أو آجلا على الامبراطور نفسه، وستؤدى لتصفية النظام الذي أقامه. ذلك لأن مشروعية الملك-الامبراطور كانت تقوم سابقا على القبول من عامة الشعب بالمفهوم التقليدي المتبع في ممارسة لسلطة، وفى المحافظة على التراتيب والتقاليد الاجتماعية السائدة، ولكن ما أن تتابع عمليات التحديث الا وستنتج عنها شرائح اجتماعية حديثة تعجز قدرات النظام الاقتصادي والسياسي عن استيعابها في دواليب القطاع العام أو ضروب الشغل الأخرى في القطاع الخاص، وستبدأ هذه الشرائح المتعلمة في التململ والتشكل، وستسير في اتجاهات تتصادم مع المفهوم التقليدي لممارسة السلطة. أما في الجانب الآخر فان انجرار الملك في اتجاه التحديث سيخلق حاجزا بينه وبين الكيانات الاجتماعية التقليدية في الأرياف، فتحس بالعزلة والتهميش فتبتعد عن النظام؛ وبهذه الطريقة فسيفقد الامبراطور قاعدته الاجتماعية التقليدية التي كان يستند عليها نظامه، كما سيفقد تأييد الشرائح الحديثة التي سعى لإيجادها. وسيضطر الامبراطور، والحالة هذه، اما الى طي عمليات التحديث (وذلك ما لا يمكن)، أو الى اتباع سياسة الترضيات والاعطيات (مع ما يحدثه ذلك من انشقاقات في الأجهزة التنفيذية ويشل فاعليتها)، او تباع سياسة تكميم الأفواه والبطش بالمعارضين. وفى كل هذه الأحوال ستتآكل مشروعية الامبراطور ولا يجد سبيلا للبقاء غير الاعتماد على القوة العسكرية النظامية، مما يدعو هذه القوات لان تلعب دورا اساسيا في حماية النظام، في مقابل ان يوفر لها الامبراطور ما تطلبه من دعم وامتيازات، أو من زيادة في النفوذ والصلاحيات. غير ان ذلك الدعم سيمتص موارد الدولة، على ما بها من شح، ويذهب بها بعيدا عن متطلبات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية اللازمة لكسب الولاء الشعبي، فضلا عن متطلبات التنمية الأخرى.
في مثل هذه الحالة قد يفكر الامبراطور اما في خفض نفقات القوات المسلحة النظامية، واما في اضعافها وتفتيتها عن طريق انشاء قوات عسكرية موازية، مثل الحرص الامبراطوري الخاص، أو قوات الحدود، أو قوات الاحتياط ونحوها، على أن تكون مثل هذه القوات تحت اشرافه المباشر حتى يضمن ولاءها المطلق، وحتى يتمكن من احباط أية محاولة للانقلاب عليه من قبل القوات المسلحة التقليدية. ولكن الامبراطور يكون، بهذه الطريقة، قد أحكم حلقات العزلة حول نفسه من حيث لا يقصد، ولم يبق بينه وبين السقوط الا أن يتمكن فريق من القوات النظامية من محاصرة القوات الموازية والاستيلاء على معداتها. وذلك ما وقع بالفعل في عام 1973.
السؤال: أيمكن لهذا النموذج، إذا قمنا بإضافة وحذف بعض المتغيرات، أن يفسر حالات أخرى “لأباطرة” آخرين؟