رعب العسكر ! .. مناظير الأحد … بقلم: دكتور/ زهير السراج
رعب العسكر ! .. مناظير الأحد … بقلم: دكتور/ زهير السراج
* لا شك أنكم تتذكرون فضيحة المخلوع (عمر البشير) وهو يطلب من الرئيس الروسي حمايته من امريكا خلال لقائهما في منتجع سوتشى بروسيا في الثانى والعشرين من نوفمبر (2017 ) الذى بثه التلفزيون الروسي ونقلته كل اجهزة الاعلام ووكالات الانباء العالمية، وعزا فيه المخلوع ما يحدث في السودان الى السياسة الامريكية، قائلا للرئيس الروسي ان بلاده في حاجة للحماية من التصرفات العدائية الامريكية.
رغم إلغاء الإدارة الامريكية للعقوبات الاقتصادية على السودان آنذاك، وهو ما جعل كل المراقبين يربطون الطلب بما اوعز به نائب وزير الخارجية الأمريكي (جون سوليفان) للمسؤولين السودانيين خلال زيارته الى الخرطوم عن عدم رغبة أمريكا في استمرار المخلوع في الحكم بعد انتهاء دورته في 2020 ، مما أرعب المخلوع وجعله يهرول إلى روسيا طالبا الحماية من الأمريكان!
* نفس الرعب الذى شعر به المخلوع آنذاك، وجعله يتخبط ويتقلب بين الدول والاحلاف ويهرول غربا وشرقا كالمجنون أو الاجرب، هو ما يشعر به حاليا المكون العسكري الذى يحكم السودان، ويجعله يتخبط ما بين التطبيع مع إسرائيل والخضوع لرغبة الإدارة الأمريكية تارة، والهرولة نحو روسيا تارة أخرى والخضوع لرغبتها بإقامة قاعدة بحرية عسكرية نووية على شواطئ السودان بالبحر الاحمر، وذلك بغرض التمسك بالسلطة خوفا من الحساب!
* كما هو معروف، فلقد استغل الدب الروسي الرعب الكبير الذى كان يشعر به المخلوع، وفرض عليه زيارة دمشق واللقاء بالرئيس السوري المحظور دوليا بسبب الحرب في سوريا، بالإضافة الى توقيع اتفاقية ظلت طي الكتمان إلى أن كشفت عنها روسيا لاحقا، تقضى بإقامة قاعدة بحرية عسكرية روسية على شواطئ السودان، وهى الاتفاقية التي وجه الرئيس الروسي وزارة الدفاع الروسية مؤخرا بالبدء في تنفيذها.
بعد أن اعتقد الجميع أنها ماتت وذهبت أدراج الرياح بعد سقوط المخلوع، ولكن يبدو ان الرعب الذى يعيشه المكون العسكري بسبب جريمة (فض الاعتصام) وقرب موعد وصول البعثة الأممية الى السودان التي طلبتها الحكومة المدنية، أعاد الحياة الى الاتفاق مرة اخرى، خاصة مع التغيرات السياسية في الولايات المتحدة وانتخاب رئيس جديد من المرجح أن يعطى قدرا اكبر من الاهتمام لحقوق الانسان، كما ان له رأيأ سلبيا في الأنظمة الدكتاتورية والرئيس الروسي أفصح عنه أكثر من مرة عندما كان نائبا للرئيس السابق باراك أوباما، وخلال حملته الانتخابية، وهو ليس كسابقه الداعم والمحب للأنظمة الشمولية !
* تنص الاتفاقية التي تسرى لمدة خمسة وعشرين عاما على السماح بدخول السفن الحربية الروسية الى الشواطئ السودانية لإجراء عمليات الصيانة والتزود بالوقود والمؤن، بالإضافة لانزال اي اسلحة وذخائر واليات وطواقمها في اي ميناء بحري او جوي بالسودان وعبور الاراضي والاجواء السودانية.
ستتحمل روسيا نفقات تشييد القاعدة التي سيتواجد فيها بشكل دائم ٣٠٠ جندي روسي لإدارتها وحمايتها من الداخل وتأمين المياه الاقليمية حول القاعدة ..إلخ، بينما يلتزم الجانب السوداني بحماية القاعدة من الخارج على أن تتكفل روسيا بتوفير الاسلحة والمعدات اللازمة لذلك مجانا لقوة الحماية السودانية !
* جاء في بيان لرئيس الوزراء الروسي صدر مؤخرا، أن الجانب السوداني شارك في صياغة الاتفاقية، بدون أن يوضح أو يعطى أي معلومات عن هذا الجانب، ولكن من المرجح ان يكون الجانب المقصود هو المكون العسكري الذى يتصرف بحرية مطلقة في إدارة شؤون البلاد بدون أدنى اعتبار للحكومة مستغلا ضعفها الشديد!
* هذه الاتفاقية والتخبط بين الشرق والغرب والهرولة نحو اسرائيل، والتآمر مع روسيا لرئاسة البعثة الأممية واللهث وراء سلام مزعوم مع جهات ليس لها وزن شعبي، ووضع العقبات أمام المفاوضات مع الحركات صاحبة الوزن الجماهيري خوفا من مشاركتها في الحكم خلال الفترة الانتقالية واضعاف قبضة المكون العسكري على السلطة، بالإضافة الى التراخي الغريب في حفظ الامن والتعامل مع الهجمات والجرائم المستمرة للعصابات في قلب الخرطوم.
ومنها الهجوم الاخير بالسواطير على سوق حي بانت غرب في أم درمان (سوق أم دفسو) وإصابة العشرات بدون حدوث أى رد فعل من السلطات ما يجعل المرء يتشكك في أن هنالك من يريد حدوث فوضى تزيد حالة التذمر من الحكومة وترحيب البعض بإحكام القبضة العسكرية .. إلخ .. يكشف ان المكون العسكري يعانى من رعب قاتل يجعله يتخبط بلا هدى ويهرول يمينا ويسارا وشرقا وغربا لحماية نفسه وسلطته، ولكن بدون أن يتوقف ويتمعن في ما حدث للمخلوع الذى لم تفده الهرولة والتحالفات المتناقضة، بل سارعت في القضاء عليه!
الجريدة