آخر الأخبار
The news is by your side.

حوار.. مع الكاتب المعز عبد المتعال

حوار.. مع  الكاتب المعز عبد المتعال سر الختم

حاورته.. أماني محمد صالح

قراءة لرواية سمبا ..

تتميّز رواياته بالواقعية وتعرية قضايا المجتمع بكل وضوح، تدور أحداث رواياته ما بين صراع أبطاله النفسي، والصراع الأزلي بين الخير والشر ذاك الذي جسدته روايته الرائعة متاهة الأفعى.
كما جسّدت روايته المدهشة بئر الدهشة التي نقلنا فيها من دهشة إلى دهشة في وصفه الدقيق لحياة القرى النوبية وتعرية مشاكلهم بكل شفافية ووضوح.
امّا روايته نهر وثلاث ضفاف استطاع فيها مناقشة الكثير من القضايا الإجتماعية بشفافية عالية قد تكون صادمة لبعض القُرّاء في اسلوب أدبي ولغة في غاية الإبداع.
الملاحظ في روايات الكاتب المعز عبد المتعال أنهّ يعالج قضايا وهموم المرأة بكل شفافية ووضوح، يدرك أحاسيس الأنثى وصراعها مع المجتمع ومقاومتها لعادات وتقاليد مجتمع قاهر وظالم.

– المكان والمولد والنشأة لهم تأثير مباشر في تكوين شخصية الإنسان، حدّثِنا عن المعز عبد المتعال، تأثير المكان والزمان عليه؟.

— ولدت بكرري بأم درمان، في بيت حكومي بسيط؛ مُشيّد من طين الإلفة الحميم، في كل ركن من أركان البيت دفء خاص؛ تحتشد فيه معاني التماسك والعطف، كنت من المحظوظين لأنّني عشت بين أسرتين، أسرتي وأسرة عمّي علاء الدين سعيد، انتقلنا للكلاكلة صنقعت وأنا طفل لم أتجاوز الخامسة من عمري، تعرفّت على أصدقائي وشعرت بإلفة المكان ورعشة الانتماء، ودون أن أشعر ظهرت الكلاكلة في بعض أعمالي الروائية وفي بعض قصصي القصيرة، تيقّنت حينها أنّ أزقّة وجداني محاصرة؛ بجيوش-ذكريات- هذا الحي.
– عبقرية وفلسفة الأماكن في تحفيز الإبداع داخل كل إنسان؛ البعاد يُشعرنا بالشوق والحنين؛ على أي مدى كانت الهجرة والبعاد لها دور في خلق الكاتب المعز عبد المتعال؛ خاصة أنّ أولى رواياتك تحكي عن معاناة المهاجرين في الغربة؟.
— ككاتب روائي اجدني شديد التأثر بالغربة، يشدني الحنين إلى الوطن، معظم رواياتي وكتاباتي عن معاناة الوطن، تسوقني خطوات حرفي وتقودني صوب الكلاكلة.
روايتي الأولى (جيسيكا) عكست معاناة الغربة، فخرجت تحمل هموم الاغتراب.
– كثير ما يعكس اسلوب الكاتب شخصيته؛ كيف كان تأثير ذلك على منتوجك الأدبي؟؛ خاصة أنّ كتاباتك تمتاز بالواقعية الاجتماعية ومناقشة القضايا بكل شفافية؟.
— في اعتقادي أنّ الكاتب الحقيقي هو الذي يكتب عن قضايا الناس بصدق، أراني شخص بسيط، عشت حياة البسطاء، استمتع بالجلوس معهم، اتألّم لآلامهم؛ واسعد لأفراحهم، حين أرى معاناتهم احس بوخز الضمير الإنساني، لذا كانت كتاباتي اجتماعية، تحمل هموم ومعاش الناس.
– هناك من يشجعك ومن لا يشجعك؛ كلاهما يلعب دور في تحريك الإبداع داخلك كمبدع؛ من وقف خلف المعز ايمانًا منه بموهبته؟.
— أجد التشجيع من أسرتي ومن الأصدقاء والمعارف والكُتّاب والنقّاد، ولا التفت كثيرًا لكل صوت يصدني أو يعطّل حلمي الإبداعي، كثيرون وقفوا خلف صحراء حلمي ومدّوني بماء الصمود، كان لدور أمّي أكبر تأثير على تحقيق حلمي الإبداعي، استمديت منها معاني الصبر والصمود.
– تمتاز رواياتك برسم الشخصيات بدقة ولغة سليمة وقدرة فائقة على تصوير أحاسيس واوجاع الأنثى باسلوب مبهر وبشفافية وخصوصية عالية؛ كيف استطعت تصوير هذه الأحاسيس ومناقشة قضايا الأنثى بهذا الإسلوب المبهر؟.
— في اعتقادي أنّ قضايا المرأة هي جزء من قضايا الرجل، أوجاعهن أوجاعي، وسعادتهن جزء من سعادتي وسعادة المجتمع، أنا ضد المجتمع الذكوري، كما أنّني ضد سيطرة المرأة على المجتمع، كنت ولازلت ضد فكرة السيطرة نفسها، أن تضع نفسك في موقع الآخر وتحس بشعوره؛ هذا هو المفتاح الذي يجعلك تفهم طبيعة تكوين المرأة وطبيعة العلاقة بينها وبين الرجل، هذا التبادل هو العين التي جعلتني أحس بمعاناة الأنثى وأكتب عنها بجرأة وشغف.
– نهر وثلاث ضفاف تعتبر من الروايات التي ناقشت فيها الكثير من القضايا الإجتماعية بشفافية صادمة للقارئ؛ رغم ذلك تعتبر من الروايات التي جذبت القارئ؛ الم ترهبك فكرة تناول كل هذه القضايا بهذه الشفافية في مجتمع يقلق من تعرية مشاكله بهذا الوضوح؟.
— دوري ككاتب هو تعرية مشاكل المجتمع بجرأة، الكاتب هو من يكتب عن مشاكل المجتمع بصدق دون خوف من سياطه، نعري المجتمع ليس من أجل التعرية، بل من موقع مسئوليتي ككاتب، لي مقال بعنوان شجرة الروح، كتبت فيه أنّني شعرت بمسؤولية ما، مسؤولية تنبيه بعض المُتلقّين أنّ وراء القصص التي نكتبها رسائل نضعها على بريد الإنسانية وبذورًا نطمرها تحت تراب الوعي، وننتظر بشغف من يقطف ثمارها، لا يجدر بي ككاتب الربت على قضايا المجتمع وتهدأتها والطبطبة عليها، بل أدعو قلمي لمواجهتها، هذا قدري ككاتب، فمن غير الكاتب يصلح لهذه المهمة؟.
– من خلال رواياتك: (بئر الدهشة) و(نهر وثلاث ضفاف) كان تصويرك للشيخ أو رجل الدين بنظرة مغايرة لوضعه في المجتمع؛ ربما كانت شفافية صادمة لممارسات بعض الشيوخ أو من يدعون أنّهم رجال دين؟.
— عشت اسوأ التجارب الإنسانية من خلال حكم الإسلام السياسي في فترة حكم البشير، حاولت عكس نماذج دينية تاجرت بالدين وجعلته مطيّة لتحقيق شهواتهم، وكما ذكرتي، يدّعون أنّهم رجال دين، فالمشكلة في هذا الادعاء وفي استغلال الدين، وهذا لا يعني أنّ كل رجل دين فاسد، ولكن بالضرورة يعني نماذج بعينها افسدت المجتمع.
– متاهة الأفعى قال عنها الدكتور حسن مغازي أنك تجاوزت فيها نجيب محفوظ خيالا من حيث الحبكة والصراع والتكثيف والدراما.
من حيث استخدامك لتقنية الفلاش باك وتصوير الصراع النفسي وسيطرتك على القارئ فهي كما قال عنها مبرأة من الخطأ؛ كيف تمكّنت من توظيف كل هذه المكونات في هذه الرواية؟ وهل قصة أمجد واقعية؟ بمعنى عندما تكون الرواية من واقع عاصره الكاتب تخرج بهذا الإبداع والحبكة؟ ام هو محض خيال من الكاتب المعز؟.
— حين قرأت الدراسة النقدية التي كتبها الدكتور حسن مغازي عن روايتي متاهة الأفعى؛ شعرت بسعادة قصوى، الدراسة نفسها في تقديري تحفة أدبية لا مثيل لها، حين كتب د. مغازي عن نظرية انقلاب الرمز في متاهة الأفعى؛ تيقّنت أنّني أمام مارد فذ، استطاع د. مغازي فك طلاسم كل كلمة كتبتها ببراعة مذهلة، تأمّلت حروفه حد الانبهار، فتنتني لغته الساحرة وقدرته على التقاط كل التفاصيل وتحليلها بدقّة مدهشة.
روايتي متاهة الأفعى خيالية، شخصية أمجد وكل شخوص الرواية محض خيال؛ هناك خيال يقترب من الواقع ويعكسه بدرجة ما حتى يظن القارئ أن القصة حقيقية، أمجد نموذج سيء لسوء التربية والأخلاق، نجا من عقوبة الدنيا وخنقه عذاب الضمير.
– ما الذي استفز الكاتب المعز عبد المتعال في الشارع السوداني من مشاهد ومواقف؟ وهل اوحت له بكتابة رواية جديدة من وحي هذه الزيارة لأرض الوطن؟.
— في كل زيارة أقوم بها للوطن؛ أشعر أنّني أجلس على موقد من نار الإلهام، في بيوت كثيرة تُطل ألف حكاية من نوافذ الألم، صفوف الوقود والخبز والغاز، غلاء الأسعار والتسوّل وعيون الأطفال الجائعة تجعلني أبكي من الألم، يصمت قلمي من الحزن وتعاوده بعنف رغبة الكتابة.
– كتبت في روايتك متاهة الأفعى على لسان إنتصار:
– أنا أنثى يا (أمجد)، يطالبني المجتمع أن أكون خادمة في البيت، وأن أكون مثقّفة، ومتعلّمة وعلى درجة من الوعي، وأن أكون شريفة وسمعتي جيّدة، وأن لا أقع في الحب لأنّه إثم وأتزوّج بلا علاقة حب وأن أستمرّ في زواجي؛ لأنّ الطلاق كارثة، كل هذه المطالب لابدّ أن تتحقّق في سن معينة، كيف ذلك؟”
كيف تري وضع المرأة في المجتمع السوداني خاصة بعد هجرة أكثر من عشرين عاما؟.
— بالرغم من ازدياد الوعي بعد سقوط نظام البشير؛ إلا أنّ وضع المرأة الاجتماعي يزداد سوء، يقيني أنّ ازدياد الوعي سيقودنا لواقع أفضل مما يتطلّب وقتًا طويلًا لأنّ الدمار الاجتماعي الذي تسبّب فيه نظام البشير قضى على كل أخضر من حياتنا الاجتماعية وجعلنا في قاع البؤس والاحباط.
– (كيف تخون الأمومة غريزتها)؟ من خلال هذه الجملة في روايتك نهر وثلاث ضفاف كان تصويرك لمعاناة أطفال المايقوما وأحاسيسهم؛ كيف تنظر لهذه القضية الإجتماعية المعقدة التي كانت سببًا في وجود أبرياء لا ذنب لهم، ومع ظهور مبادرات من نشطاء بحتمية الاعتراف وتعامل المجتمع مع هذه المشكلة من جذورها حتى لا نظلم هؤلاء الأبرياء؟.
— قضية أطفال المايقوما تؤرقني منذ زمن طويل، في تقديري أنّ الحل في التعريف بالمشكلة على مستوى الدولة عن طريق أجهزة الأعلام المختلفة، المطلوب من الدولة تحجيم ظهور حالات جديدة عن طريق زيادة وعي المجتمع لتسهيل الزواج، ماذا لو تبنّت الدولة تزويج أطفال المايقوما لبعضهم البعض؛ بعد وصولهم سن الزواج؟ أتمنى أن نرى حلولًا من الدولة توازي حجم هذه المأساة.

أماني هانم

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.