آخر الأخبار
The news is by your side.

حديث المدينة… بقلم: عثمان ميرغني

دكتور الدرديري.. فيك الخير!!

وزير الخارجية الدكتور الدرديري محمد أحمد قال للصحفيين أمس إن وزارته (وفّرت للشعب السوداني (20) مليون دولار بفضل التدابير والترتيبات الخاصة بتخفيض التمثيل الدبلوماسي..). 
مصدر المُفاجأة والدّهشة في هذا الحديث أنّه صادر من وزير الخارجية شخصياً، فلو نطق به وزير المالية مثلاً، ربما كَانَ مقبولاً أن لا يرى في الدبلوماسية إلا أرقامها المليودولارية.. لكن المُتحدِّث هنا وزير الخارجية نفسه، الذي حدّد أنّ الإنجاز هو الـ(20) مليون دولار، التي (وُفِّرت للشعب السوداني..) بفضل تقليص البعثات الدبلوماسية، وهنا يجدر أن يقول وزير المالية (فيك الخير.. حاول أكثر) فيكون الإنجاز الدبلوماسي بحجم التّخفيض المالي في نَفقات البعثات الدبلوماسية السودانية.. لا العائد من وجودها.
بهذا المَنطق، من الحكمة أن نَطرح سُؤالاً على السيد وزير الخارجية، ما هي أصلاً البنود الحَقيقيّة التي يُفترض أن يُوجّه إليها الصّرف في العَمل الدبلوماسي.. بعبارةٍ أخرى، إن كَانَ إغلاق السفارات وتخفيض البعثات معايراً بقيمة ما يُوفِّره مالياً، فالأجدر أن يشمل ذلك مَزيداً من السفارات وأعضاء البعثات لمزيدٍ من التوفير.
في تقديري أنّ المعيار الوحيد الذي يجب أن يُوضع في الميزان الدبلوماسي هو العائد من وجود أو عدم وجود تمثيل دبلوماسي سُوداني في الدول المَعنية.. فجدوى وجود البعثة الدبلوماسية السودانية في بلدٍ مُعيّنٍ يجب أن يقترن بالعائد على السودان من وجود التمثيل الدبلوماسي في هذا البلد، والعدد المُناسب من أعضاء البعثة الذين يمكنهم تحقيق الهدف من وجودها..
لكن أن يكون – مثلاً – ثلاثة من أعضاء بعثة دبلوماسية سودانية بدرجة سفير، فهذا ليس تمثيلاً دبلوماسياً بقدر ما هو (تسكينٌ) لامتصاص الفائض الدبلوماسي في وزارة الخارجية.
وإذا قرّرت الوزارة تقليص مثل هذه البعثة والإبقاء على سَفيرٍ وَاحدٍ، فتخلّصت الخزانة العامة بذلك من بضع ملايين من الدولارات فلا يُمكن يُطلق عليه (توفير).. فهو من الأصل لم يكن صرفاً على التمثيل الدبلوماسي!
لا أقصد من هذه السطور حكاية توفير الـ(20) مليون دولار التي قالها وزير الخارجية أمس، لكني أجعلها مَدخلاً لأدلِّل بها على (غياب) الرؤية في سياسة السودان الخارجية.. حتى بَاتَ الإنجاز في العمل الدبلوماسي يُقاس بمقدار (الانسحاب) لا (التمدد)..
هناك أزمة حقيقيّة في استراتيجية السودان الخارجية، وللدقة ليست هناك من الأصل (استراتيجية)، بل هي مُجرّد يوميات تُدار على أُسسٍ ثنائيةٍ كثيراً ما تغفل تماماً الوضع “الجيوسياسي” للسودان.. وكثيراً ما يُخامرني إحساسٌ أنّ لوردات تجارة البشر والمخدرات أكثر وعياً بالمنظور “الجيوسياسي” للسودان فيستثمرونه إقليمياً ودولياً بأكثر مما تستثمره الدبلوماسية السودانية.
الأجدر أن يقول وزير الخارجية للصحفيين إنّ السودان ظل على مدى سنواتٍ طويلةٍ يخسر (20) مليون دولار سنوياً في مصروفات لا علاقة لها بالدبلوماسية..!!
فهي ليست (توفيراً) من حساب الدبلوماسية، بل هدرٌ من بُنُودٍ أخرى قد يكون من بينها الأدوية المُنقذة للحياة.. فيكون ثمن الهدر الدبلوماسي أرواح بريئة كانت تَمُوت بصمتٍ لا تجد الدواء.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.