آخر الأخبار
The news is by your side.

حان وقت تطهير الخدمة المدنية من المحسوبية.. !!

الحقيقة المرة…بقلم: د. عبد القادر جاز

حان وقت تطهير الخدمة المدنية من المحسوبية.. !!

الخدمة المدنية هي عصب الدولة ومرتكز أساسي لتحقيق التنمية المستدامة التي نطمح إليها جميعاً وذلك بعيداً عن أي استغلال للنفوذ، أو محاولات لإقصاء الكفاءات، يجب أن تكون هذه المؤسسة بوتقة للإنتاج والإنجاز.
لقد لامس الرئيس البرهان حقيقة مُرة في خطابه الأخير ببورتسودان عندما أشار إلى التعيينات التي تتم على أساس القرابة والمصالح الشخصية، مما أفرغ الخدمة المدنية من محتواها الإنتاجي وحولها إلى ساحة لتوزيع “السكوك والعطاءات” على غير المستحقين.
يا سيادة الرئيس إن الوقت قد حان لاستلال “السيف البتار” واقتلاع جذور هذه “الأساطير” التي تعيق تقدم الخدمة المدنية. ولتحقيق ذلك لا بد من تشكيل لجنة من الخبراء والمختصين الأكفاء لمراجعة شاملة، وتقييم دقيق لهياكل الخدمة المدنية، بدء بوزارة التربية والتعليم مفتاح التنمية الحقيقي. فإذا لم تُتح الفرصة للكفاءات العلمية لإدارة هذه الوزارة على كافة المستويات فكيف لنا أن نأمل في مستقبل أفضل؟
إن ما نراه اليوم من “أساطير الخدمة العامة” التي تتكاثر كالطحالب يثير الدهشة والاستغراب. كيف لهذه الكيانات المتصلبة أن تكرس نفوذها وتحجم دور الكفاءات الشابة عبر التوارث المقيت، متذرعة بمعيار “الأعمار” لتحقيق “الجودة الشاملة” و”الرضاء الوظيفي”؟ إنهم بذلك يتحولون إلى عبء ثقيل على المؤسسات، يطبقون نظام الاحتكار على العمل، مستندين إلى مفاهيم عفا عليها الزمن.
كما أن استخدام نظام “الحاشية” والتبعية لضمان البقاء في المناصب لأطول فترة ممكنة، يؤدي إلى ظلم كبير للكفاءات، ويحجم من فرص التغيير، وتبادل الخبرات، ورفع القدرات.
هذا يخلق بيئة عمل يسودها عدم التوازن وضعف روح الفريق الواحد.
إن بقاء أي مسؤول في منصبه لأكثر من عامين قد يستنفد ما لديه من رؤى وأفكار للتطوير. وعندما يطول بقاؤه، تبدأ مرحلة “الخرمجة”، حيث يصبح المسؤول خبيراً في استغلال القوانين واللوائح لتحقيق مصالحه الشخصية، وتقويض فرص الآخرين، في تجسيد لحكم الأنانية (حفار المؤسسات).
في نهاية المطاف تشكل هذه “الأساطير” حلفا استراتيجيا يعيق تقدم الأجيال الحالية، التي تقف مكتوفة الأيدي أمام سنوات خدمتهم المحدودة، وأعمار هؤلاء المتنفذين. إنهم يحلمون بفرصة لإثبات الذات والإبداع، لكنهم يواجهون تجميدا لعملية التنمية وإقصاءً ممنهجا.
إن تطبيق مبدأ التجديد وتداول القيادات هو سنة الحياة، وهو الكفيل بتحقيق التطوير والارتقاء بمؤسساتنا. يجب أن ندرك أن استمرار هذه السياسات الخاطئة قد يدفع العديد من الكفاءات إلى البحث عن فرص أخرى في السوق الحر، أو الهجرة، وهو ما يفاقم التحديات التي تواجهها بلادنا في ظل الظروف الراهنة التي فرضتها الحرب.
يا سيادة الرئيس الفرصة الآن سانحة لإحداث تغيير جذري يضمن مستقبلاً أفضل لخدمتنا المدنية ولوطننا.
يا له من تناقض عجيب! إن تقييم الدرجات العلمية بهذا المبلغ الزهيد، ألفي جنيه فقط كبدل مؤهل لهو أمر يدعو للاستغراب، ويشي بعقلية “الأساطير” التي لا ترغب في تشجيع التطور الذاتي للكفاءات. كأنهم يريدون بقاء الحال على ما هو عليه، دون أي حراك، أو تقدم في مستوى الخدمة المدنية.
والأدهى من ذلك كيف يمكن للدرجات الوظيفية الأدنى أن تترأس وتقود حملة الدرجات العلمية ؟ هذا أشبه بمن يقود الأعمى، أو بمن يضع العربة أمام الحصان! إن هذا الوضع لا يستقيم منطقا ولا يخدم مصلحة العمل.
من الطبيعي أن يكون أصحاب العلم والمعرفة هم القادة وصناع القرار، لا أن يكونوا تحت إمرة من هم أقل منهم تأهيلاً.
هذا الوضع المؤسف يكرس لثقافة “التطييش” وعدم تقدير العلم والاجتهاد، ويحبط الطموح لدى الكفاءات الشابة التي تسعى للرقي بمستواها العلمي والمهني. إنه أشبه بمن يزرع شجرة ثم يقطع أغصانها التي بدأت تثمر. لا يمكن للخدمة المدنية أن تنهض وتتطور في ظل هذه المفاهيم المعكوسة.
إن تقدير العلم وتشجيع البحث والتطوير يجب أن يكونا من أولويات إصلاح الخدمة المدنية، وتمكين الكفاءات العلمية من تولي المناصب القيادية، هي خطوة ضرورية نحو تحقيق هذا الهدف.
فكيف يمكننا أن نتوقع مستقبلاً مشرقاً ونحن نقلل من قيمة العلم ونهمش أهله ؟

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.