آخر الأخبار
The news is by your side.

جوبا: إتفاقية الإستسلام و الخضوع..! … بقلم: الربيع محمد بابكر

جوبا: إتفاقية الإستسلام و الخضوع..! … بقلم: الربيع محمد بابكر

بدأ الصراع في السودان منذ العام 1955م ، بين نخبة صفوية ورثت المستعمر و مهمشين

هُضمت حقوقهم الثقافية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية ، ومنذ ذلك التأريخ إنطلقت

شرارة حرب التحرير ونيل الحقوق من أدغال جنوب السودان في منطقة توريت بشرق

الإستوائية، وإستمرت الحرب حتى توقيع إتفاقية أديس أبابا 1972م التي أوقفت الحرب مؤقتاً

خلال المرحلة الأولى من الصراع المسلح بالسودان.

مسببات الحرب :

بعد إستقلال السودان في الأول من يناير عام 1956م إتضح جلياً أن النخبة الصفوية الشمالية

ليس لها مشروع وطني بل تريد وراثة المستعمر وفرض مشاريعها الآحادية الإسلاموعروبية في

وطن متعدد ومتنوع ، وتراجعوا عن كل وعودهم السابقة للجنوبيين بإقامة حكومة إتحادية

فدرالية ومنح الحكم الذاتي للجنوب.

كانت الحكومة الإستعمارية علي درجة عالية من الوعي بمخططات النخبة الشمالية ومشاريعها

التي ترمي إلي أسلمة وتعريب السودان قسرياً ، فقامت بإنشاء مناطق مقفولة في جنوب

السودان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق لوقف المشروع الإسلاموعروبي والمحافظة علي

الثقافي بالسودان وحمايته ، وعندما إتفقت بريطانيا ومصر في عام 1953على منح السودان

إستقلاله إزادات التوترات الداخلية بين النخب الصفوية الشمالية والجنوبيين لغياب الثقة بينهما.

إنتهت المرحلة الأولي من الصراع بين الشمال والجنوب في عهد الرئيس جعفر نميري مؤقتاً

بتوقيعه إتفاقا مع زعيم حركة (الأنانيا ون) جوزيف لاقو ولكن ظلت أسباب الصراع ظلت قائمة.

بدأت شرارة المرحلة الثانية من الحرب بين الشمال والجنوب بإندلاع حركة (الأنانيا تو) في 1978

وظهور الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق ديمبيور

في 1983 وإندماج بعض قيادات حركة (الأنانيا تو) معها هي نشأة الحركة الشعبية والجيش

الشعبي لتحرير السودان بقيادة الزعيم جون قرنق ، والتي إستمرت إلي العام 2005 بتوقيع

إتفاقية السلام الشامل بضاحية نيفاشا الكينية.

خلال هذه المرحلة تطور الصراع تطوراً كبيراً وتوسعت دائرة الحرب لتشمل جبال النوبة/ جنوب

كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان وكانت هنالك محاولة لتكوين نواة للحركة الشعبية

والجيش الشعبي لتحرير السودان بإقليم دارفور إلا أن المحاولة تعرضت للفشل وأستشهد

قائدها داؤد يحي بولاد في يناير 1992م.

إزادات نسبة الوعي الثوري وسط أبناء الشعب السوداني لا سيما في أطراف السودان ، بل

إنضم العشرات من أبناء شمال ووسط السودان للحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير

السودان.

بينما كانت الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق تصارع نظام الجبهة الإسلامية القومية وقّع

د. لام أكول أجاوين ود. رياك مشار وآخرين إتفاقيات ثنائية مع نظام الخرطوم في عام 1997أشبه

بتلك التي وقعتها جماعات الجبهة الثورية بمدينة جوبا ، وتشابه هذه الإتفاقيات يكمن في

ثنائيتها وجزئيتها وإمتناع الحركات الرئيسية عن التوقيع في هكذا إتفاقيات لا تخاطب القضايا

الحقيقية وجذور الأزمة التأريخية ، وفي كلا الحالتين فإن الحكومة تريد إنتصاراً معنوياً لتسوقه

للرأي العام المحلي والدولي رغم إدراكها التام بإستحالة تحقيق سلام وإستقرار بالتوقيع مع

مجموعات لا أثر عسكري أو جماهيري لها وليس بإستطاعتها تغيير المعادلة علي الأرض ، وكل

ما تريده هو الحصول علي السلطة تحت فوهة البندقية المدعاة.

إنتهت المرحلة الثانية من الصراع بتوقيع إتفاقية نيفاشا التي دفع فاتورتها الشعب السوداني

في الشمال والجنوب ، وكانت محصلتها النهائية ذهاب ثلث الوطن وثلث السكان وثلثي الموارد

ومع ذلك لم يتحقق السلام والإستقرار لا في الشمال أو الجنوب!.

إن جميع الإتفاقيات الجزئية بالسودان والتي فاق عددها الأربعين إتفاقية لم تحقق سوي تفتيت

النسيج الإجتماعي وإطالة أمد الصراع ومزيد من التعقيد للأزمة.

إن إتفاقية جوبا الحالية ولم تجد قبولاً واسعاً من الشعب السوداني والمجتمع الإقليمي والدولي

، بدليل الحضور المتواضع لرؤساء دول حالها كحال السودان مثل الصومال وجيبوتي وتشاد ،

ومشاركة متدنية جداً من دول الخليج الكفيل الرسمي لحكومة د.حمدوك وحاضنتها السياسي

بشقيها ، وإتفاقية جوبا لا تختلف عن سابقاتها التي إتسمت بالجزئية ولم تفض إلى سلام

حقيقي يحفظ وحدة ودماء الشعب السوداني وإقامة دولة ذات سيادة تعترف بالتعدد والتنوع و

تحقيق آمال وتطلعات شعبها.

لم تتطرق إتفاقية جوبا إلى قضية هوية السودان وكيفية وقف التزييف الممنهج للهوية

والمحافظة على الكم الهائل من التراث الذي يشكل مصدر قوة للدولة السودانية ، فالهوية هي

واحدة من الأسباب الرئيسية للصراع بالسودان ، وتناولت الإتفاقية مسألة المحكمة الجنائية

على إستحياء رغم أن تسليم المطلوبين هو حق للضحايا وليست قضية قابلة للتفاوض ، ولكن

تناولتها جماعات الجبهة الثورية بهذه الكيفية من أجل تغبيش الوعي وعدم إثارة الضحايا الذين

يطالبون ليل نهار بتسليم المطلوبين ، والثورية ليست جادة في هذا الأمر وإلا لجعلت قضية

تسليم المطلوبين شرطاً لازماً للتوقيع النهائي علي الإتفاق وبالتالي إجبار الحكومة علي إتخاذ

إجراءات جادة في تسليمهم.

يقول تأريخ الثورات ، إن الثوار يجلسون مع بعضهم البعض في طاولة واحدة بعد إنتصار ثورتهم

ثم يتفقون على برنامج وطني واحد يقودهم إلى تحقيق الأهداف التي ثاروا لأجلها كما حدث

في كفاح جنوب إفريقيا و الثورة الفرنسية ورواندا وفي دول أخرى بالعالم ، إستطاعت في فترة

وجيزة حلحلة مشاكلها الداخلية ومهدت الطريق للمستقبل ورفاه شعوبها .

إن الجماعات التي وقعت إتفاقية جوبا ليس لديها ما يكفي من دعامات لتنفيذ ما اتفقوا عليه مع

الحكومة ، وذلك لعدة أسباب:

تأثيرها السياسي في الشارع السوداني محدود جداً ، وأن أغلبهم كانوا قد شاركوا النظام البائد

في الحكم عبر إتفاقيات مماثلة وفشلوا في تحقيق السلام والإستقرار ، وبعض هذه الجماعات

كانوا يفاوضون النظام البائد في بواكير قبل إندلاع ثورة ديسمبر وقبيل سقوط النظام بأيام مثل

بعض القوى السياسية التي تدعى الثورة وكانت تستعد لمنافسة المؤتمر الوطني في إنتخابات

2020م ومنحه شرعية زائفة عكس قوي الممانعة التي رفضت المساومة وظلت تنادي وتعمل

من أجل إسقاط النظام وعدم التفاوض معه .

وهنالك قوي تريد المحافظة علي هذه الوضعية وعدم تحقق أهداف الثورة من أجل مصالح

شخصية وحزبية ، لأن الوضع الحالي لا يمكن أن تحصل عليه في ظل تحقق أهداف الثورة أو

في ظل نظام ديمقراطي حقيقي.

بعد عام من المفاوضات إتفقت الحكومة والجماعات المفاوضة على أشياء لا تحتاج إلى تفاوض

أصلاً و هي بمثابة حقوق أساسية لأي مواطن في دولة محترمة.

بالإطلاع علي نصوص الإتفاقية نجدها لم تنص على تجريد سلاح المليشيات الحكومية التي

تقتل المواطنين وتغتصب ، وكلنا شهود على جرائم القتل و الإغتصاب اليومي الذي تمارسه في

دارفور والكثير من مناطق السودان، ففي محلية نيرتتي بعد إعتصام مواطنيها وزيارة الجهات

السيادية لهم وتعهدها بحمايتهم ، تم قتل ثمانية مواطنين عزل مما دفع المدير التنفيذي تقديم

إستقالته للوالي مسبباً إستقالته بجرائم هذه المليشيات وعدم قدرته في حماية المدنيين ، كما

لم تنص الإتفاقية على تحديد مصير قوات الدعم السريع ( اسم الدلع للجنجويد) التي تفتقر

للأخلاق والقيم الإنسانية ، وأيضاً لم تنص الإتفاقية بعبارات صريحة حول قضية المستوطنين

الجدد وسيطرتهم على أراضي الغير بقوة سلاح الدولة وعن كيفية إعادة الأراضي التي سلبوها

إلى ملاكها الأصليين ، ولم تتناول كيفية إعادة النازحين واللاجئين إلى قراهم وتعويضهم فردياً

وجماعياً مادياً ومعنوياً ، وحجم التعويض والأسس والمعايير التي يقوم عليها.

بالنسبة لإعادة إعمار  ما دمرته الحرب من قرى و مؤسسات مجتمعية فإن الإتفاقية لم تنص

علي أن تعميرها يتم من الدخل القومي بل ألقت العبء علي الإقليم وفقاً لموارده  المتوفرة

وهذا يشكل عقبة كبيرة أمام الإعمار نفسه لأن هذه الأقاليم ليس لديها الموارد الجاهزة

والإستعداد الكافي لإستخراج أي مورد في الوقت الحالي نسبة للتهميش المتعمد وأثر الحرب

الطويلة ، ولكم أن تتخيلوا أقاليم بلا كهرباء وطرق مسفلتة وبلا شركات ومشاريع تنموية يعهد

عليها تعمير نفسها بنفسها!!.

الإتفاقية لم تضع رؤية واضحة للمؤسسة العسكرية بل قننت لوجود أكثر من جيش في دولة

واحدة و تجاهلت مسألة تكوين جيش قومي واحد عن طريق إعادة تشكيل المؤسسات

العسكرية والأمنية بما يضمن عدم إنحيازها لأي جهة سياسية أو إجتماعية.

إن ما سبق بإختصار هو ملخص لإتفاقية الإستسلام و الخضوع التي تم توقيعها في جوبا ،

فالموقعون إختصروا طريق النضال وأهداف الثورة لإيجاد وظائف لأنفسهم ، فليس هنالك سلام

وإستقرار متوقع من هكذا إتفاقية فشلت العشرات من مثيلاتها في تحقيقه.

بالنظر إلى الفضاء السياسي السوداني ، هنالك قوى ثورية حقيقية اخرى تعمل من أجل

تحقيق أهداف الثورة وإحداث تغيير جذري يؤسس للحاضر والمستقبل ، وفي طليعة هذه القوي

حركة/جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد نور و الحركة الشعبية لتحرير السودان

شمال بقيادة الجنرال عبدالعزيز آدم الحلو ، وهاتين الحركتين لديهما نفوذ عسكري كبير ومناطق

محررة بحجم دول ، فضلاً عن السند الجماهير الكبير اللتان تتمتعان به.

إن حركة/ جيش تحرير السودان لديها رؤية وأقعية لتحقيق السلام بالسودان ، عبر عقد مؤتمر

للحوار السوداني السوداني  داخل الوطن ، تشارك فيه كافة شرائح الثورة والشعب السوداني

عدا الكيزان ، وحسب تصريحات قيادات الحركة إنهم يمتلكون الإرادة والجدية وتقديم كافة

التنازلات الممكنة لتحقيق السلام بالسودان وإستكمال أهداف الثورة ، وأن الحركة غير راغبة

في المشاركة خلال الفترة الإنتقالية في أي مستوي من مستويات السلطة ، وتدعو إلي تكوين

حكومة مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة مشهود لهم بمقاومة النظام البائد ، ويطالبون

الحكومة الحالية لإثبات جديتها ورغبتها في تحقيق السلام بالسودان وذلك بتنفيذ كافة القرارات

الدولية بحق حكومة البشير والتسليم الفوري للمطلوبين للمحكمة الجنائية والسماح بعودة

المنظمات الدولية التي طردها النظام البائد ، وإطلاق سراح جميع الأسري والمعتقلين وكشف

مصير المجهولين ، ووقف القتل اليومي للمدنيين ونزع سلاح المليشيات الحكومية ، حتي تكون

هنالك بيئة مناسبة ومهيأة للحوار الداخلي.

أما موقف الحركة الشعبية لا يختلف كثيراً عن موقف حركة التحرير ، ورغم إنها وقعت على إتفاق

سياسي مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ، نص على فصل الدين عن الدولة إلا أنها وضعت

شرطاً قوياً للعودة إلى طاولة التفاوض وهو إبعاد قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو

عن قيادة الوفد الحكومي المفاوض ، نسبةً لإرتكاب قوات الدعم السريع جرائم ضد المدنيين في

جبال النوبة ومناطق أخري.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.