تعليقًا على خطاب القائد مالك عقار بمناسبة ذكرى ثورة 16 مايو المجيدة
تعليقًا علي خطاب القائد مالك عقار بمناسبة ذكرى ثورة 16 مايو المجيدة
بقلم: سعد محمد عبدالله
قرأتُ تعقيبًا خطهُ الأستاذ الصحفي بكري المدني تحت عنوان “قضايا الميلاد الذهبي-رؤية عقار”، وهو من كُتَّاب أعمدة الرأي الذين يناقشون الفكر الآخر بعقل متحرر ورأي رصين ويتحسس الواقع قلم نوراني يقدم نقد متزن، ويستطيع كذلك قراءة إتجاهات الأفكار المختلفة التي يخطها الآخرين حتى مع إختلاف الأراء والمفاهيم، ولاحظت ذلك في عدة مقالات كتبها حول قضايا سودانية شائكة ظلت تشغل أذهان السياسيين والمثقفيين والصحفيين علي مدار الوقت، وعلي متن تعقيبه سلط الضوء علي قضايا جوهرية وروئ تأسيسية وضعها القائد مالك عقار في قلب خطابه الموجه للشعب السوداني الجسور في ذكرى ثورة 16 مايو المجيدة، وتتمثل في الآتي؟
– شكل ونظام الحكم (خاصة العلاقة بين المركز والأقاليم، قسمة السلطة، قسمة الموارد، وتعريف المؤسسات السلطوية.
– تعريف العلاقة بين الدين والدولة
– تعريف الهوية
– النمط التنموي
– العلاقات الخارجية
هذه القضايا ظلت أسئلة تواجه الدولة السودانية التي أعقبت الإستقلال دون أن تجد الإجابات التي تحولها إلي مشروع وطني لإدارة التنوع وإصلاح حال المجتمع وتحقيق السلام والإستقرار والتنمية العادلة للريف والمدينة، بل حبس البعض عقولهم في سجون الإيدلوجيات والإثنيات، وما جاء في خطاب القائد مالك عقار هو بمثابة إشارات واقعية تدور حول قضايا بنيوية أساسية تأتي في سياق مناقشة رؤية الحركة الشعبية للأزمة الوطنية المستمرة عبر التاريخ دون أن تجد حل نهائي رغم المحاولات التي تمت في إتفاقيات سلام سابقة، ونقرأ كل ذلك مع الخارطة التي رسمها القائد عقار للحوار السياسي السودانوي الذي ينبغي أن يقود إلي تشخيص واضح وحلحلة المشكلات الوطنية التي لم تُحل من قبل.
لقد جاء في خطاب القائد مالك عقار تأكيد صريح علي مواقف الحركة الشعبية “الجبهة الثورية” عبر فصول التاريخ الممتدة إلي اليوم، وقد قال في ذكرى ثورة 16 مايو – 1983م العظيمة والخالدة “أن الحركة تقف ذات وقفة الميلاد الذهبي مع قضايا الشعب السوداني الجسور، وتبحث عن الإجابات الموضوعية والحلول التي تحقق السلام والإستقرار، وتواصل السير على دروب الشهداء والمناضلين المضحين لإحداث التغيير والتحرر من قيود الإستبداد والإستعمار”، وهذا الحديث أكد تحمل المسؤوليات الوطنية والنضال من أجلها حتى تتحقق، وقد أوقد شعلة جديدة للحركة الشعبية بوضع رؤيتها مجددًا في عمائق الجماهير التي لها آمال وأشواق العبور نحو سودان جديد آمن ومستقر ومزدهر.
هنالك رسالة مهمة ينتظرها مجتمع الريف الواسع وطيف واسع من الشعب السوداني الذين يسألون عن تنفيذ إتفاقية جوبا لسلام السودان وتحقيق العدالة وبناء دولة المواطنة المتساوية وغيرها؛ فرّد عليهم القائد مالك عقار قائلاً “سنعمل على تنفيذ إتفاقية جوبا لسلام السودان والبناء عليها مستقبلاً، ويجب علينا تطبيق مبدأ العدالة الناجزة لإنصاف ضحايا الإبادة الجماعية ومنع إفلات الجُناة من العقاب القانوني، والعمل على تأسيس دولة المواطنة المتساوية وإنفاذ القانون للمحافظة على وحدة الأرض وحرية الشعب وإستقلال وسيادة القرار السوداني، مبينا ان هذا التوجه يشجعنا للسير معًا إلى الأمام، ويجب إستعادة مكانة السودان على خارطة العالم، وتعزيز الأمن والإستقرار، وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني”.
القائد مالك عقار وجه أيضًا رسائل مهمة للمجتمع الإقليمي والدولي بشأن الأوضاع في السودان؛ حيث كتب في واحدة من فقرات خطابه داعيًا “الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية إلي إدانة كل أشكال التدخل في شؤون السودان، و تسجيل إدانات صريحة لإنتهاكات مليشيا الدعم السريع المتمردة وتعديها المستمر على مؤسسات الدولة بتحريض وتمويل خارجي فلا بد أيضًا من محاسبتها وتقديم رُعاتها للعدالة الدولية، والوقوف مع الدولة والشعب السوداني”، وزاد مصورًا ما يجري في البلاد بقوله “يعتبر إستمرار تدفق السلاح إلى المليشيات الإرهابية عدوان عسكري منظم من قبل الأنظمة الإستعمارية التي تسعى إلى توسيع دائرة حربها الشعواء، وإطالة معاناة شعبنا في السودان، واوضح ان هذا التوجه يعكس إنتهاكًا صارخًا للمواثيق والأعراف الدولية، ويمثّل تهديدًا واضحًا للسلم والأمن السوداني والإقليمي”.
فتح خطاب القائد مالك حوار سياسي وإعلامي منذ لحظة نشره إلي الآن، وهذا الحوار يعكس ما يجول في الشعور القومي السوداني حيال قضايا البلاد المصيرية، ويأتي في إطار البحث المضني عن أنجع الحلول لمعضلات بناء السودان المستقر، وبعد تجارب طويلة عاشها شعبنا بكل ألون طيفه السياسي والإجتماعي منذ فجر الإستقلال مرورًا بالحكومات الوطنية (الديمقراطية والدكتاتورية) أضحت الضرورة تقتضي تحمل المسؤولية بجدية والتعامل مع تلك القضايا بعقول مفتوحة وأعين تبصر التجربة وتدرك مآلاتها وتدفعنا للسير علي الطريق الصحيح، ولذلك أتفهم شعور الصحفي بكري المدني وغيره من المتابعين الذين وقفوا عند أهم القضايا التي طرحها القائد مالك عقار، وهذه الوقفات تجعلنا نفكر مليًا معًا فيما نحن فيه اليوم، ونبحث سويًا عن ما يجب أن يحدث لاحقًا، ويكون ذلك من خلال مخاطبة قضايا الدستور ونظام الحكم والإدارة وتحديد نمط التنمية والهوية في ظِل التنوع وعلاقة الدين بالدولة.
أخيرًا: المجد لثورة 1983م، والعزة لذكرى شهداء معارك التحرر الوطني، ومبروك للجيش الشعبي.