آخر الأخبار
The news is by your side.

الملطشة في وزارة التربية … بقلم: جعفر عباس

الملطشة في وزارة التربية … بقلم: جعفر عباس

استطبت مدينة سنار ومدرستها الثانوية، خاصة وأن طلابها كانوا فلتات وبهم توق وشوق للتفوق، ولكان وبعد إكمالي عاما واحدا فيها، وجدت نفسي منقولا إلى مدرسة في أم درمان، وبعدها إلى مدرسة بنات في الخرطوم، ثم إلى رمبيك أم درمان، ثم إلى المدرسة التجارية في الخرطوم، ثم الطلحة الزراعية وعندما أكملت سنتي الرابعة في التدريس، دخلت مكتب مدير التعليم للمرحلة الثانوية ووجدت معه ثلاثة من أساتذتي في مدرسة وادي سيدنا الثانوية، كانوا قد ترقوا إلى موجهين تربويين.

وبعد التحية قلت للمدير: إلى متى سأظل “ملطشة”؟ فقال لي ما معناه: أنت وحظك في كشف التنقلات المقبل، فقلت له: سأكتب لك استقالتي، فاستوقفني أستاذي عمر حسن مدثر (عمر/ ماث)، قائلا: تعال هنا يا غبي، ولأنني دقة قديمة لم استنكر أنه نعتني بالغباء، فقد درسني الرجل الرياضيات أربع سنوات متتالية وكان وصمه لي بالغباء، في محله لأنني كنت اتمتع بمناعة ضد الرياضيات وحصانة ضد الأرقام.

وسألني أستاذي: دي وزارة أبوك عشان تتمنى على كيفك؟ قلت له: وزارة أبوك، أخوك، حموك، فوك، ذو مال لا تفرق معي، ولكنني لن أقبل التلطش مع بداية كل عام دراسي، وجاد جدا في الاستقالة و”ألف من تتمناني”، فضحك “المدير” وسألني أي مدرسة أُفَضِّل، فاخترت “الخرطوم بحري الثانوية بنين”، فرفع سماعة الهاتف وخاطب مدير تلك المدرسة قائلا: غدا سيكون معك مدرس لغة إنجليزية رأسه ناشف اسمه كذا وكذا، ثم التفت نحوي: بكرة سبعة صباحا تكون في “بحري الثانوية”، فقلت له ضاحكا: حاضر بس لعلمك أنا لا أدرس الحصص الصباحية في اي مدرسة، وأستاذي عمر الواقف إلى جوارك هو الذي سبب لي عقدة مع حصص الدراسة الصباحية لأن النظام التعليمي في السودان يقضي بأن تكون الحصتان الأوليان مخصصة للرياضيات، وهي مادة أعاني فيها من إعاقة.

الخرطوم بحري من أحب مدن السودان إلى قلبي، ليس فقط لأن الداية سحبت رجلي فيها، ولكن لأن معظم أهلي يقيمون فيها، ومن أعاجيب القدر أن والدي الهارب من جزيرة بدين والكاره لمهنة الزراعة دخل الحياة العملية في “بحري” ثم شاءت الأقدار أن تكون سعيدة الحظ “مسز جافر أباس” من بنات بحري، وبالتالي كان مفهوما أن أسعد بنقلي إلى مدرسة ثانوية في مدينة أعرفها بيت، بيت، حي، حي، زنقة، زنقة.

أحببت مدرسة الخرطوم بحري الثانوية، ووجدت فيها أسرة تدريس متميزة، وكانت المفاجأة أن معظمهم من بحري، ويشهد الله أنني مارست التدريس فيها بإخلاص مقتديا بزملائي القدامى، بل كنا نشارك الطلاب في الأنشطة اللا صفيّة، ونخوض معا أو ضدهم مباريات في كرة القدم والسلة والطائرة، وبما أنني أعشق الموسيقى فقد اقترحت على مدير المدرسة تشكيل جمعية للموسيقى أكون أنا المشرف عليها.

فسألني عن الآلة الموسيقية التي أعشقها وأجيد العزف عليها فقلت له إنني بارع في الإيقاع بعلبة الكبريت، وطرقعة الأصابع … وقد سبق لي شراء عود من القاهرة وجلست نحو شهرين محاولا إصدار جملة مفيدة منه، وفشلت، وتخلصت منه أمي، التي كانت مستاءة بالطبع من أن ولدها قد يقرر أن يصبح “بتاع غناء”، المهم أنني صرت مشرفا على جمعية الموسيقى في المدرسة ونجحت في إقناع المدير بأن يخصص لها غرفة صغيرة وميزانية اشترينا بها أدوات مثل الجيتار والساكسفون.

وكانت بحري الثانوية فألا حسنا عليّ لأنني حصلت وأنا أعمل فيها على بعثة دراسية الى بريطانيا بعد ان اختارني الأستاذ الطيب السلاوي لأكون ضمن أسرة التلفزيون التعليمي، ومن ديك وعيك: أصبحت جرنالجي وتلفزيونجي.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.