منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، دخلت البلاد في نفق مظلم من الانهيار المؤسسي، والانفلات الأمني، والانقسام السياسي والاجتماعي. وكما هو الحال في كثير من الدول التي تعاني من النزاعات المسلحة، فإن الحرب أوجدت بيئة خصبة لتفشي الفساد بجميع أشكاله، ما عمق من معاناة المواطنين، وعرقل الجهود الإنسانية، وقوّض ما تبقى من مؤسسات الدولة.
الفساد الإداري والسياسي
مع انهيار سلطة الدولة المركزية في كثير من المناطق، تحوّلت مؤسسات الدولة إلى أدوات في يد المتحاربين. تم تعيين الموالين في مناصب عليا دون كفاءة أو معايير واضحة، مما أدى إلى تفشي المحسوبية والزبونية. كما أصبحت الموارد العامة تُدار وفق الولاءات السياسية والعسكرية، لا وفق المصلحة العامة. ومن الأمثلة الصارخة، تسخير المساعدات الإنسانية لصالح أطراف معينة أو بيعها في الأسواق السوداء بدلًا من توزيعها على المتضررين.
نهب الموارد والثروات
استغلت بعض الجهات حالة الفوضى لنهب الموارد الوطنية، مثل الذهب، الثروة الحيوانية، والمحاصيل الزراعية. فقد أصبحت مناطق التعدين، خاصة في دارفور والنيل الأزرق، تحت سيطرة جماعات مسلحة أو أفراد نافذين، يتم تصدير الذهب منها بطرق غير شرعية لتمويل الحرب أو لتحقيق مكاسب شخصية. كما تم تهريب كميات كبيرة من السلع المدعومة إلى خارج البلاد، ما ساهم في ارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي.
الفساد في العمل الإنساني
المنظمات الإنسانية تواجه صعوبات جمّة في الوصول إلى المناطق المتأثرة بسبب سيطرة الجماعات المسلحة واشتراطها الحصول على “إتاوات” أو تبرعات مقابل السماح بالعبور. كما ظهرت تقارير عن استغلال بعض الموظفين للمساعدات في تحقيق مصالح شخصية، سواء عبر التلاعب في الكشوفات أو بيع المواد الإغاثية في السوق السوداء. كل ذلك أدى إلى تراجع ثقة المواطن في العمل الإنساني، رغم الحاجة الماسّة إليه.
النتائج الكارثية على المواطن
المواطن السوداني هو الخاسر الأكبر من هذه المنظومة الفاسدة. فبينما يزداد عدد النازحين والجوعى، تُهدر الموارد في الصراعات الداخلية والمصالح الضيقة. المؤسسات التي كان من المفترض أن تحميه وتخدمه أصبحت غائبة أو مشلولة. ومع غياب المحاسبة والعدالة، يجد المواطن نفسه في حلقة مفرغة من الفقر، العنف، وانعدام الأمل.
خاتمة: لا سلام بدون عدالة
إن مواجهة الفساد في ظل الحرب بالسودان لا يمكن أن تنتظر نهاية النزاع، بل يجب أن تكون جزءًا من أي عملية سلام قادمة. فبدون محاسبة حقيقية للمفسدين، وإصلاح شامل للمؤسسات، وفرض الشفافية، ستظل البلاد تدور في دوامة العنف والانهيار. ولعلّ أقوى سلاح بيد الشعب السوداني هو وعيه وإصراره على بناء دولة عادلة، شفافة، ومبنية على سيادة القانون.