آخر الأخبار
The news is by your side.

.. السودان والهيمنة الأمريكية: إلى أين/محمود خالد

على الجدار اكتب.. محمود خالد عبدالله..  السودان والهيمنة الأمريكية: إلى أين؟

 

في خضم الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالسودان، تبرز العقوبات الاقتصادية الأمريكية كأداة ضغط سياسي ذات تأثيرات مدمرة على المواطن السوداني، الذي ظل لعقود يدفع ثمن فشل الأنظمة الحاكمة وتعاقبها دون حلول جذرية. تحت شعارات مثل “مكافحة الإرهاب” و”انتهاك حقوق الإنسان”، استخدمت الولايات المتحدة العقوبات كسلاح استراتيجي، لم يعاقب الأنظمة بقدر ما سحق المواطن السوداني، الذي وجد نفسه محاصرًا بالجوع والمرض والعزلة، ثم وجد نفسه لاحقًا في قلب حرب دامية لا ترحم.

وما بين خطاب دولي يتشدّق بالمثاليات، وواقع مأساوي تغضّ فيه القوى الكبرى الطرف عن جرائم موثّقة، تُطرح الأسئلة بمرارة: من يُعاقب حقًا؟ من يقود العالم لظلم السودان؟ وأي مستقبل ينتظر بلدًا أُنهك بين مطرقة الهيمنة وسندان الاحتراب الداخلي؟

عقوبات بلا أدلة… وصمت عن المجازر

بدأت الولايات المتحدة بفرض العقوبات الاقتصادية على السودان في تسعينيات القرن الماضي، بحجة دعم الإرهاب وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، واستمرت في تحديثها وتوسيعها مع تغيّر الأنظمة وتعقّد الوضع الداخلي في البلاد. ومع ذلك، فإن المبررات التي استندت إليها هذه العقوبات كثيرًا ما بدت واهية، تفتقر إلى الدليل المادي أو التحقيق المستقل. فعلى سبيل المثال، في مايو 2025، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على السودان بعد اتهامه باستخدام أسلحة كيميائية، وتحديدًا غاز الكلور، خلال النزاع مع قوات الدعم السريع في عام 2024.

ومع ذلك، لم تُقدَّم تفاصيل دقيقة حول هذه الحوادث، ولم تُجرِ تحقيقات مستقلة من قبل منظمات دولية مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. في المقابل، تغاضى المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، عن انتهاكات مأساوية ووثّقتها منظمات دولية مستقلة، لا سيما ما ارتكبته قوات الدعم السريع من جرائم قتل جماعي وتصفية عرقية وحشية خلال النزاع الدامي الأخير.

هذا التناقض في المواقف يطرح تساؤلات عميقة حول دوافع العقوبات، ويثير الشك في أن تكون جزءًا من أدوات الهيمنة وإعادة تشكيل الخريطة السياسية في السودان، لا مجرد إجراءات تستهدف نظامًا بعينه.

الواقع السياسي بين الحصار والتفكك

سياسيًا، يعيش السودان اليوم لحظة شديدة التعقيد. فالعقوبات لم تضعف النظام السياسي فحسب، بل أسهمت في تفكيك الدولة نفسها، وتحطيم مؤسساتها. ضعف الدولة المركزية، وتغوّل المليشيات، وانتشار السلاح، كلها نتائج لم تكن بعيدة عن تداعيات الحصار الدولي طويل الأمد. والمؤسف أن هذه السياسات، بدلًا من تحقيق الاستقرار، خلقت فراغًا ملأته قوى العنف والفوضى.

وفي ظل هذا الوضع، يجد المواطن نفسه في مرمى نيران الداخل والخارج معًا: حكومة عاجزة، حرب تلتهم الأخضر واليابس، وعقوبات تحاصر الأمل نفسه في النجاة.

الرهان على البدائل: ما بعد الهيمنة؟

في مواجهة هذا الواقع، يطرح سؤال البدائل نفسه بإلحاح: هل يمكن للسودان أن يكسر طوق الهيمنة الأمريكية؟ هناك محاولات خجولة لمدّ الجسور مع قوى غير غربية مثل روسيا والصين، لكن هذه الخطوات غالبًا ما تفتقر إلى رؤية استراتيجية متماسكة، أو تُجهض بفعل الضغوط الدولية. كما أن إعادة بناء الدولة، والتوافق على مشروع وطني جامع، بات شرطًا أوليًا لأي تحرر فعلي من قبضة الخارج.

خاتمة: السودان بين المطرقة والسندان

بين مطرقة العقوبات وسندان الحرب، يقف السودان عند مفترق طرق حاسم. العالم يفرض عليه الحصار باسم المبادئ، بينما يغضّ الطرف عن المذابح باسم المصالح. والداخل منقسم، ممزق، تتنازعه قوى لا تؤمن إلا بلغة السلاح.

لكن وسط هذا الركام، يبقى الأمل معقودًا على وعي شعبي يتنامى، وعلى جيل جديد بدأ يدرك أن معركة السودان الحقيقية ليست فقط ضد نظام أو مليشيا، بل ضد نظام عالمي كامل، يصنع الخراب باسم الإنسانية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.