آخر الأخبار
The news is by your side.

الحرب في السودان وسقف الكتابة.. محمود خالد

الكتابة في زمن الحرب

الحرب في السودان وسقف الكتابة

محمود خالد

مسيح دارفور، ساق بلا جسد، أوركسترا

مثلث الكتابة في زمن الحرب التي لا سقف لها

مسيح دارفور: دهشة الخيال وصدق النبوءة

حين كتب عبدالعزيز بركة ساكن روايته “مسيح دارفور”،
كان يُدوّن خيالًا استباقيًا،
لكن الحرب — كعادتها — لا تخيب ظن كاتبٍ نبش تحت الجلد.

في وصفه للجنجويد، لم يتكئ بركة على اللغة الأدبية فقط،
بل على رعبٍ حقيقيٍ كان يعرف أنه قادم.
في الرواية، الجنحويد ليسوا مجرد قتلة،
بل كائناتٌ خارجة عن ناموس الرحمة،
يمضون في الأرض فسادًا كأنهم يحملون رسالة موت نيابة عن الشيطان نفسه.

> “لا يدخل الجنجويد ملكوت الله”،
قالها الكاتب،
ثم عاد التاريخ ليُثبت أن بعض الجمل ليست مجازًا… بل حقيقة مؤجلة.

واليوم، في غرب السودان ووسطه وشرقه،
نرى ما قاله يحدث: القرى تُمحى، الأطفال يُخطفون، النساء يُغتصبن،
والبشر يُطحنون كما يُطحن الرمل في العاصفة.

رواية “مسيح دارفور” لم تكن عن دارفور فقط،
بل عن السودان كله حين ينهار ضميره.

ساق بلا جسد: ملامح من اقتباسٍ لم يكتمل

رواية “ساق بلا جسد” للكاتب المعز عبدالمتعال،
ما تزال في طور التشكل،
لكننا في اقتباسٍ منها — تم تدشينه حديثًا — لمسنا بوضوح ملامح وجعٍ لا يحتاج إلى اكتمال.

الجسد فيها ناقص، الوطن مبتور،
والكتابة تحاول أن تُلصق ما انقطع، لا لتستعيده، بل على الأقل لتفهم كيف فُقد.

ما كتبناه عن “ساق بلا جسد” ليس قراءة شاملة،
بل لمسة أولى على باب الوجع،
باب سنعود إليه حين تكتمل الساق، أو يتبيّن أن الجسد لن يعود.

أوركسترا: معزوفة مريم التي بدأت… ولم تنته

وفي “أوركسترا”، للكاتبة سارة حمزة الجاك،
لم تكن الحرب مشهدًا… بل إيقاعًا.
مريم، الشخصية التي تشق الرواية، لم تكن بطلة تروي الأحداث،
بل أوتارٌ مشدودةٌ على مقام الموت.

سارة كتبت بمريم، لا عنها.
والمعزوفة التي بدأت في حي الديوم ومرّت بالنيل الأبيض،
ما تزال تُعزف من خلال أصوات النزوح والفقد والانتظار.

> “أنا مريم… بسلم عليكم”،
لم تكن تحية، بل شهادة حية من باطن الحريق.

وما كتبناه في هذا النص عن أوركسترا ليس سوى مقتبسٍ من لحن لم يُعزف كاملًا بعد،
لحن سنعود إليه، حين تكتمل دفاتر سارة…
أو حين تكتب الحرب فصلها الأخير.

ختامًا: الكتابة كسقف مؤقتٍ في وطن بلا سقف

بركة، المعز، سارة —
ثلاثة لا يجمعهم تيار أدبي أو مذهب سردي،
بل الضرورة.

كتب بركة ليقول: “أنا رأيت.”
وكتب المعز ليقول: “أنا فقدت.”
وكتبت سارة لتقول: “أنا أكتب كي أبقى.”

وفي حربٍ لا سقف لها،
لا تُقاوَم القذيفة بالسلاح،
بل أحيانًا… بجملة صادقة، لا تخشى أن تصرخ.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.