آخر الأخبار
The news is by your side.

التَّكَلُّس اليساروي: عبد الخالق ونهج التشنيع (16) … بقلم: النور حمد

التَّكَلُّس اليساروي: عبد الخالق ونهج التشنيع (16) … بقلم: النور حمد

ما لم ينتبه له الشيوعيون أن اعتناقهم المبكر للفكرة المادية عن الكون، كما تقدمها المادية

الديالكتيكية، واستغراقهم الحصري في فكرة المادية التاريخية، التي تفسر مجمل تاريخ العالم

من زاوية العلاقات الاقتصادية حصرًا، قد باعد بينهم وبين الاعتدال الفكري والأخلاقي. وحتى لا

تذهب الأذهان إلى غير ما أرمي إليه، فإنني أعني بالاعتدال الأخلاقي هنا أن يكون المرء موزونًا

في تعامله مع معارضيه. وألا يجنح إلى تشويه صورتهم وإلصاق النعوت بهم لمجرد أنهم اختلفوا

معه في الرأي. وهذا سَمْتٌ للروحانية الحقة دور عظيمٌ فيه. فنهج التشنيع الشيوعي نهج

فاشي يشبه ما يقوم به المتعصبون دينيًا مع مخالفيهم في الرأي. فهم أيضًا، خاوي الوفاض من

الروحانية. ما أريد أن أقوله هنا باختصار شديد، إن الحزب الشيوعي اتبع، منذ بداياته الأولى،

نهجًا يعود تاريخه إلى لينين وأسلوبه في شيطنة مخالفيه في الرأي. وهو نهج أعمى يريد

الانتصار على الخصم الفكري بأي سبيل. ويدخل هذا السلوك تحت ما يسمى name-calling،

أي إطلاق النعوت المشوِّهة للتنفير.

قدَّم “أنري فايشينيسكي” ممثل الاتهام الرئيس للدولة السوفيتية في محاكمات موسكو في

عام 1938 ملخصًا لتلك المحاكمات إلى مجلة الحزب الشيوعي المسماة: “روسيا السوفيتية

اليوم”. في تلك المقالة أطلق فايشينيسكي نعوتًا جاهزة للوصم والتشنيع، على أولئك الذين

جرت محاكمتهم وإدانتهم. فقال: “لقد ثبت أن اليمينيين، والتروتسكيين، والمنشفيك، والثوريين

الاشتراكيين، والبرجوازيين الوطنيين، إنما هم مجموعة من القتلة، والجواسيس، والمخربين

التحريفيين الذين ليس لديهم أيديولوجية، ولا مبدأ. هؤلاء مجموعة من المجرمين الذين باعوا

أنفسهم لأجهزة الاستخبارات التابعة لأعدائنا”. (راجع: ريوك شوهي Name-calling in the

History of Russia، الأكاديمية الكورية للقيادة 2010).

بقراءة لتاريخ الحزب الشيوعي يتضح أنه كان ولا يزال يسير على ذاك النهج السوفييتي في

إطلاق النعوت. ففي الخلاف الذي نشب بين عبد الخالق محجوب وعوض عبد الرازق، وكلاهما

رائد في الحراك الشيوعي في السودان، ظل عبد الخالق محجوب لا يذكر عبد الرازق، دون أن

يقرن اسمه بصفة “الانتهازي”. يقول محمد محمود عن عبد الرازق وعبد الخالق: “رغم أن كليهما

كان ذا نزعة ثورية إلا أن تجربة عبد الرازق العملية عجمت عوده، وجعلته أقدر على الأخذ والعطاء

وعلى التنازل انتظارًا للحظة ارتفاع المد. أما عبد الخالق فكان أقرب لأفق “النظرية” وأقرب

للحَرْفية في هذه الفترة. ويكشف هذا الخلاف المبكّر عن نزعةٍ قويةٍ لدى عبد الخالق للتشنيع

والانتقاص من معارضيه. فرغم ما تحقّق في فترة عبد الرازق من إنجاز، فإن اختلاف عبد الخالق

مع رؤيته لمستقبل الحركة جعله يلقي بإنجازاته عرض البحر وأصبح حريصًا، وهو يشكّل ذاكرة

الحزب، على قرن اسم رفيقه في الكفاح، كلما ذكره، بصفة “الانتهازي”. “(راجع: محمد محمود “

البيت الذي بناه عبد الخالق”). وقد دافع الأستاذ عادل عبد العاطي عن عوض عبد الرازق، ودعا

إلى رد الاعتبار له. وقال إن اتهامه بأنه كان يريد إذابة الحزب الشيوعي في الأحزاب الاتحادية

ليس سوى فرية. كما تحدث الدكتور عبد الله علي إبراهيم مؤكدًا ممارسة عبد الخالق شيطنة

الخصوم، وأن الشيوعيين الدعويين التربويين خرجوا، كجماعةِ أقلية (أو منشفيك بلغة

الشيوعيين)، مجلَّلين بعار مفارقة التاريخ، مقهورين منبوذين، مقابل النجاحات الجماهيرية

المؤكدة التي أحرزها الجهاديون الثوريون (راجع: عبد الله علي إبراهيم، “الترابي البولشفيكي

وعوض عبد الرازق المنشفيكي”، صحيفة الراكوبة.” (يتواصل).

التيار

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.