آخر الأخبار
The news is by your side.

الاقتصاد السياسي للسودان

الاقتصاد السياسي للسودان .. العلمانية والاقتصاد

بقلم: د. سبنا امام
كثيرا ما يتداول البعض الحديث عن فصل الدين عن الدولة في اطار قضايا الحرب والسلام في السودان ويخال السودانيون ان هذه القضية تنحصر تداعياتها في ذلك الاطار. ولكن فصل الدين عن الدولة يأتي في قلب الازمة الاقتصادية للسودان بل ان اي مؤتمر للإصلاح الاقتصادي لا يتناول علاقة الدين بالدولة منقوص ولا يكون قد تناول واحدة من اهم قضايا الإصلاح الاقتصادي.

ونورد فيما يلي لماذا؟

يعتبر منظرو الاقتصاد الاسلامي ان الاسلام يؤيد الرأسمالية ويعتمدون في ذلك على مقدمة ابن خلدون التي اقر فيها ابن خلدون ان الاسلام يعترف بالملكية الفردية ويعترف بالتفاوت الطبقي بمبدأ (دعه يعمل دعه يجد) بمعنى ان كون الإنسان فقيرا او فاحش الثراء هو من صنيعة يده وتقسيم الارزاق. وعليه فقد طبقت الحكومات الإسلامية ما يعرف بالاقتصاد الاسلامي وهو في الواقع النسخة الاسلامية للرأسمالية .

ولكن هذه الرأسمالية تختلف عن الرأسمالية الغربية في انها تجاهلت ان الاسلام وان كان قد اعترف بمقتضيات الرأسمالية المادية فإنه من المستحيل ان يتقبل مقتضياتها الاجتماعية فالرأسمالية هي نظام اقتصادي وسياسي واجتماعي متكامل وينفذ كحزمة واحدة فإما ان يؤخذ كله او يترك كله على عكس القاعدة الفقيه ما( لا يدرك كله لا يترك كله وفي رواية جله ).

اغفل الاسلاميون ان الرأسمالية دون الحرية الفردية والديمقراطية واتاحة الحريات ستؤدي الى الفساد وتكدس الاموال والثروات بيد النخب الحاكمة . والدولة الدينية بطبيعتها تحد من حرية الفرد لصالح الجماعة وهذا امر لايخص الدين الاسلامي وحده بل كل الديانات. ولهذا السبب دون سواه تفصل الدول الغربية الدين عن الدولة ليس لانهم اقل تدينا واحتراما للدين ولكن لتلبيه الشروط الاجتماعية الضرورية لعمل النظام الرأسمالي بكفاءة.

اغفل الاسلاميون ان الرأسمالية دون حرية المرأة وحرية العلاقات وحرية التدين وحرية التصرف بالجسد وحرية التنقل لا يمكن ان تؤتي ثمارها ولذلك تربط كل الدراسات الاقتصادية بين التخلف الاقتصادي و الدين بغض النظر عما إذا كان الاسلام او غيره.

عليه فان نميري عندما وضع قوانين الشريعة وهو يتبنى الرأسمالية كنظام اقتصادي وتبعه في ذلك كل الحكومات الديمقراطية والديكتاتورية كانوا في الواقع يمارسون النفاق الاقتصادي.

فالتزام الرأسمالية دون فصل الدين عن الدولة تكون نتيجته الحتمية هي الانهيار الاقتصادي لانه يكون نظاما مشوها. وهو محاولة للتحايل والجمع بين ان يكون للدولة الاسلامية القدرة على التعاطي مع المؤسسات المالية العالمية مع الاحتفاظ بالنظام الاجتماعي الديني المتضارب بطبيعته مع مقتضيات الرأسمالية.

واليوم في الوقت الذي ترفض فيه بعض القوى السياسية العلمانية في السودان فانها تقدم روشتة البنك والصندوق الرأسمالية كحل للأزمة الاقتصادية وتدعي ان استيفاء شروط المؤسستين كتعويم العملة ورفع الدعم سيفتح اذرع المؤسسات المالية ويؤدي لتدفق اموال المانحين ورؤوس الاموال الغربية.

وانا اقول لن يحدث ذلك ابدا الا اذا الغيت قوانين 83 واعتمد السودان العلمانية فشروط البنك والصندوق هي سلاح ذو حدين تستخدم للدعم في دول علمانية كمصر وتستخدم لاضعاف الدولة ذات التوجه الاسلامي اقتصاديا.

لن تدعم الدول الغربية السودان لان اغنى المؤسسات المانحة هي مؤسسات مسيحية الفاتيكان مثلا هي اغنى مؤسسة اوروبية وتتحكم تماما في المنح والقروض التي تمنح للدول الفقيرة وملكة بريطانيا التي هي جزء من ارباب المال العالميين الذين يتحكمون في حركه الاموال في العالم ترأس كنيسة انجلترا وهكذا فكيف يمنح مسيحيون اموالهم لدول اسلامية تصنفهم كفارا.

ولذلك لم تفي الدول الغربية المسيحية قط بالتزاماتها المالية تجاه السودان منذ اعتماده قوانين سبتمبر وكانت دائما ومازالت تعطي الوعود وتوكل مهمة الدفع لدول الخليج وهو ما ادى الى تدخل الاخيرة في الشؤون الداخلية للبلاد وهو امر طبيعي في مثل هذه الحالات.

والمشكلة ان هذه الدول كثيرا ما تخذل السودان ولا يمكن الاعتماد عليها كمانح استراتيجي على المدى الطويل فعطاؤها مرتبط بامزجتها السياسية وتقلابات المنطقة الجيوسياسية ومعلوم ان الشرق الاوسط هو الاكثر اضطرابا.

عليه فنحن كسودانين نمتلك الرصيد المعرفي والتجربة الكافيين لنكون على وعي كامل بخياراتنا فاما ان نأخذ النظام الرأسمالي كاملا وندخل حظيرة المجتمع الدولي كما قال دكتور حمدوك او ان نظل في جانب الدول المغضوب عليها ويتعين علينا وقتها ان نبني اقتصادنا على الطريقة الكورية الشمالية.

واي خطاب سياسي او اقتصادي يجمع بين الرأسمالية والدولة الدينية هو كالجمع بين الاختين و يندرج في قائمة النفاق السياسي الذي مارسه نميري و الحكومات من بعده والذي لا تسنده الحقائق العلمية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.