آخر الأخبار
The news is by your side.

الاقتصاد السياسي للسودان .. الصناعة وحرية التجارة والاضطرابات السياسية

الاقتصاد السياسي للسودان .. الصناعة وحرية التجارة والاضطرابات السياسية

بقلم: د. سبنا إمام

في مقال سابق قلنا ان نظام البترودولار وكما انه اتاح للولايات المتحدة جني الارباح من طباعة

الدولار الذي تحول لسلعة بدلا من ان يكون وسيطا للتبادل ولكبر حجم اقتصاد الولايات المتحدة

وتأثيرها على الاقتصاد الدولي تجاوز تأثير الدولار حدود الولايات المتحدة ليصبح المتحكم

الاساسي في السياسات الاقتصادية لكل الدول الهشة اقتصاديا كالسودان. على سبيل المثال

لا الحصر.

الا ان ثمن هذة السياسات الامريكية كان تراجع الانتاح الصناعي في الولايات المتحدة وخروج

اكبر الصناعات كصناعة الالكترونيات والسيارات الى دول اخرى كالصين واليابان وكوريا الجنوبية

والفلبين وتايوان وتسعى سيرلينكا واثيوبيا حاليا لتلتحق بالركب.

وكنا قد ذكرنا ايضا ان نظام البترودولار ادى الى اضطرابات سياسية دولية حيث انه لكي يكون

الطلب على الدولار والبترول عاليا لابد من اشعال الازمات والحروب لخلق اجواء من عدم التأكد

يستجيب لها الاقتصاد العالمي بزيادة الطلب على الدولار والسندات الحكومية الامريكية كمخزن

آمن للثروة . وهذا الامر يمكن الولايات المتحدة من تعويض خسارتها في التبادل التجاري الدولي

حيث انه وعلى الرغم من ان ميزانها التجاري مع دول كالصين هو دائما بالعجز فإن الطلب على

الايداع والاستثمار في السندات الحكومية في الولايات المتحدة من اغنى الدول كالدول

البترولية يمكنها دوما من توفير الاموال اللازمة لتمويل الاستثمار وخلق الوظائف . كما تتربح

الولايات المتحدة ايضا من الصناعات العسكرية حيث تخلق الحروب لخلق مزيد من الطلب على

الاسلحة فالعرض يخلق الطلب عليه كما قال( ساي) احد منظري المدرسة الكلاسيكية .

فالقاعدة هنا هي give people what they want not what they need.

ولكي يحافظ هذا النظام على تماسكه وآلية عمله كان لابد من ضم اكبر عد من الدول كتروس

في مكينته. وهذا لا يتأتى الا اذا توقف اكبر عدد من الدول عن التصنيع حيث ان هنالك كتلة

حرجة من التصنيع اذا بلغها الاقتصاد الدولي فشل هذا النظام وعندها ستكون النتائج كارثية

على الاقتصاد الامريكي الهش المستند على جبل من الديون حاليا والذي بدأت تعصف به

الازمات المالية منذ 2008. فهو مثل منسأة سليمان سيسقط حالما تلتهمه الارضة فما سليمان

الا رمز لعلو الامبراطوريات وسقوطها وهو ما سيحدث بنهاية القرن الحالي حيث ستستلم

مجموعة من 11  دولة قيادة النظام التجاري في دورته العاشرة وستختفي امريكا كقوة

اقتصادية عظمى.

ولكن كيف يتم اقناع بعض الدول الصناعية بالتوقف عن التصنيع ومنع الدول غير الصناعية من

اقامة بنية تحتية صناعية؟

يتم ذلك بأسلوبين الاول ان تقنع الدولة ذات الموارد الضخمة او القاعدة الصناعية الجيدة بضرورة

تحرير الاسواق والانفتاح على التجارة الدولية الحرة في معركة الرابح فيها هو الطلب على

الدولار ولا مكان فيها للهواة غير المحترفين وعليه تزيل كل القيود الجمركية على الواردات

وتصبح سوقا لمنتجات الدول الاخرى ولان الدول المتفوقة صناعيا تنتج عادة بتكلفة اقل لن

تتمكن الصناعة المحلية من منافستها وستختفي بأثر الازاحة طال الزمن او قصر. وهي الطريقة

التي دمرت بها القاعدة الصناعية التي انشأها طلعت حرب في مصر والصناعة الوليجة في

السودان.

الاسلوب الثاني هو اغراق هذة الدول بالديون التي لن تتمكن من دفعها ابدا لان ميزانها التجاري

بالعجز دائما نتيجة للسبب الاول وهو عدم تنافسية ما تنتجه هذه الدول وبذلك ستخسر

الدولارات باستمرار لصالح الدول ذات النصيب الاكبر في السوق العالمي وهنا تأي الصين على

رأس القائمة ولان الصين تحتاج للمحافظة على تنافسية سلعوها ضد المنافسين الأقوياء

كاليابان والمانيا وفرنسا و من القادمين الجدد بإستمرار ككوريا الجنوبية والفلبين وتايوان

ستخفض عملتها لصالخ الدولار وستودع جزءا من ارباحها في الولايات المتحدة مما يعوض

الاخيرة عن عجزها في ميزانها التجاري مع ذات الدول نتيجة لانخفاض حجم صادرات الولايات

المتحدة وعليه فكل تبادل تجاري في البحار البعيدة ينتهي جزء من في خزينة الولايات المتحدة

ولو لم تعلم عنه شيئا ولذلك يسيطر اللاسطول الأمريكي على هذة البحارعلى حركة

التجارةالدولية .

واليوم يحاول ترمب ومجموعته تغيير هذا النظام ولذلك يريد اعادة النظر في الاتفاقات الدولية

ويريد فرض قيود جمركية على الواردات من الصين املا في أحياء الصناعة في الولايات المتحدة

ولكنه لا يعلم ان النظام التجاري ماض في صيرورته الحتمية التي لا مفر منها. ولذلك يقف

اللوبي المستفيد من كرة الثلج التي يدرها نظام البترودولار وراء الحملة الشرسة التي يتعرض

لها الرجل ولذلك يتهم بالفساد والتخابر والعنصرية والجهل والغباء ولا غرو ان ينخرط نجوم هوليود

وقاطني لوس انجلس في هذه الحملة فهوليود هي اكبر المستفيدين من هذا النظام لان اكبر

صناعة في امريكا بعد السلاح هي صناعة السينما والاعلام ولوس انجلس هي اكبر مدينة في

كاليفورنيا عاصمة النظام التجاري في نسخته التاسعة بجدارة فإقتصاد كاليفورنيا هو الخامس

على مستوى العالم ويفوق ناتجها المحلي الناتج الاجمالي المحلي للمملكة المتحدة. وقد قدر

الناتج المحلي لولاية كاليفورنيا في العام 2019 بأكثر من 3ترليون دولار . وهذا الهجوم هو اكبر

هجوم على رئيس امريكي منذ اغتيال كينيدي الذي حاول مرة ان يقول بان يس من المنطق ان

يكون الاحتياطي الفيدرالي ملكية خاصة.

وبالعودة الى السودان نلاحظ ان انصار المدرسة النيوليبرالية يصرون على ان السودان لن

يتمكن من ان ينتج او يصنع مالم يتخلص من ديونه وان التخلص من الديون له طريق واحد وهو

اعادة الجدولة ومزيدا من الديون. وهذا الامر سواء فعلوه بعلم او بجهل سيؤدي لنتيجة واحدة

وهي استمرارية خضوع الاقتصاد السوداني لنظام البترودولار واستمرار الاضطراب الساسي

والاقتتال الاثني . حيث ان الاستقرار السياسي لن يتحقق لدولة مالم يتحقق الاستقلال

الاقتصادي والاخير لن يتأتى بدون الدخول في عملية تنموية ضخمة ومكثفة اساسها التصنيع

بهدف الاكتفاء الذاتي ثم غزو الاقليم والعالم بفائض الانتاج وهو امر ممكن لاي دولة تمتلك

الموارد الطبيعية المطلوبة حيث انه قد تحقق في دول لاتمتلك اي مورد ككوريا الجنوبية

وسنغافورة. ما نحتاجه هو التحول من الانشطة التجارية الى دعم الصناعة المحلية وذلك بزيادة

القيود الجمركية على اي منتج مستورد لتحفيز الانتاج المحلي وكذلك دعم الانتاج والتصنيع

المحلي وخلق الطلب الكلي في الداخل لاستيعاب كل الانتاج المحلي فالسودان دولة كبيرة

والتبادل بين ولاياته المختلفة يغنيه حاليا عن التبادل الدولي الذي لا يشكل السودان فيه حضورا

يذكر.

نحن في امس الحوجة اليوم لنموذج اقتصادي جديد يقوم على فهم عميق لآلية عمل الاقتصاد

الدولي ويحدد موقع السودان ومواطن قوته وضعفه في هذة المنظومة الاقتصادية الدولية ومن

ثم يحدد وبدقة دور السودان في محيطه الاقليمي والدولي بشكل يضمن تحقيق التنمية

الاقتصادية لدعم السلام وتحقيقي الاستقرار السياسي. ولكن الاستمرار في ذات النموذج

الحالي لن يؤدي الا لمزيد من الاضطرابات والحروب والانقسامات.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.