آخر الأخبار
The news is by your side.

الاستثمار والنمو الاقتصادي وحقيقة مؤتمرات تشجيع تدفق الاستثمارية

الاقتصاد السياسي للسودان .. بقلم: د. سبنا امام

الاستثمار والنمو الاقتصادي وحقيقة مؤتمرات تشجيع تدفق الاستثمارية الاجنبية في السودان.

ربما كانت اوروبا معتركا للحربين العالميتين الاولى والثانية . الا ان الدول النامية بمختلف مواقعها ودياناتها وثقافاتها كانت وبلا شك ميدان الصراع خلال الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة . وكان جوهر الصراع بين المعسكرين هو الاقتصاد فقد انتهت هذة الحرب بخسارة كل الدول النامية لاقتصادتها الا من رحم ربي وبالعودة للسودان ومصر كانت كلا الدولتين قد كونتا تراكما لرأس المال لا بأس به خلال فترة الحكم العلوي والاحتلال الانجليزي حتى سقوط الملك فاروق وحتى بعد انفصال السودان عن مصر كان بمقدور كل منهما ان تشق طريقها بأمان برصيد ثروة كاف لقيام دولة صناعية حديثة . الا ان دخولهما في اتون الحرب الباردة كان السبب الاساسي في تمدد حكم العسكر في تاريخ الدولتين الحديث هو ما اهدر وبدد ثروتيهما وادخلهما في الحلقة الشيطانية للدين.

ولذلك تعنبر الحروب والصراعات هي العامل الاساسي في احداث التغييرات التاريخية التي ترفع دول وتحط من اخرى .

وبالعودة لموضوع الاستثمار والنمو الاقتصادي ووهم التدفقات الاستثمارية الاجنبية فإن كل فكرة او نهج اقتصادي تنتهجه دولة ما يكون له اساس فكري ولا يكون محض قرار سياسي. وقصة جذب الاستثمارات الاجنبية تستند الى نظريات النمو الاقتصادي الكلاسيكية وتحديدا نموذج هارود ودومار المتطور عن نموذج ريكاردو وشوميتر . وهؤلاء الاقتصاديون يعتبرون ان الاستثمار هو رأس الرمح في تحقيق النمو الاقتصادي وان الاستثمار يتغذى من الادخار فكلما زاد معدل الادخار في دولة ما كلما زاد معدل الاستثمار وبالتالي تراكم رأس المال مما يزيد من كفاءة عوامل الانتاج فيزداد النمو ولكن بمعدل ثابت حتى يصل الاقتصاد لمعدل النمو الطبيعي وهو الوضع الذي يكون فيه الاقتصاد في التشغيل الكامل لموارد الانتاج بما فيها العمل وهم يفترضون ان اي اقتصاد لا يمكنه تجاوز معدل نموه الطبيعي على الاقل في الاجلين القصير والمتوسط.

الان هذة النظرية قد انتقدت لكون انها لا تصلح لوتوصيف السياسات الاقتصادية في الدول النامية والفقيرة حيت يكون الميل الحدي للادخار ضعيفا. مما يعني ان هذة الدول لن تتمكن مطلقا من سد الفجوة الادخارية وبالتالي الاستثمارية بينها والدول الغنية. ولذلك كان الحل هو ان يتم سد هذة الفجوة عبر الاستدانة من الدول الغنية او تدفق الاستثمارات الاجنبية في الدول النامية ومن هنا بدأت القصة بدأ معها تحكم الدول الغنية في المصير الاقتصادي للدول الفقيرة والمثقلة بالديون. فالاستثمارات الاجنبية لم تتدفق ابدا والديون وخدماتها تضاعفت لتعادل النتاج المخلي لهذة الدول مئات المرات دون اي يحدث اي تقدم في بنيتها التحتية الصناعية او الزراعية او حتى تراكم رأس مالها البشري.

وكانت النتيجة الحتمية لتبني سياسات الاستدانة وانتظار تدفق الاستثمارات الاجنبية ان تم القضاء تماما على محفزات النمو في الدول النامية فاغلقت المصانع وتوقفت مشاريع البنية التحتية وانهارت المشاريع الزراعية الكبرى على شاكلة مشروع الجزيرة وغيرها اذ اصبحت السياسات الاقتصادية بهذه الدول تركز فقط على تبني السياسات النقدية والمالية المحفزة للمستثمرين الاجانب والدائنين الدوليين وتهمل تماما المستثمرين المحليين بل تعدى الامر الى اهمال الاستثمار في راس المال البشري فتوقف الإنفاق على صناعة وتراكم المعرفة فإنهار التعليم الحكومي في كل مستوياته من الاساس حتى الجامعي وقام تعليم خاص من غير هدي وبات البون بين مخرجات التعليم وحوجة السوق في تباعد لان سياسات القبول نفسها لا تاخذ في الاعتبار حوجة سوق العمل او ربما لان الاستثمار الخارجي المعول عليه في خلق فرص عمل لم ياتي وحتى وان اتى فإنه لا يجد عمالة تتماشى مع تطوره الفني. وان القروض والمنح لا تتجد طريقها للمشاريع التنموية بل ينتهي بها المطاف في جيوب ل المتنفذين عبر آلية الفساد الذي غذته سياسة الاستدانة من الخارج.

وعلية فقي ثمانينات القرن المنصرم لم يعد هنالك شك بين الاقتصاديين حول حقيقة ان نموذج هارود دومار قد فشل في مخاطبة ازمة الدول النامية والفقيرة وانه ادخلها في دائرة مفرغة من الدين والفقر . ولذلك برزت نظريات النمو الداخلي لرومر ولوكس والتي تركز على ان عوامل النمو تأتي من داخل النموذج وان التكنولوجيا ليست عاملا خارجيا وانما هي عامل اساسي للنمو ويتحدد بزيادة الاستثمار في رأس المال البشري عن طريق التعليم ويتفق هؤلاء الاقتصاديون مع سولو وهارود ودومار في اهمية الادخار كمغذي للاستثمار الذي هو رأس الرمح في النمو الاقتصادي الا انهم يرون ان الزيادة في معدل الادخار وفقا لسولو وهارود ودومر هي زيادة مؤقتة تهدف فقط لإعادة الاقتصاد لوضغ النمو المتوازن او الطبيعي فيما يرى رومر ان الاستثمار في التعليم يزيد معدل الادخار بشكل دائم حيث ان الادخار هو يتحدد بمعدل التطور التكنولوجي فكلما زاد التقدم الفني في بلد ما زاد معدل الادخار بشكل مضطرد وزاد معه الاستثمار ومعدل الانتاجية . وقد اثبتت تجارب كثير من الدول التي تعرف بدول معجزة النمو مثل سينغافورة صحة نماذج النمو الداخلي هذة . وتمكنت هذة الدول من ردم الفجوة بينها والدول الغنية في فترة لم تتعدى العشر سنوات.

وبالعودة للسودان فإن ما يحدث من انتهاج للسياسات النقدية والمالية المستندة على نموذج هارود دومار والذي يفترض سلفا ان معدلات الادخار والاستثمار في السودان ضعيفة ولذلك لابد من سد الفجوة التمويلية والتكنولوجية بجذب الاستثمارات والاستدانة هو تجريب للمجرب ليس فقط في السودان ولكن ايضا في اغلب الدول النامية التي اعتمدت هذا النهح ولم تحقق ما حققته دول اخرى تبنت نظريات النمو الداخلي كالصين وفيتنام وسينغافورة وغيرها وهي دول استثمرت في راس المال البشري عبر وضع سياسات تعليمية داعمة للنمو الاقتصادي، تاسيس بنوك للتنمية لمنح قروض طويلة الاجل لإنشاء مشاريع البنية التحتية للصناعة و دعم المستثمريين المحليين عبر تطوير المؤسسات التمويلية المحلية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وفوق كل ذلك تمكين المنتجين من موارد الانتاج من الارض وغيرها عبر مراجعة قوامين ملكية الارض بما يتيح استغلال كل الاراضي الصالحة للزراعة او التعدين بصورة تنافسية واخيرا اصلاح الاسواق وزيادة كفاءتها في تخصيص الموراد عبر تفكيك الاحتكارات للسماح لأكبر عدد من المنتجين من الدخول لاي صناعة بسهولة وبرؤوس اموال معقولة.

اما الاستمرار في اللهث خلف وهم الاسثمارات الخارجية فنقول اولا هنالك نوعان من الاستثمارات الخارجية :

النوع الاول هي الاستثمارات الحقيقية وهي ان تأتي الشركات الكبرى وتؤسس مصانع في السودان على سبيل المثال شركة مرسيدس تؤسس مصنعا في السودان وتوظف عمالة محلية فتكون بذلك قد نقلت المعرفة ومولت الانتاج . وهذا النموذج لن يحجث لأنه يحدث فقط في الدول التي بها عمالة ماهرة ورخيصة مثل الصين والسودان لا ينافس حتى مصر او اثيوبيا دعك عن الصين وفيتنام وغيرهما من الدول التي تستقطب هذا النوع من الاستثمارات.

النوعالثاني الاستثمارات المالية او ما يعرف بالاموال الساخنة وهي الاموال التي تبحث عن اسعار فائدة اعلى مثلا اذا امتلك شخص ما في الولايات المتحدة سندات حكومية بسعر فائدة 2%وفجأة سمع بارتفاع اسعار الفائدة في السودان لمستوى 5% فإنه سيسيل امواله في الولايات المتحدة ليشتري سندات الحكومة السودانية لكونها باتت تحقق عائدا اكبر على الاستثمار. وطبعا هذا لا يمكن ان يحدث حاليا في السودان نظرا لضعف المؤسسات المالية فالسودان اصلا ليس مدرجا ضمن وجهات الاموال الساخنة وهو ايضا لا ينافس دولا كمصر واثيوبيا في محيطه الاقليمي في استقطاب هكذا اموال فضلا عن ان ينافس عليها عالميا.

وعليه فإن اي حديث عن مؤتمرات لتشجيع الاستثمار في السودان يندرج تحت قائمة بيع الوهم وكسب الوقت السياسي والتغطية على حقيقة العلة الاقتصادية في السودان وهي:

اولا الفساد ونهب ثروة الذهب التي هي المخرج الوخيد لأزمة سعر الصرف الخالية إذ لا يممن ان تتدهور العملة بهذا الشكل المريع في دولة 70%من صادراتها من الذهب.

ثانيا تشوه السوق المحلي بالاحتكارات الضخمة وشركات الجيش والامن وسيطرة فئة بسيطة على كل رأس المال وصعوبة دخول الاسواق لصغار المستثمرين.

وما اراه من سياسات نقدية ومالية لا تنفذ من اجل الإصلاح وانما من اجل تكريس النموذج الاقتصادي القائم منذ 30عاما والذي يخدم مصالح الفئات المذكورة في النقطتين الآنفتي الذكر وهذه الفئات للأسف هي جزء من الصفقة السياسية التي يسميها حمدوك النموذج السوداني القائم على التسوية على حساب مستقبل السودان الاقتصادي .

فالمعادلة بسيطة استدن من الخارج حتى لا تؤثر على المصالح الاقتصادية التي اكتنزها منتفعي العهد السابق من رأسماليين ونظاميين وسياسيين وغيرهم عبر تبني نموذج اقتصادي يقوم على تكريس السلطة والاقتصاد بأيدي فئة صغيرة جدا من المجتمع وهو نموذج عقيم ومعادي للنمو الاقتصادي ولن يولد إلا ازمة إقتصادية تلو اخرى لإبقاء الشعب ملهيا بمعايشه اليومية عن ما يكتنزه اصحب المصالح كل صباح من ثروات الذهب والزراعة والثروة الحيوانية وغيرها.

وهنا اختم بعبارة قالها الأستاذ احمد حسنين آدم في الندوة التي جمعتني به في لاهاي في فبرارير 2018 حين قال ان تحسن علاقات نظام الإنقاذ مع المجتمع الدولي حيث كانت الانقاذ قد احدثت اختراقا برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان آنذاك على انه يندرج تحت قائمة الانبطاح للخارج لقمع الداخل.

وحكومة حمدوك والبرهان وحميدتي بإنبطاحها للخارج لا تهدف إلا لبيع الوهم وكسب الوقت في الداخل.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.