الأبعاد الفكرية للشخصيات الإسلامية / بدر الدين العتّاق
الأبعاد الفكرية للشخصيات الإسلامية
بدر الدين العتّاق
مدخل
النبي محمد ، يمثل نقطة مركز دائرة الوجود ونقطة التقاء أسباب السماء بأسباب الأرض ، بما يحققه في الجانب النظري من حيث الرسالة والقيمة الإنسانية والأخلاقية والمعاملة وخلافه ، والجانب العملي بتطبيق كل حرف يقوله أو فعل يفعله أو عمل يؤديه في حركة حياته تجسيداً صرفاً ومشياً بين الناس في اللحم والدم ، ولا يخرج هذا التعريف عن دائرة معنى الصلاة على النبي من طرف مفهوم صلاة الله عليه بإلقاء المعارف والفيوضات الربانية فيض السيل من عل ، ومن طرف طلب تلك المعارف والفيوضات الربانية فيض السيل من عل بالنسبة للبشر وبينهما يقع طلب معنى مفهوم الصلاة عليه من الملائكة لمعرفة الذات الإلهية المطلقة وكل بقدره المقدور عليه وله.
هذا فيما يمثل البعد الروحاني المعرفي بالنسبة للملأ الأعلى وبطبيعة الحال بالنسبة للملأ الأدنى من الخلق وبالتحديد الإنسان ، وأول من تلقى تلك المعارف والفيوضات الربانية هم الأصحاب الذين تسورا الغمام بوجهه كالسوار حول المعصم.
الأبعاد الفكرية
خذ هذه الأمثلة
أولاً ، أبو بكر الصديق
يمثل البعد العقدي الإيماني الروحاني الصادق المحض الذي قامت عليه فكرة المعتقد اليقيني ، بغض النظر عن ماهية هذه المعتقدات الدينية أو المذهبية لكنه يقدم نموذجاً واضحاً في البنية الأساسية للمجتمع المثالي ذي الولاء منقطع النظير.
وكأني به أن تكون المرحلة ما بعد انتقال النبي للرفيق الأعلى هي مرحلة تثبيت العقيدة باعتبار إحدى ركائز السلوك التنظيمي البشري في قضايا ابجديات الدفاع عن المعتقدات الدينية أو الأفكار المذهبية أياً كانت ، وفي تقديري الشخصي لم تكن كل مراحل تكوين نواة المجتمع المدني الأول الجديد ضرباً من التأهيل العقدي الإيماني فقط ومنعاً لحرية الفكر والحركة الحياتية ، بل كانت مرحلة أساسية أولية بيد أنها لم تكن أبدية مستمرة مما يشير إلى تحقيق وتعدد الحريات العامة والخاصة أو قل : الشرائع الفردية ، ومن ثم تأسيس وتأطير حقوق الإنسان المدنية الأولى دون احتكار للسلطة أو للقرار السياسي في دولة ناشئة – إذا جاز التعبير – بل تعداها لتكوين وإنشاء مراحل تطور الفكر والعمل نحو طبيعة تكوين الأشياء والأحياء بالتدرج سنة كونية بلا تدخل من بعيد أو من قريب .
ثانياً ، عمر بن الخطاب
يمثل النموذج العسكري الصرف في إدارة الدولة بكل ملفاتها المختلفة والمتنوعة ويغلب عليه صفة الديكتاتورية العسكرية والقائد الملهم وعنها يقول علماء الاجتماع أن أنجح وانجع الإدارات ذات الأثر والنتيجة الإيجابية هي الإدارة الديكتاتورية العسكرية لكنها في المقابل تخصم الكثير من بقية مؤسسات الدولة المدنية آنذاك وحتى اليوم رغم النجاحات الكبيرة التي أحرزها مثل التنمية المستدامة والعمران والتوزيع العادل للثروة والسلطة بتعيين الولاة والقضاة والتخطيط العمراني الوطني وخلافه ، ثم الفتوحات خارج الحدود وإخضاع الشعوب نحو إرادة مركزية دولة المدينة التي تمثل نقطة المركز لدائرة الإمبراطورية الإسلامية الجديدة وكذلك التوسعات في تجييش الجيوش وحسن إدارتها مما مكنته من الاستحواذ على منافذ القوة العسكرية الأخرى في الأقطار المجاورة حتى غرب البحر الأحمر من أفريقيا وكل بلاد الشام وأوروبا إلا قليلا ، ثم إلى المحيط ، وكذلك الجيوب المالية في تقوية شوكة الإمبراطورية الإسلامية الجديدة .
ثالثاً ، عثمان بن عفان
يمثل البعد الاقتصادي المحض ، وأثر ذلك بان في تمويل المشروعات التنموية والخدمية الصغيرة بالنسبة لسكان إقليم الجزيرة العربية وما تتهمها من أراضي الدولة والتي انضوت تحته من شعوب المنطقة وقبائلها ثم يثبت ذلك جلياً وابتداء في التمويل المطلق بتجهيز جيش العسرة في السنة التاسعة من الإخراج النبوي الشريف الموافق لسنة ٦٣٣ ميلادية حين التوجه إلى تبوك .
أيدت واكدت الآية هذا المعنى الحقيقي { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم ، أنه بهم رءوف رحيم } سورة التوبة .
هذا البعد الاقتصادي الواضح كان له الأثر الكبير الطيب والمباشر في تثبيت دعائم فكرة الإسلام من منطلق لا العطاء فحسب بل منطلق الحرص على المشاركة الفعلية ( الإشتراكية الاقتصادية ) الحقيقية في انتشار هذه الدعوة وتثبيت أركان الدولة الحديثة مما كان له الأثر الطيب في نفوس المواطنين آنذاك وحتى اليوم.
رابعاً ، علي بن أبي طالب
يمثل البعد السياسي الشامل في إدارة الدولة المدنية الإسلامية الحديثة إن جاز التعبير ، فالحكمة التي كان يستعملها في أحلك الظروف وفك الاختناقات الشخصية أو الحدودية الدولية في معصم جزيرة العرب أو الخصومات القضائية لهي جوهر الدبلوماسية الحديثة والقيادة السياسية الرشيدة بلا منازع وبلا شك.
أما مسألة إمارته في حد ذاتها فهي عندي موضع مراجعة لكن تؤخذ التجربة العملية لقراءة التاريخ موضع الفكرة الدلالية فيما كان فيه واسطة أو ذي علاقة مع الحكام قبله .
يمكن قراءة المشاهد التاريخية المأثورة عنهم للتحقيق فيما ذكرناه أعلاه وكتابي ( المعارك السياسية في التاريخ الإسلامي ) طبعة ٢٠٢٤ ظ