آخر الأخبار
The news is by your side.

 اتفاق جوبا .. تعقيدات مشهد سياسي ملتبس

الفاتح داؤد يكتب .. اتفاق جوبا .. تعقيدات مشهد سياسي ملتبس 

بعد اعلان النسخة الثانية من حكومة حمدوك التي تشكلت وفق استحقاق جوبا ،دخلت البلاد منعطفا سياسيا جديدا، رسم حدا فاصلا بين مرحلتين، وافرز واقعا سياسيا جديدا في معادلة السلطة بالبلاد، بعد ان توج بمشاركة عدد من قيادات الصف الاول،بالجبهة الثورية في عدد من هياكل الحكم في السلطة الانتقالية (مجلسي السيادة والوزراء)، فيما تشهد الكواليس الداخلية بين اطراف الشراكة السياسية وضع اللمسات الأخيرة، لاعلان قائمة المجلس التشريعي ،واعضاء المفوضيات المستقلة و المجالس المتخصصة.

ومنذ توقيع اتفاق جوبا واعلان جداول التنفيذ الزمنية ،قد عبرت مياه كثيرة تحت جسر الاتفاقية، ساهمت في تأجيل تنفيذ الاتفاقية وفق ماهو متفق عليه ، وقد ادي هذا التأخير الى تجريد اتفاق جوبا من زخمه الاعلامي وقوة دفعه السياسية ودينامكيته الحركية ، متاثرا بصورة مباشرة بالتداعيات الاقتصادية، تفاعلات الصراع السياسي بين مجموعات التحالف الحاكم ،فضلا عن تحفظات طيف واسع من اطراف الشراكة الانتقالية على مضمون إتفاق السلام . الذي يعني دحرجت عدد من الفاعليين في المشهد خارج المعادلة السياسية.

وقد بدأت هذه الأطراف ،فعليا في تبني استراتجية سياسية اعتمدت على الاستقواء بالحركات خارج إطار جوبا ،بالتوازي مع قيادة حملة إعلامية ضد اتفاق جوبا ،اعتمدت على تشكيل راي عام ضد الاتفاق ،وتجريده من جداوه ومضمونه السياسي ،والتشكيك في نوايا صناعه ، واستهداف القيادات السياسية ، سعيا الي تحجيم دورها لاختزال قضيتها في فضاء اقليم دارفور،. تمهيدا لتوريطها في مستنقع واوحال الصراع التاريخي ، بكل أبعاده السياسية والأمنية والمجتمعية،ممثلا في قضايا الاعمار وعودة اللاجئين و النازحيين، واوضاع المعسكرات وصراع الحواكير،رغم قناعة هذه المكونات السياسية ،ان ماجري في دارفور منذ عقدين ،ماهو الا صدي لسلوك المركز السياسي ،وقد كشفت تسريبات الكواليس السياسية والإعلامية ، أن العقل المركزي لازال أسيرا للصورة النمطية المرسومة عن قضايا و قيادات الهامش ،لذلك من الطبيعي سماع صرير وصراخ الاقلام النائحة ،التي ساءها وصول طلائع قوات الحركات المسلحة الي الخرطوم تصوير الأمر بالاحتلال.

وبالنظر الي اتفاقيات السلام السابقة في أبوجا (2006)، والدوحة (2010)  يجمع معظم المراقبون، على أن أبرز التحديات التي ستواجه قيادات الجبهة الثورية لانجاح اتفاق جوبا ، تكمن في مدي قدرة الحكومة الوليدة اقناع المجموعات التي تحمل السلاح بالوصول إلي تسوية نهائية ، والعمل على حشد واستقطاب الدعم المالي للوفاء باستحقاقات السلام الضخمة، من إعمار للبني التحتية، وتأسيس حالة أمن لإقناع اللاجئين النازحيين بالعودة الي مناطقهم ،واضافة الي تحقيق العدالة الانتقالية ،ودفع التعويضات ،و اكمال عمليات دمج وتسريح المقاتلين في المؤسسات القومية.

وباستدعاءالاتفاقيات السابقة ،فقد أثبتت التجارب عدم وفاء شركاء المجتمع الدولي بتعهداتهم المالية،،نتيجة لتقطاعات ذات صلة بالاجندة السياسة الدولية وإلاقليمية ، وقد تحولت معظم هذه المؤتمرات مع المانحين الي مجرد تظاهرات سياسية وبرامج علاقات عامة،،ويقف مؤتمر اصدقاء السودان ومؤتمر المانحين الذين نظمتهما الحكومة الانتقالية شاهدا علي هذا الفشل .

لذالك يتعيين علي اطراف السلام التعامل مع هذا الملف بواقعية وموضوعية وشفافية ،من خلال التعويل علي موارد البلاد وتفجير قدراتها الاقتصادية ،واستقطاب رؤوس الأموال للاستثمار ،بدلا من الاعتماد علي وعود المجتمع الدولي المشروطة.

كما يبدو واضحا أن اتفاق جوبا عجز حتي الآن في بناء خطاب سياسي ذو مضامين جاذبة ، لتسويق الاتفاق للرأي العام المحلي والدولي، يساهم في اشراك أصحاب المصلحة في التبشير به ،خاصة عند اولئك الذين بدأوا في التعبير عن هواجسهم حيال الاتفاق، من خلال الاصطفاف حول الكيانات الجهوية والقبلية ،خشية تغيير المعادلة السياسية *(التاريخية)* بمايخل بموازين القوي المجتمعية ،وواضح أن هذه الهواجس لم تتبدد بعد، رغم الرسائل التصالحية واللقاءت، التي انخرطت فيها القيادات السياسية للجبهة الثورية ، وتنامي هذا الشعور بعد أن افرز اتفاق جوبا حضانة سياسية جديدة ،تبدو اكثر انسجاما وتناغما بين أطرافها ، يتوقع منها أن تشرع في إجراء جملة من المراجعات في التشريعات والقوانين والقرارات السياسية السابقة حتي لتتوائم مع نصوص الاتفاقية ،التي تحدثت صراحة عن تعديل اي نص من الوثيقة الدستورية ،لا يتوائم مع نصوص الاتفاقية، بل مضت ابعد من ذلك في سيادة نصوص الاتفاقية علي الوثيقة الدستورية ، حال تعارض ذلك مع أي نص في الاتفاق.

مايعني أن القادمون الجدد يحملون رؤية وتصور اكثر استقلالية ووعيا بالحقوق ، قد أثارت هذه الخطوات حفيظة كثير من الأطراف السياسية داخل التحالف الحاكم، التي وصفت مخرجات اتفاق جوبا بالمحاصصة، التي ركزت علي اقتسام السلطة اكثر من مخاطبة جذور الأزمة ، وقد بدأت فعلا الماكينة الإعلامية في تحريك آلياتها لتجريد الاتفاقية من أي قيمة سياسية ،والعمل علي اختزالها في ملفات ثانوية، تجاوزت المتون الي الحواشي ، بينما يتوقع مراقبون أن تتحول الغنائم (السياسية ) عند الشروع في تنفيذ بنودها ،الي قنابل مؤقوتة ، ربما قد تعصف بالتحالف الهش ،الذي يتكون من كيانات متباينة فكريا وسياسيا واثنيا، وقد لا يصمد كثيرا أمام اغراءت السلطة، وهو ما يمثل أحد أهم الهواجس التي تؤرق معظم المراقيين.

كما بدا لافتا من خلال السلوك السياسي لمنسوبي الحركات، وجود مفاهيم مغلوطة تسعي لأختزال الاتفاقية في تمكين القيادات السياسية العليا، ودفعها الي تبوا مواقع تنفيذية في الحكومة ضمن عناصر النادي السياسي التقليدي ،مايعني ضمنا تحويل الاتفاق الي مجرد وثيقة اذعان سياسي لاقتسام غنائم ،وهو مؤشر خطير لتفريغ هذه الحركات من قياداتها السياسية لاضعاف مواقفها المستقبلية ،كما يؤدي هذا التهافت نحو المناصب الي أضعاف التعاون،فيما بينها اطرافها حول قضيتها المركزية ،مما يساهم في خلق الظروف الموضوعية الجاذبة للاستقطاب علي أسس جديدة ،ليس من بينها الآليات السياسية.

ورغم حديث قيادات الجبهة الثورية الودي تجاه تحالف الحرية والتغيير ،إلا أن بعض مكونات هذا التحالف تنظر إلي القادم الجديد بشئ من التوجس، باعتبار أنه يضم مجموعات سياسية متحررة من الوصاية و،يتعارض تصورها السياسي للحكم ، مع المشروع القائم الحرية والتغيير ، وقد ظلت تجاهر بنقدها الحاد للاداء السياسي في المرحلة الماضية ،اضافة الي سقوفاتها السياسية العالية، في المشاركة السياسية والتنفيذية محمولة بخطاب المظالم التاريخية ،الذي علي الارجح سوف يصطدم ببعض مراكز النفوذ في الخرطوم.

وقد يعزز من هذه الفرضية المواقف الرافضة للسلوك السياسي لاحزاب الحرية والتغيير ،وتهافتها علي الوظائف العامة في سباقها المحموم نحو تمكين منسوبيها في الوظائف العامة دون معايير أو محددات موضوعية.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.