آخر الأخبار
The news is by your side.

أنثروبولوحيا الشعر مصر في ذاكرة الشعر السوداني

أنثروبولوحيا الشعر.
مصر في ذاكرة الشعر السوداني

رقية طه المغربي

كيف للشعر أن يحفظ ذاكرة الشعوب، ويتغنى بوشائجها وصِلاتها، ويصف بكلمات معدودات ما يحتاج لكتب ومجلدات كبيرة لوصفه؟.
أوانذاك ومصر تضج بنهضة فكرية صاخبة، وحركة فكرية دؤوب، تسطع من خلالها شمس الأزهر الشريف كونه منارة للعلم والتعليم والتأريخ والأدب، فتصبح على إثرها القاهرة مهبط الشعراء، و قبلة المفكرين، تهوى إليها أفئدة طلاب العلم و الأدباء من كل أرجاء الوطن العربي ، آملاً في أن ينهلوا من ذاك المعين الغض.

وبطبيعة الحال لم يكن أدباء السودان وشعراءه بمعزل عن كل ذلك ، فمثل غيرهم تاقت أنفسهم لتلقي العلم والثقافة في القاهرة، و التي ظلت تراود أحلام الشباب منهم فتشرئب أعينهم لرؤيتها ، وما ذلك إلا لمكانتها الثقافية والنهضوية المتفردة.

وتظهر قصة التوق هذه جلية في سيرة البعض منهم على نحو صريح، تاركةً أثراً مميزاً وعلامةً فارقة في إرثهم الأدبي الفذ، منهم على سبيل التمثيل لا الحصر، شاعر الحب والجمال (التجاني يوسف بشير)، أو أحمد يوسف بشير الملقب بالتجاني، الشاعر الفيلسوف، والمتصوف الرقيق، الذي تلقى تعليمه في الكتاب باكراً، ومنه انتقل إلى المعهد العلمي، وعكف طيلة حياته -القصيرة- على دراسة الأدب والفلسفة ،أما مصر فقد كانت الحلم الذي داعب مخيلته وراود أحلام يقظته، وهام شوقاً وشغفاً بها ، وطفق يتلقف أخبارها، فظلت تجول في خاطره حتى وفاته.
وقد أنشد في ذلك يقول :
إنما مصر والشقيق الأخ السودان
كانا لخافق النيل صدراً
حفظا عهده القديم وشادا
منه صيتاً ورفَّعا منه ذكراً
فسلوا النيل عن كرائم
أوسعنا دراريَّها احتفاظاً وقدراً
كيف يا قومنا نباعد من
فكرين شدا وساندا البعض أزراً

إلى أن يقول:
يا ابن مصرٍ وعندنا لك ما نأمل تبليغه من الخير مصرا
قل لها في صراحة الحق والحق بأنْ يُؤثرَ الصراحةَ أحرى
وثقي من علائق الأدب الباقي ولا تحفلي بأشياء أخرى
كل ما في الورى عدا العلم لا يُكبِّر شعبا ولا يُمجّد قُطرا

ثم يصف الشاعر -في موضع آخر- شوقه الشديد لرؤية مصر والإرتشاف من علمها وحضارتها، مع مشقة وصوله إليها فيقول:

أملي في الزمان مصر فحيا الله مستودع الثقافة مصراً
نضر الله وجهها فهي ما تزداد إلا بعداً علي وعسراً

ولم يكن (التجاني) الأديب الأوحد في حب الشقيقة مصر ، فقد سبقه إلى ذلك شاعرنا الكبير (محمد سعيد العباسي) (١٨٨٠-١٩٦٣) صاحب الديوان الموسوم ب (ديوان العباسي)، إلا أنه كان أوفر حظاً إذ أتيحت له الفرصة ،فدرس الأدب واللغة والعلوم الدينية بمصر ،وعبر عن سعادته بذلك في قصيدته (ذكريات) والتي يقول فيها:

يا مرحباً قد حقّق اللهُ المنى
فعلَيَّ إذ بُلّغْتُها أن أشكرا
يا حبّذا وادٍ نزلتُ، وحبذا
إبداعُ من ذرأ الوجودَ ومن برا
مِصْرٌ، وما مصرٌ سوى الشمسِ التي
بهرتْ بثاقب نورِها كلَّ الورى
ولقد سعيتُ لها فكنتُ كأنما
أسعى لطيبةَ أو إلى أُمِّ القُرى
وبقيتُ مأخوذاً وقيّدَ ناظري
هذا الجمالُ تَلفُّتاً وتَحيُّرا

أعقب العباسي الشاعر تاج السر الحسن (١٩٣٥-٢٠١٣) صاحب القصيدة الشهيرة أنشودة آسيا وإفريقيا،
والتي تغنى بها في خمسينيات القرن الماضي و تجلى فيها حب الشاعر لمصر، ولزعيمها الخالد جمال عبدالناصر، و لازال صيتها وصداها يتردد إلى الآن، سيما وقد لحنها وتغنى بها الفنان العظيم (عبدالكريم الكابلي) والتي يقول فيها :

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة
يا رياضاً عذبة النبع وريقة
يا حقيقة …
مصر يا أم جمالٍ أم صابرْ
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الأعادي
فلقـد مُـدت لنـا الأيـدى الصديقـة

هذه هي مصر في الشعر العربي السوداني، وهذه مكانتها في قلوبهم كانت ولم تزل، أخت بلادي …وشقيقة.
.

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.