آخر الأخبار
The news is by your side.

أنا في المنفى.. ولست مغتربا

أنا في المنفى.. ولست مغتربا

 الخرطوم- مكتب الوطن- محمد نجيب محمد علي

عبد العزيز بركة ساكن -أحد أشهر الأسماء الجديدة في كتابة الرواية- أعماله التي رفضت من قبل المصنفات الأدبية والفنية بالسودان نشرت كلها خارجه، وترجمت الى العديد من اللغات (الجنقو، مسيح دارفور،الخندريس، وأخيرا الرجل الخراب ) وخلافها…هنالك من يرون أنه كاتب مبدع، وهنالك من يرون أن رواياته مجرد منفستو سياسي..وأنه استثمر حادثة المنع الرقابي لبعض أعماله لخلق ضجة إعلامية.

جاءت هجرته إلى النمسا قبل سنوات حيث استقر هناك.. قال لي وأنا أبادله الحديث أنه سيشد الرحال قريبا إلى افريقيا.. سيتجه إلى السواحلية لغة وفنا وأدبا وسحرا فالعمر قصير ولابد من التخطيط الجيد من اجل الاستمتاع به فهو يبحث عن المسرة، وكان حوارنا لـ (الوطن) وبعض إشارات قصة الكتابة والهجرة.

..ماذا تقول عن الخطوات الأولى في عالم الكتابة؟

– البداية كانت محاولات، لا يمكن عنونتها الآن، أو وضع إطار فلسفي لها، لأنها لم تكن عن قصد، أو كنت أعيها فعلا، كانت مغامرات طفل صغير اكتشف متعة القراءة، وسحرته نصوص وحكايات، وبدأ يعمل على خلق أشكال تخصه من المتعة، ربما كنت أكتب لأرى تأثير ذلك على وجه أختي (محاسن)، كانت هي قارئي الوحيد وناقدي الوحيد أيضا.

لنتحدث الآن عن الأعمال التي قدمت بركة ساكن للمشهد الإبداعي؟

البدايات الناضجة نشرت باكورتها في مجلة الناقد، التي كانت تصدر في لندن، رئيس تحريرها نوري الجراح ذلك في عام 1989، وهي مجموعتي (على هامش الأرصفة ) صدرت أول مرة في 2005عن طريق الخرطوم عاصمة للثقافة العربية وصادرتها وزارة الثقافة في نفس العام، وقبلها كنت قد فرغت من كتابة روايتين هما (الطواحين ) و(زوج امرأة الرصاص وابنته الجميلة) وهناك رواية لم تنشر بعنوان (الفقاقيع) في سنوات دراستي الجامعية بجمهورية مصر العربية وكانت أعمالي الأولى تجريب شرس على طرائق كتابة حديثة، وروح شابة للتجديد والعمل في اكتشاف آفاق أرحب في السرد وخاصة موقع الراوي والمكان.

ولماذا جاء اختيارك للهجرة؟

– لم أختر الهجرة، بل أجبرت عليها، وهي ايضا ليست هجرة، بل هي منفى، ودفعت اليه دفعا، لم يكن في يدي اختيار المكان أو الزمان أو كيف ولم وبأية طريقة وأنت أعلم وأعرف بحيثيات ذلك، فكان علي أن أنجو بحياتي، تماما كما قال لي أستاذي عيسى الحلو في بيته بحي الجامعة الإسلامية (من مسؤولية الكاتب أن يحافظ على نفسه ) وهذه الجملة تعني أبعد من الأكل والشرب والإنجاب، وهي ايضا تذهب إلى ابعد من القبر بقليل.

وما الفرق بين المنفى والاغتراب؟

-المغترب يحاول أن يعيش داخل ثقافة لا ينتمي إليها مما يجعله مضطرا لأن يأخذ وضع الحرباء، أن يتلون بلون البيئة التي حوله ليحمي نفسه من الخطر، ولكن المنفى غير ذلك، فهو ينكمش على ذاته، وينكفئ على آلامه وجراحاته، ويبني عشا سميكا من الذكريات والحزن، وهذا يحميه من كل شيء إلا من شر الوسواس الخناس، وهو بذلك ليس أشبه بالحرباء، ولكن أشبه بنفسه هو بالذات.

هنالك من يرى أن روايتك (الجنقو ) لم تعتمد على الفن، ولكن اعتمدت على المسكوت عنه؟

– الذين يقولون ذلك عليهم بكتابته مع المبررات بأدوات نقدية وليس أدوات أخلاقية، وأتمنى أن لا يكون الموضوع سوى قليل من الحسد الذي لا يضر كثيرا وهو مثل طرق الصائح يخيف ولا يؤذي وإلا فليكتبوا لأن الذين كتبوا قالوا غير ذلك، تحدثوا عن البنية الفنية للرواية، عن الزمان والمكان ومواقع الراوي والحدث، وهناك نقاد عرب كثر كتبوا عنها، ولكن ألم يقل هؤلاء من قبل للطيب صالح عليك بالقراءة ؟ وكيف أخذت هذه الرواية جائزة الطيب صالح:هل لأن الحكام يعتمدون على المسكوت عنه وليس الفن؟ وكم هي الروايات التي تتحدث في المسكوت عنه، إنهم جيل كامل من الكتاب، وعشرات الروايات، إذا لم يكن لهذا العمل ما يميزه لماذا يسكت عنه كما سكت عن غيره؟

هنالك اتهام بأن بركة يكتب لمتلق غير سوداني بغرض الترجمة والدخول للعالمية؟

– من يقول هذا لم يقرأني بحياد وموضوعية، وأقصد بهاتين الكلمتين دون غرض وقتي، ويعرف أنني أعمل جاهدا أن أكتب ما يمكن تسميته الرواية السودانية، وسأترك ذلك لحكم الزمن.

يوما دعوت الكتاب الشباب في ندوة مشهورة لك بالخرطوم على عدم الاستماع للنقد، ماذا تقول عن النقد؟

-في مرحلة ما من حياة الكاتب الفنية، وخاصة في سنواته الأولى من الأحسن له ألا يتبع آراء النقاد وهذا رأي خاص، لأن في هذه المرحلة تظهر الموهبة على طبيعتها وسليقتها، وهنا تكون الجدة ويكون الاختلاف، والناقد يعمل من مرحلة ما قبل ذلك، لأنه أصلا يستقي علمه ومعرفته من نصوص موجودة في السابق، وليس من نصوص سوف تكتب في المستقبل، أي أنه ينطلق مما يبدو ثابتا ومتعارفا عليه وأصبح بما يشبه القانون، ومن يدري قد يأتي هذا الكاتب الشاب بما لم يأت به الأوائل؟ فإن النقد في هذه المرحلة يربكه وقد يعيق تطوره، ولكنه يحتاج إليه بشدة في مرحلة لاحقة،أي بعد أن يكون قد خط طريقه، يحتاج للنقد حينها من أجل أن يتجنب العمل به لا أكثر..، وكلنا نتذكر الناقد الذي قال لماركيز عندما عرض عليه أعماله وهو شاب: من الأحسن أن تبحث عن مهنة أخرى واقترح على ماركيز أن يعمل في بيع البطاطا بقريته.

أخيرا ترى كيف يكون بركة ساكن بعد 10 سنوات قادمات؟

– أعمل على عملين، بدأت الأول منهما قبل عام، والآخر هنا، ربما يريان النور خلال السنتين القادمتين، أعمل على نشر كتبي المترجمة للإنجليزية والفرنسية والألمانية، ومحاولة البحث عن نوافذ ترجمة للأعمال التي لم تترجم بعد، أحاول أن استفيد من منفاي بالنمسا في علاقات أدبية وفنية واكتشاف عوالم أخرى بالتجربة والحياة اليومية في اوروبا، سأتفرغ تماما للكتابة والقراءة، أي أحاول أن أعمل على مشروع حياتي، فما زلت في بداية كل شيء،الطريق طويل ويطول، والعمر قصير ويقصر، فأنا لا أفكر في عشر سنوات قادمة، ولكن خطتي للخمس سنوات القادمات إذا كان في العمر بقية، فهي حاسمة جدا وأفكر فيها رأسيا وليس أفقيا،وأتمنى عندما يأتي عام 2018 يكون الحال ليس هذا الحال، أقصد أفضل بكثير.

الوطن القطرية 19/8/2015

Loading

شارك على
أكتب تعليقك هنا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.