أزمة الإختفاء القسري في السودان
المتأثرون بممارسة الاختفاء القسري
أزمة الإختفاء القسري في السودان
تقرير: حسن إسحق
في 30 أغسطس 2024، وبينما يحتفل العالم باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، يواصل السودان معاناته من هذه الظاهرة المؤلمة، حيث تصاعدت تقارير الاختفاء القسري وسط الحرب المستمرة في البلاد. تُتهم كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية باستهداف المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها، مما يثير مخاوف جدية حول استخدام هذه الممارسات كأداة للقمع والترهيب.
وترى الأمم المتحدة أن اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري يُعتبر ذكرى عالمية مهمة، إذ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في 18 ديسمبر 1992، مؤكدةً أن هذه المبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول.
المجموعة السودانية للاختفاء القسري
في تقرير صدر في فبراير 2024، أظهرت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري ارتفاعًا مقلقًا في حالات الاختفاء في عدة مناطق بالسودان، من بينها ود مدني، الحصاحيصا، والكاملين في ولاية الجزيرة، ومدينة الرهد بولاية شمال كردفان، إضافة إلى جبل الأولياء جنوب الخرطوم. وصل عدد المفقودين إلى 993 شخصًا، من بينهم 96 امرأة. وقد نجحت المجموعة في الحصول على موافقة النيابة العامة لتسجيل دعاوى جنائية تتعلق بـ 451 مفقودًا منذ اندلاع الحرب في أبريل 2024، دون الحاجة إلى حضور الشاكي شخصيًا في النيابة.
المتأثرون بممارسة الاختفاء القسري
لا يقتصر الألم على الضحايا وحدهم، بل يشمل عائلاتهم التي تعيش في خوف وقلق دائمين. يقول عبدالمجيد، وهو اسم مستعار لأحد المتضررين في دارفور، إن العديد من الأسر في ولاية غرب دارفور لا تزال تجهل مصير أبنائها. ويعيش أهالي المفقودين في حالة نفسية متدهورة، بين الأمل واليأس، وهم لا يعلمون إن كان أحباؤهم لا يزالون أحياء أم لا، ما يجعل الأمر أكثر إيلامًا.
وروت أسماء – مواطنة سودانية – للجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري قصة اختفاء شقيقها محمد، الذي فقدت العائلة الاتصال به في مايو 2023، حيث لم يعد هاتفه يعمل منذ ذلك الحين، ما ترك عائلته تعيش في خوف دائم من أن يكون قد لقي مصيرًا سيئًا. تقول أسماء: “توقفت حياتنا منذ اختفائه، وما زلنا نعيش في دوامة من الألم والقلق.”
الإطار القانوني الدولي والاختفاء القسري
تنص المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري على أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يمكن تبرير ذلك بأي ظرف استثنائي، سواء كان حربًا أو تهديدًا بالحرب. أما المادة الثانية فتوضح أن الاختفاء القسري هو “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف الذي يتم على يد موظفي الدولة أو بموافقتها، مع رفض الاعتراف بهذا الفعل أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرم الضحية من الحماية القانونية”.
السودان والانضمام للاتفاقية الدولية
في فبراير 2021، صادق المجلس التشريعي المؤقت بالسودان على الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006، بالإضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب. واعتبر وزير العدل السابق، نصر الدين عبد الباري، هذه الخطوة “تاريخية”، خاصة بعد المعاناة التي تعرض لها السودانيون خلال النظام السابق.
مراكز احتجاز غير قانونية
يؤكد محمد علي، المدير التنفيذي للمركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، أن حالات الاختفاء القسري شهدت ارتفاعًا ملحوظًا منذ اندلاع القتال في أبريل 2023، مشيرًا إلى تورط كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في احتجاز المدنيين في مراكز احتجاز غير قانونية منتشرة في أنحاء البلاد.
الاختفاء سلاح ضد الناشطين والحقوقيين
تتعرض الصحافة وحقوق الإنسان في السودان لمخاطر جسيمة، مما يزيد من تعقيد مهمة التوثيق وتحقيق العدالة. ويواجه الناشطون والصحفيون الذين يحاولون توثيق حالات الاختفاء القسري تهديدات مستمرة بالاعتقال أو التصفية.
يقول الناشط السياسي إبراهيم عبد الله إن الاختفاء القسري يُستخدم كأداة عقابية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن “الأطراف المسلحة تلجأ إلى هذه الممارسة كوسيلة للانتقام والتستر على الانتهاكات.” وأضاف أن بعض الناشطين اختفوا في مناطق دارفور، في حين تم احتجاز آخرين في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية.
بدوره، يؤكد عبد الباسط الحاج، الباحث القانوني والمحامي، أن الاختفاء القسري يُعد من أخطر الجرائم وفقًا للقانون الدولي، حيث يشكل انتهاكًا للحق في الحياة والحرية. وشدد على ضرورة تكثيف جهود توثيق هذه الانتهاكات، داعيًا المنظمات الوطنية والدولية لبذل المزيد من الجهود للكشف عن مصير المختفين قسريًا. وأوضح أن ذلك يتطلب، من بين أمور أخرى، استخدام آليات المراقبة من قبل منظمات المجتمع المدني، ومقابلة الناجين الذين تم إطلاق سراحهم من المعتقلات، لمعرفة مصير الضحايا الآخرين.
تطالب المادة العاشرة من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لاحتجاز المتورطين في هذه الجرائم ومتابعتهم قضائيًا.
الخاتمة
في ظل تصاعد أزمة الاختفاء القسري في السودان، يظل هذا الملف إحدى القضايا الإنسانية الأكثر إلحاحًا والتي تتطلب استجابة عاجلة من المجتمع الدولي. إن توثيق الجرائم وتحقيق العدالة للضحايا هو ضرورة أخلاقية وقانونية لضمان عدم الإفلات من العقاب. ويظل تفعيل الآليات الدولية، ودور منظمات المجتمع المدني، والتعاون بين الدول هي الأسس التي يمكن من خلالها معالجة هذه الأزمة، وتحقيق المساءلة القانونية للمتورطين.