العقل زينة…العقل نعمة عظمى
العقل زينة…العقل نعمة عظمى
بقلم: د. هاشم غرايبه
قال تعالى: “أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ” [الطور:35]
العقل نعمة عظمى، ولشكر من أنعم به على الإنسان، فلا أقل من استخدامه بين فترة وأخرى للتفكر في أفضال المنعم الكثيرة، والتي يستخدمها في كل لحظات حياته، لكنه لا يعيرها انتباهاً، ولدقة أدائها وسلاسة عملها، لا يحس بأهميتها إلا إن تعطلت ولو لبرهة قصيرة، حينها تضيق به الدنيا على سعتها، ولا تعوض فقدانها كل متعها.
منذ أن يولد الإنسان، يمكنه تحريك أطرافه لكنه غير قادر على الإنتقال من مكانه مثل الحيوانات الأخرى، وبعد أن تنمو عضلاته قليلا يتمكن من الزحف على بطنه، وبعد نمو عظامه يستطيع الحبو على أربع، ويسعى لكي ينتصب قائما ويسير على قدميه من غير ما يسنده، وينجح في ذلك عندما يقارب عمره السنة.
يعتقد كثير من الناس أن انتصاب قامة الإنسان أمر حققه التدريب، لكنه في الحقيقة نتاج تضافر عدد من الآليات التي يتكامل عملها لضبط هذه العملية، وتتشارك فيها العضلات والعظام والمفاصل والأربطة والأعصاب، ويتحكم بها جهازان دقيقان للغايه، هما القنوات النصف هلالية المتصلة مع الأذن الداخلية، والمخيخ الموجود أسفل الدماغ.
تتكون القدم من ست وعشرين عظمة ترتبط ببعضها بمفاصل، وتتصل بها عضلات تحركها ، وتتحكم في حركتها انقباضا وانبساطا حزم من الأعصاب، تنجدل في عصب متصل بالحبل الشوكي المار في العمود الفقري.
حركات القدم هي التي تضبط ثبات الجسم سواء كان منتصبا أو منحنيا، ساكنا أو متحركا، لكن ذلك منسق مع أجهزة أخرى، فعلى سبيل المثال جرب أن تقف وظهرك ملاصق لحائط، لن يمكنك أن تحني ظهرك في وضع الركوع، ومهما حاولت ستقع، لأن الجسم يرجع الى الوراء قليلا للحفاظ على التوازن.
من يضبط التوازن الذي يعاكس الجاذبية الأرضية هو جهاز التوازن المتصل بالأذن الداخلية، والمتكون من ثلاث قنوات نصف هلالية متعامدة مع بعضها بما يمثل الأبعاد الثلاثة، وذلك تفسير إحساس المرء بالدوار عندما يصاب باحتقان في الأذن أو ما يتصل بها كالحلق والجيوب الأنفية، إذ أن ذلك الاحتقان يعيق سلاسة حركة السائل الموجود في تلك القنوات، والذي تبعا لحركته وفق الجاذبية الأرضية، تحدد الشعيرات الدقيقة والتي هي نهايات عصبية غاية في الدقة، تحدد موضع الجسم وأجزاءه.
أما ما يضبط الحركة المطلوب أداؤها فهو مركز توافق وانسجام حركات البدن الموجود في المخيخ، والذي هو كومة من الخيوط لا يزيد وزنها على مئة وخمسين غراما، والمخيخ لا يتدخل في الأعمال الذهنية، لأن هذا من اختصاص قشرة المخِّ، فهو يقدر بناء على إحداثيات يعطيها له جهاز التوازن وضعية كل عضو في الجسم في الفراغ ومكانه، فيحدد العضلات الواجب تحريكها ومقدار الحركة واتجاهها.
بعد أن تقدم الإنسان في صنع (الروبوت)، يحيرني كيف أن بعضا من الذين لا يؤمنون بوجود الله ويعملون في هذا الحقل، كيف يبقى ملحدا قعد به عقله عن الخروج من الفكرة الغبية المسبقة التي تقول بأنه ليس من ضرورة لوجود خالق، وان كل شيء حدث تلقائيا وبالصدفة المحضة!، أم هو العناد والكبر؟.
ينسى هذا المصمم كم يبذل جهدا عظيما في تعليم هذا الجهاز حركات بسيطة ذات بعد واحد، وإن كانت مركبة فهي تحتاج الى عدد هائل من المحركات، وأما الذكاء الصناعي الذي يحركه، فهو عبارة عن استخراج خيارات من مجموعة هائلة من الأوامر المخزنة لكنها محدودة بما زود به، من غير قدرة على الإستنباط الذاتي، ولا إمكانية للملاحظة والإستقراء والإستنتاج.
لا يندهش المرء من قلة إيمان الجهلة ومنخفضي الذكاء، لأن الإيمان يحتاج فهما وبصيرة، لكن ما بال العالم والمثقف والواعي ..؟
ترى أليس غبياً ذلك العالِم الذي يصدق أن هذا العقل الفائق القدرات والإمكانيات قد وجد من غير موجد، أو أنه طور ذاته بذاته، فيما جهاز (الروبوت) الساذج لا يمكنه ذلك، ، ولو بقي مليار سنين في المخزن لما طور ذاته قيد أنملة،…!؟.