سوق الآخرة رواية تعكس بنية الواقع الاجتماعي والسياسي في السودان.. أماني محمد صالح

سوق الآخرة رواية تعكس بنية الواقع الاجتماعي والسياسي في السودان

أماني محمد صالح

سوق الآخرة…. رواية للكاتب الفرزدق عبدالله

رواية اجتماعية سياسية تعكس ملامح الواقع السوداني بوجهيه الاجتماعي والسياسي، وذلك عبر سرد سلس ولغة سهلة وجميلة، وبفصول مترابطة اتسمت بسلاسة الانتقال بين الأحداث والشخصيات. اعتمد الكاتب أسلوبًا أدبيًا رشيقًا مكّنه من تسليط الضوء على قضايا شديدة الارتباط بوجدان المجتمع السوداني، فناقشها بوعي وتكثيف فني داخل نص لا يتجاوز 121 صفحة.

تدور الرواية حول شخصية خالد بوصفه المحور الذي تتقاطع عنده خيوط السرد. من خلاله، يمر القارئ بين فضاءات مختلفة تتراوح بين الاجتماعي والسياسي، مع رصد دقيق للثقافة المحلية وذاكرة الحرب والحب والمرأة، ودور البيئة في تشكيل الوعي والعلاقات. وقد أظهر الكاتب تنوع صورة المرأة بحسب اختلاف المكان،
تمثل شخصية بخيتة زوجة عطا المنان المرأة المغلوبة على أمرها، التي لا تملك سلطة اتخاذ القرار أو حتى الحق في الاحتجاج غياب زوجها خمس سنوات وعودته دون اعتذار أو تفسير، يعكس نموذج الهيمنة الأبوية ومفهوم الرجل كسلطة مطلقة لا تملك فيها المرأة حق المطالبة بحقوقه
فكانت بخيتة ـ زوجة عطا المنان ـ مثالًا للمرأة المغلوبة على أمرها، التي تُصادر منها حرية الرأي وتُحرم من القدرة على الاحتجاج، التي غاب عنها زوجها و يعود كأن شيئًا لم يكن، ويبدأ لنفسه حياة جديدة في مكان آخر متجاهلًا مشاعرها وأبنائها.
في جانب الآخر تبرز شخصية الجدة زهرة التي تعمل. في (سوق الآخرة) بود مدني بوصفها ذاكرة المكان والحافظة الأولى للتاريخ الأسري والرمزي، فهي الحبل الذي يربط الماضي بالحاضر وتكون عندها البداية والنهاية في سوق الأخرة تمثل حضور وشخصية المرأة الحكيمة القوية المتجذرة في الأرض التي تحافظ على السوق وتقود اعتصام السوق والمحافظة عليه الجدة التي كانت الصدر الحنون لخالد الذي يتعري من أخطائه اخفاقاته في حجرها ويزرف دموع في حضرتها فتخفف عنه همومه..
ويتقاطع الحكي والسرد عن المرأة ثقافات المجتمع التي تحكمها فيبرز المرأة في شرق السودان وقبيلة الرشايدة ا حيث المرأة تحرم من حقها في التعليم والاختيار حيث استطاع الكاتب في سرد ممتع عكس ثقافتها وعاداته الجميلة المترابطة والمحافظة عليها ولا مجال للتهاون فيه
وفي نموزج مختلف لصورة المرأة تمثل (أم ضيين) في غرب السودان نموزج للمرأة القوية التي تعمل في بيع الشاي وتتعاون مع ضابط الأمن للحفظ الأمن مناطق البترول حكامة ماهرة تجيد الغناء ونظم الشعر الفروسية والبطولات وذاع صيتها بين القبائل
من خلال هذه النماذج، يقدم الكاتب صورة عن المرأة و عن تأثير البيئة والثقافة في تشكيل وعي المرأة ودورها، وكيف يختلف ذلك باختلاف المكان والعادات والتقاليد

توظيف الجنس في الرواية جاء كأداة فنية ليست غاية في ذاتها أو دلالة لتسطيح دور المرأة في المجتمع نقد إجتماعي فقد استخدمه الكاتب لكشف ما تتعرض له المرأة من قمع وتحجيم، والنقد الاجتماعي الذي يُبرز اختلال ميزان العلاقة بين الرجل والمرأة. فالعلاقة بين عطا المنان وبخيتة تكشف عمق الأزمة، لا إثارة سطحية، بل وسيلة لكشف عن صراع نفسي واجتماعي وفضح بنية السلطة الذكورية. فالجنس هنا وسيلة لكشف الصراع النفسي والاجتماعي

على المستوى السياسي، تقدّم الرواية قراءة لواقع طلاب الجامعات والتجربة السياسية التي يخوضها خالد عبر انخراطه في حزب مستقل، وما يتعرض له من ملاحقة أمنية تستغل حياته العاطفية وسجلات علاقاته للضغط عليه، وصولًا إلى تجنيده للعمل مع جهاز الأمن. ثم تنتقل الرواية إلى حقول البترول في هجليج، حيث يبرز التناقض الصارخ بين وفرة الموارد وفقر السكان وغياب التنمية، الأمر الذي ولّد حركات مسلحة طالبت بحقوقها، وتسببت في صراعات واختطاف أجانب وتفجر أزمات ما تزال آثارها حاضرة في المشهد السوداني.

وقد لخّص الكاتب ذلك بعبارة دالة:
“طول ما نحن ماسكين البقرة من قرونها ويحلبوها في البندر، المشاكل ما بتنتهي.”
في إشارة إلى استنزاف موارد الأطراف لصالح المركز وبقاء الهامش فقيرًا مهمشًا.

شارك على
Comments (0)
Add Comment